سطور
علي صالح عبدالله عندما كنا صغاراً كان اسم الفقيد علي حيدرة العزاني مهندس الصوت المعروف في الخمسينات والستينات يتردد كثيراً في المناسبات والاحتفالات الفنية التي يحييها كبار الفنانين في عدن وخصوصاً الحفلات التي كانت زاداً وطنياً الجماهير ضد المستعمر البريطاني وضد الحكومات والمشروعات التي كانت ملحقة بهذا المستعمر .وقد حكى لي أحد الفنانين الكبار في إحدى جلسات المقيل في عدن منذ أسابيع كيف كان المستعمر وأدواته المحلية يحرصون على إفشال الحفلات الفنية الوطنية من هذا النوع من خلال رفض البلديات إعطاء تصاريح لإقامة هذه الحفلات أو قطع الكهرباء عنها وكان الفقيد العزاني مميزاً في عمله الفني كمهندس صوت في إيجاد الحلول لمعالجة انقطاعات الكهرباء باستخدام العديد من البدائل وكان دائماً ما ينجح في ذلك وتقام الحفلات رغم أنف المستعمر وأعوانه ويتقاطر المواطنون في مدن كريتر والتواهي والمعلا والشيخ عثمان لحضور هذه الحفلات والتعبير من خلالها عن رفضهم للمستعمر وعن روحهم الوطنية وينجح الفنانون اليمنيون في تقديم الأغنيات الوطنية الملهبة للروح الحماسية المناهضة للمستعمر وذلك بفضل جهود هذا المناضل الوطني الجسور ذلك هو العزاني ودوره وقد تمكن خلال تلك الفترة من تسجيل العديد من الحفلات في مدن المحافظات الجنوبية وخاصة عدن ولحج وأبين واستطاع أن يوثق آلاف الأغاني والأناشيد والألحان التي تشكل اليوم تراثاً غنائياً وموسيقياً جميلاً لتلك الحقبة الزمنية الجميلة وقد توفي رحمه الله في ديسمبر 1984م ومثل رحيله خسارة للحركة الفنية اليمنية.وإذا كان ذلك هو علي حيدرة العزاني أصل التوثيق والحفاظ على هذا التراث الموسيقي والفني في الخمسينات والستينات فإننا استبشرنا خيراً مؤخراً بظهور واهتمام أسرة العزاني بكاملها بتوثيق تراث والدهم ( وتراث الوطن ) والحفاظ عليه وتقديمه وعرضه في صورة فنية تستفيد من التطورات التقنية الحديثة خصوصاً التسجيل والنقل وإزالة الشوائب والتوثيق الإلكتروني بالأجهزة الجديدة وكان عبدالله العزاني أكبر أولاد المرحوم وأكثرهم إصراراً وحماسة لتبني كافة الإجراءات المطلوبة لإعادة أحياء هذا التراث والحفاظ عليه وتوثيقه وتأسيس وإنشاء إطار مؤسسي فني متكامل للقيام بهذا الأمر ولكن لم تمهله الأقدار لتحقيق هذه الغاية النبيلة فوقع فريسة المرض ونقل إلينا الأثير منذ أسابيع قليلة وفاة العزاني الابن - ليلحق بأبيه تاركاً هذه المهمة وهذا الهدف ليستكمله بقية الإخوة والأبناء من آل العزاني.لقد كانت معرفتي الأولى بفقيدنا عبد الله العزاني من خلال طلبه الذي تقدم به عبر الأخوين أيوب ابوبكر وعصام وادي بتأسيس مركز العزاني للتراث الموسيقي والفني قد سعدت كثيراً بهذا الطلب وأبلغت مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بعدن عن ترحيب الوزارة بنشوء مركز للتراث الفني يحفظ ويوثق الأعمال الفنية والغنائية والموسيقية التي تميزت بها عدن في الخمسينات والستينات والسبعينات وكانت فرحة الرجل غامرة بهذا النبأ وكان ذلك تدشيناً لعمل كبير قام به الفقيد العزاني لإنقاذ هذا التراث الموسيقي والفني المعرض للاندثار والتلف ( يوجد أكثر من خمسة آلاف من الإسطونات العاجية والشمعية في بيت العزاني)كما بذل الكثير من الجهود والاتصال معنا ومع وزارة الثقافة والمركز الفرنسي الاجتماعي بقيادة الباحث الفرنسي المميز جان لمبرت وعقدت في منزله العديد من الندوات واللقاءات الفنية التي كان يحضرها الكثير من المهتمين والباحثين والشخصيات الاجتماعية والأدبية والثقافية وفي المقدمة مدير عام مكتب الثقافة بعدن الأستاذ الشاعر عبد الله باكدادة الذي كان يولي هذا المشروع أهمية خاصة.كما زار المركز ( بيت العزاني ) قيادات السلطة المحلية ووعد الكثير منهم بدعم مشروع المركز و حققت هذه الجهود التي بذلها الأخ / العزاني نتائج إيجابية بصرف قطعة أرض واسعة للمركز من قبل السلطة المحلية بعدن ونجحت جهود المركز الثقافي الفرنسي في تقديم بعض الدعم الفني و أثمر التواصل مع الصندوق الاجتماعي للتنمية إدراج المركز ضمن الدعم الفني للصندوق ووافقت السلطة المحلية من خلال مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل على تخصيص بعض النفقات لدعم المركز.لقد كان رحيل الأخ / عبدالله العزاني خسارة كبيرة للحركة الفنية ولهذا المشروع وعزاؤنا أن الإخوة والأبناء سيواصلون مسيرة الفقيد العزاني باستكمال كافة الإجراءات والجهود التي بذلها من أجل أن يكون هذا المركز علماً من أعلام التوثيق الموسيقي والفني ليس فقط لعدن ولكن للجمهورية اليمنية.