أضواء
العلمانية الراديكالية لم تستطع طيلة عمرها أن تزرع ولو سكينا واحدة في رقبة الدين، ولا شيء يضعف الدين مثل التزمت الديني.الإسلام ليس ضد العلم، ولكن الخرافات المملحة التي توضع على موائد الطقوس هي السبب وراء ارتفاع الضغط للدين، وتهديده بالجلطة العصرية.الخرافات والخشية من الأسئلة الناقدة هي وراء تخريب صورة الدين الجميل في عقول الشباب.سؤال ما زال يضرب كمطرقة على رأس العقل، ما السر وراء سقوط قرطبة، وهبوط الدورة الدموية للثقافة الإسلامية في الأندلس؟.للمتعصبين المسيحيين دور، ولكن الدور الأكبر هو في ملاحقة الراديكالية المتعصبة بأسنانها للنور الثقافي والتنويري في ذلك الوقت.كان بعض المحسوبين على الدين يلاحقون بسكاكينهم إبداع الفلاسفة المسلمين.الرجال يتغيرون والسكينة واحدة، والمسلخ واحد. ما حدث في قرطبة يحدث في المنامة والكويت ومصر والمغرب وإيران، وإن تغيرت الملابس واستبدلت الأصابع والأظافر.لا أحد يقبل بالإبداع أو التفكير المستقل أو التساؤل العقلي.كان المتزمتون في الأندلس يلاحقون الإبداع الذي ينبت في العقول، ويرون أن الإبداع لا يولد إلا سفاحا.المتزمتون سجنوا الدين في حدود عقولهم الضيقة. وهذا ما حصل لسعيد الحمار عندما ألف رسالة في الموسيقى، وعندما ألف كتابا في الفلسفة تحت عنوان (شجرة العلم).لاحقوه بسكاكينهم، ومطارقهم، وثيابهم المرقعة القديمة، ووجوههم التي يخرج منها غبار التاريخ. واتهموه بالإلحاد والكفر والزندقة؛ لأنه ألف في الموسيقى، باعتبارها بوقا من أبواق الشيطان، ولأنه ألف في الفلسفة، باعتبارها العفريت الذي قد يوقظ الجماهير النائمة في أكياسهم المهربة في سوق الأفكار السوداء، كما تهرب المخدرات في كابول، والعبيد إلى أمريكا من إفريقيا.هددوه بالجلد إلى أن اضطر إلى التواري. ثم بعد ذلك غادر إلى جزيرة صقلية هربا فارا بجلده.لم يكن سعيد الأول والأخير، فقد كان الفيلسوف الأول ابن مسرة أحد الذين تعرضت سمعته للحرق المتعمد. ألقوا على سمعته الزيت الحارق. فقد أصدر قاضي القضاة في قرطبة فتوى ضده وضد الفلاسفة المسلمين.كان حبل المشنقة ينتظر عقل ابن مسرة، وجلده مهدد بالحرق، وسمعته أصبحت مصلوبة على أبواب الأفواه قبل أبواب المدينة، لأنه التجأ إلى الفلسفة، التي هي وراء تفجر التنوير في المدن الأوروبية. ففرنسا ما زالت تأكل من سندوتشات الفلسفة التي كانت تطبخ في مطابخ فولتير وديكارت. وكل أوروبا هي الآن ممتنة لجان جاك روسو وهيجل ونيتشه وكانت، وكل الفلاسفة الكبار.لقد فرضوا حالات الطوارئ ومنع التجول للفلاسفة في عقول العامة، خشية التأثير عليهم. حالة الطوارئ أقسرت عالم الفلسفة الكبير عبد الرحمن الملقب بـ”إقليدس الإسباني” إلى الهجرة من قرطبة خوفا من السلخ الأيديولوجي. كان يعيش هو الآخر -إضافة إلى غربة الجغرافيا- غربة الانتماء.ألا ترون أن الزمان يعيد نفسه؟.تتغير الملابس والفأس واحدة، والمسلخ واحد، والجلاد واحد، ودم التنوير النازف واحد واحد.بهذا الفكر سقطت الأندلس من أيدي المسلمين.كان الإسلام في الأندلس يضع أمام المسجد والكنيسة باقة ورد كل صباح، بيد أن المتزمتين هم وراء احتراق الحديقة وشنق الحب على أبواب المدن النائمة.لن تعود عزة المسلمين إلا بالتسامح مع الإبداع، والتصالح مع الفلسفة والنقد، والقبول بالحداثة والتنوير، والقناعة بالعصر والمدنية.[c1]* موقع “العربية.نت»[/c]