نظام التأديب الوظيفي
د. يحيى قاسم علي سهل أستاذ القانون العام المساعد / كلية الحقوق - جامعة عدنالوظيفة العامة رسالة نبيلة، ولا يتجلى هذا النبل في عائدها المادي أو المعنوي على الموظف العام ، فحسب ، بل وفي ضرورتها للمجتمع.لذلك حظيت بعناية الباحثين في العلوم الاجتماعية كعلماء الإدارة والقانون وغيرها.كما عُنيت بها الدولة من حيث تنظيمها الدستوري والقانوني ناهيك عن جهودها في تطوير الوظيفة العامة عن طريق الدراسات والندوات الداخلية والخارجية.والمتأمل في المئة السنة الفارطة،يلحظ التطور المذهل في مجال الوظيفة العامة وما يقترن بها من مجالات مثل أنظمة المعاشات والضمانات القانونية الأخرى لأداء الوظيفة في ظل أجواء تتسم بالاستقرار لما لذلك من أثر في تطور الوظيفة ومن ثم تطور المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وتقنياً.ومجال الوظيفة العامة واسع باتساع الحياة ذاتها،وهذا البحث اقتصر على دراسة "الانضباط واستخدام الوسائل التأديبية كنظام لإدارة الالتزام" وذلك على النحو الآتي :المبحث الأول: مجالات وأسباب المخالفات الإدارية والماليةالمبجث الثاني: أخلاقيات الوظيفة العامة المبحث الثالث: تعريف النظام التأديبي وأهدافهالمبحث الرابع: ضمانات العقوبة التأديبية[c1]المبحث الأول : مجالات وأسباب المخالفات الإدارية والماليةأولاً: التمييز بين المخالفات المالية والإدارية :[/c]تختلف المخالفة المالية عن المخالفة الإدارية في أن المخالفة المالية مسلك مخالف لقاعدة مالية مقررة.وقد تكون القاعدة المالية مقررة في الدستور أو القوانين أو اللوائح كما تتضمنها تعليمات عامة واجبة الإتباع فيلتزم بها مصدر هذه التعليمات،وكذلك المخاطب بها أما المخالفة الإدارية فهي ليست محددة حصراً ونوعاً بل مردها إلى خلال الموظف بواجباته الوظيفية أو الخروج على مقتضياتها،والواجبات الوظيفية لم يرد بها حصر، ولكنها قد ترد في تشريعات مختلفة ومثال تلك المخالفات ما نص عليه قانون الخدمة المدنية من وجوب أن يؤدي الموظف بنفسه ما يناط به من عمل وأن ينفذ ما يصدره إليه رئيسه من أوامر بدقة وأمانة , وغير ذلك مما تضمنته اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية ولائحة الجزاءات والمخالفات المالية والإدارية وغير ذلك مما تضمنته لوائح التأذيب المختلفة .وإذا كانت المخافات المالية تمثل إخلال الموظف بقاعدة مالية مقررة فإن المخالفة الإدارية هي إخلال بواجب وظيفي من الواجبات الملقاة على عاتق الموظف قانوناً،ولم يترتب عليها ضرر مالي للمؤسسة أو الوحدة الاقتصادية ومثالها،أداء العمل بالدقة والأمانة،واحترام مواعيد العمل الرسمية،وصيانة المعدات والأدوات والدفاتر،والمحافظة على كرامة الوظيفة والإبلاغ عن تغيير المسكن والحالة الاجتماعية،وعدم إفشاء أسرار العمل،وعدم الاحتفاظ بأصول الأوراق،وعدم مزاولة الأعمال التجارية،وعدم قبول أي منحة مقابل العمل،وقد بينت المحكمة الإدارية العليا في مصر الفرق بين المخالفة الإدارية والمخالفة المالية بقولها:"المخالفة المالية هي كل إهمال أو تقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة."[c1]ثانياً: مجالات وقوع المخالفة المالية :[/c]مجالات المخالفات المالية مختلفة ومتنوعة يتعذر حصرها،كما يتعذر وضع تعاريف جامعة مانعة لها،ومع ذلك توجد مجالات تكثر بها المخالفات المالية،وهذه المجالات هي:1- الإيرادات :وتتمثل في كل مخالفة للقواعد المنظمة للإيرادات بكافة أنواعها سواء كان الأمر متعلقاً بتقدير أو ربط أو تحصيل تلك الإيرادات وسواء كانت القواعد المنظمة عامة أو خاصة.2- المصروفات :وتشمل كل مخالفة للقواعد المنظمة لصرف المال العام،مثل مخالفة قانون الموازنة ولوائحها أو مخالفة اللوائح المالية الخاصة بالهيئات والمؤسسات..إلخ3- المخازن :وفي هذا المجال تتمثل المخالفة المالية في مخالفة أحكام لائحة المخازن والمشتريات أو ما يقابلها من نصوص اللوائح بالهيئات والمؤسسات.4- المشتريات :مخالفة القواعد الخاصة بالمشتريات الحكومية وفقاً لقانون المناقصات والمزايدات ولائحته التنفيذية ، أو ما يقابل ذلك من نصوص في اللوائح الخاصة بالهيئات أو المؤسسات العامة ووحدات القطاع الحكومي.5- أعمال الحسابات الجارية والختامية :القواعد المنظمة لإعداد تلك الحسابات أو في حالة تقديم الحسابات الجارية والختامية إلى وزارة المالية أو إلى الجهاز المركزي للرقابة بصورة لا تطابق ما هو وارد بالدفاتر الحسابية المختلفة.6- شؤون الموظفين :وتشمل المخالفات التي تمس شؤون الموظفين من حيث التعيين ، والعلاوات ، والترقيات ، والمرتبات ، والتسويات ، والمعاشات.تلك كانت أهم المجالات التي يكثر فيها حدوث المخالفات المالية،وليس معنى ذاك أنه لا توجد مجالات أخرى للمخالفات المالية غير تلك المشار إليها.ويثور تساؤل عن أسباب وقوع المخالفات،وهو الأمر الذي يجب السعي لمعرفته من قبل الجهاز الإداري،حتى يتمكن من إيجاد مقترحات للحد من وقوع المخالفات.[c1]ثالثاً: أسباب وقوع المخالفات المالية [/c]تأكد من خلال الممارسة العلمية،أن لوقوع المخالفة المالية أسباباً نعرض أهمها:2- الإهمال : وهو عدم تحري الدقة والانتباه في أداء واجبات الوظيفة وينتفي فيه عنصر العمد أو الخطأ الجسيم.3- ضعف الرقابة الداخلية :وتتمثل في عدم قيام المسؤولين على الإشراف الداخلي بالمراجعة على الوحدات الحسابية والمخزنية، ووحدات شؤون الموظفين تنفيذاً لما تقضي به التعليمات واللوائح والأوامر،ويخلق بذلك عدم وجود نظم للرقابة الداخلية أحياناً،أو قصورها عن تحقيق الإشراف الفعلي.4- الانحرافات العمدية: تتمثل في :أ- الاختلاسات:وهي جريمة خيانة الأمانة التي تقع من أحد الموظفين على الأموال التي في عهدته بحكم وظيفته.ومن الجانب الجنائي يعد هذا التصرف جريمة من جرائم الاختلاس.ب- الجرائم العمدية الأخرى:مثل جرائم الرشوة والسرقة والتزوير وغيرها من الجرائم التي تقع على المال العام أو الشروع فيها.ج- مخالفة القواعد المالية:وتتمثل في عدم تنفيذ،أو التراخي في تنفيذ ما تقضي به القوانين واللوائح والأوامر،أيا كان مرد هذه المخالفة وسواء كانت بسبب عدم الإلمام بالتعليمات أو الخطأ في تفسيرها،أو عدم تزويد الموظفين بها.والسبب في المخالفات المالية انحراف النفس واستهتارها بالمال العام،أو ضعف الرقابة التي ينبغي أن تفرض حماية له،أو الأمرين معاً.