محمد عبد الباقيتحرك بنا باص الثلاثة عشر راكباً بعد صلاة العصر من مدينة إلى مدينة أخرى مجاورة وبحركته هب النسيم عبر النوافذ مخففاً حرارة يوم من أيام رمضان ومن مسجل الباص ارتفع صوت المقرئ عبد الباسط عبدالصمد مرتلاً سورة البقرة وبقراءته العطرة ساد صمت الخشوع فاطمأنت وحلقت الأرواح سامية طائرة في فضاءات الإيمان الرمضاني وفجأة رن هاتف خلوي من خلفي برنة(أركب الحنطور) فأغلق السائق المسجل وصاح أحد ركاب المقاعد الأمامية(طفي السيار يا حمار) استفزني بكلمة حمار فأجابته(لا تجرح صيامك السيار حق حرمة مش حق حمار) والتفت إلى الوراء قائلاً ( عفواُ يا أختي أصلاً ما يستوي قرآن وأغاني) وعقب راكب مسن بجوار السائق ذو لحية كثة قائلاً(الأغاني مع القرآن منكر) وتدخل راكب أمامي مباشرة وبيده جريدة الأيام قائلاً( يا أخوان الأخت مش غلطانة) وتداول الركاب الحديث حول رنين السيار في المساجد وقاعات الدراسة وأخذ كل يدلي بدلوه حتى فاحت رائحة شيء يحترق فتناقصت سرعة الباص ثم توقف قال أحد الركاب(راح الكليش) وقال رجل بجواري (راحت البطة) وقالت إمرأة مسنة (هذه التلفونات فيها شياطين عطلت علينا الباص) وتشعبت الأحاديث وتفرعت إلى أن جاء باص آخر للمساعدة،وبعد حوار دار بين السائقين قال سائقنا (المستعجل يطلع الباص الثاني) فتراكض الركاب بإتجاه الباص الآخر للحاق بوقت الإفطار عدا ثلاثة لكن سائقه أغلق الباب قائلاً(الكراسي الفارغة أربعة فقط) قال الرجل حسن الهيئة (أنا مستعجل معي عمل) وقال رجل نحيل البنية (أنا مريض) وقال صاحب الجريدة (اللي ما نزل من الباص الأول يطلع الباص الثاني) وقال صاحب اللحية (خلو الحريم يطلعوا أولاً) فوافق الجميع على ركوب النساء الثلاث أولاً وبقي واحد فارغاُ،وبعد لحظة سكون انفجر الصراع محتدماً على ذلك الكرسي،وتعالت الأصوات واختلطت وتدافعت الأجساد محتشدة عند باب الباص الآخر،ومع الصيام وحرارة الجو ورطوبته الخانقة خرج البعض عن السيطرة بالشتم،ومن بين فوضى الأصوات نادى سائقنا(خلاص،خلاص هيا تعالوا صلحنا الباص) وبسماع صوت المحرك عاد الركاب أدراجهم إلى مقاعدهم مرددين بصوت خافت بعضهم قائلاً(الحمدلله) والبعض قائلاً(استغفر الله العظيم) وآخرون رددوا(اللهم أني صائم) وهدأ الكل وتحركنا،ومن مسجل الباص ارتفع صوت المقرئ عبد الباسط عبد الصمد مرتلاً سورة البقرة من حيث توقف سابقاً،وبقراءته العطرة ساد صمت الخشوع،فاطمأنت القلوب وحلقت الأرواح سامية طائرة في فضاءات الإيمان الرمضاني.