محمد زكريا حبان مدينة ولدى وتربى التاريخ على حجرها ، تختزن كنوزا من العلوم والمعرفة . تخرج منها علماء إجلاء , وفقهاء أفاضل بلغت شهرتهم الكثير من الأمصار الإسلامية. ومثلما تبوأت حبان مكانة عالية في الحياة العقلية , شغلت أيضا مكانة خطيرة على مسرح السياسة . ومن يزور تلك المدينة الرائعة، سيشم عبق التاريخ العتيق الذي يفوح منها في كل مكان. وفي خارج المدينة سيلفت نظره شواهد قبور منتصبة لعديد من شيوخ الصوفية الكبار الذين كانوا ملء السمع ، والبصر ، والفؤاد ماثلة للعيان وقد أضفت على المكان الهيبة والوقار. لسنا نبالغ إذا قلنا أنها مدينة تنطق بالتاريخ والإيمان. [c1]ظهورها في التاريخ[/c]تروي بعض الروايات الشفهية أن ظهورها على مسرح التاريخ يعود إلى عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز حيث تقول تلك الروايات بما معناه : " أن الخليفة عمر بن عبد العزيز . قد حضر إلى حبان ، وألقى في جامعها الكبير خطبة عصماء " . والحقيقة أن تلك الروايات الشفوية جانبت الصواب فالخليفة عمر بن عبد العزيز لم تطأ قدماه اليمن أبدا وهذا ما أجمعت عليها مراجع التاريخ الإسلامي . وربما قائلها كان يقصد من ورائها أن يمنح حبان موقعا تاريخيا ودينيا تميزاها عن المدن اليمنية الأخرى . وهناك رواية أخرى تقول أن حبان قد تأسست في سنة ( 266 هـ / 880 م ) . والبعض الأخر من الروايات تقول أن حبان تعود إلى ما قبل الميلاد . والحقيقة لا نستطيع الاطمئنان إلى تلك الروايات الشفهية لكونها لم تتكئ على حقائق تاريخية دامغة . وعلى أية حال ، نستدل من تلك الروايات المختلفة أن المدينة موغلة في القدم . [c1]في قلب الأحداث[/c]ومثلما اختلفت الروايات حول متى ظهرت على صفحة التاريخ ؟، فإن الروايات الشفوية الأخرى، وبعض المخطوطات اختلفت كذلك في موقعها الجغرافي . فبعض الروايات تقول أن حبان تنتمي إلى حضرموت ، وبعض المصادر التراثية تسلخاها من حضرموت و تقول أنها تقع في أحضان أحور . وإلى جانب هذا احتلت حبان مكانة كبيرة في ميدان الاقتصاد ، وفي هذا تقول بعض المخطوطات الحبانية : " أنها بلدة قديمة ، مر بها أطوار خوف ، وأمن ، ورخاء ، وشدة . فقد كانت مرسى للقوافل المحملة من المراسي البحرية. والذهبة إلى بيحان ، ومأرب ، وحريب ، والبيضاء وغيرها من المناطق ، وفيها من التجار الذين يحملون القوافل التي قد تصل قيمتها إلى مائة ألف ريال فضة من البز وغيره ".[c1]حبان والنقود الإيطالية[/c]ونستخلص من ذلك أن حبان كانت في يوم من الأيام منطقة تجارية هامة أو بعبارة أخرى كانت همزة الوصل بين مدن شبوة وحضرموت . وأن الحياة الاقتصادية فيها ازدهرت ازدهارا كبيرا وهذا بالتالي كان له أثره على الحياة الاجتماعية المتمثلة بازدهار الحياة الثقافية فيها . ولقد مرت أيضا المدينة على مراحل من الرخاء ، والشدة ، وهذا دليل على أن الحياة السياسية كانت فيها غير مستقرة . وبعبارة أوسع أن حبان كانت مدينة تموج بالحركة التاريخية أي أنها مدينة تمتلئ بالحياة والحيوية وأنها كانت في تعيش في قلب الأحداث ولم تكن مدينة تقبع في الظل أو على هامش التاريخ. ويلفت نظرنا أن العملة التي كانت يتداولها التجار كانت من ( البز) وهي من عملات المدن الإيطالية المشهورة التي كانت تستعمل وقتئذ في عهد الدولة الرسولية ( 626 ـــ 858 هـ / 1228 ـــ 1454 م ) ، والدولة الطاهرية ( 858 ـــ 933 هـ / 1454 ـــ 1527م ) على وجه الخصوص. ومن المحتمل أن تلك النقود الإيطالية جاءت إلى حبان عبر عدن. فقد تعاملت عدن بالنقود الإيطالية في عصر الدولة الطاهرية لكونها كانت ميناء مفتوحا لمختلف التجار اليمنيين والأجانب، ويقول في هذا الدكتور محمد صالح بلعفير: "... ولا نستبعد أن يكون السوق المالي بعدن قد عرف التداول بالنقود الذهبية الأفلورية لخدمة الحركة التجارية وبخاصة مع التجار البنادقة وغيرهم من التجار الإيطاليين والأجانب الذين كانوا يأتون إلى عدن ويترددون على أسواقها ". ونستدل من ذلك أن الحياة التجارية حبان كانت مزدهرة و نشيطة في عصر الدولة الطاهرية. ولكننا لا نعلم على وجه اليقين هل كانت حبان خاضعة للنفوذ الدولة الطاهرية أم كانت مستقلة عن قبضتها . والحقيقة أن المراجع التاريخية الحبانية أو الطاهرية لا تسعفنا بمعلومات حول تلك المسألة. وربما تكون حبان ارتبطت اسميا بالدولة الطاهرية ، ولكن فعليا كانت مستقلة من خلال نفوذ حكم الأسر الصوفية المشهورة في حبان والتي كانت لها ارتباط وثيقا بكبار مشايخ صوفية حضرموت والتي سنتحدث عنهم بشيء من التفصيل بعد قليل. [c1]بين التاريخ والجغرافيا[/c]وفي الواقع أنه من الأسباب الحقيقة وراء الرياح السياسة التي كانت تهب على حبان من وقت إلى أخر يعود إلى موقعها الجغرافي الحساس بين حضرموت وشبوة وبعبارة أخرى كان موقعها سببا بأن تتعرض إلى التقلبات السياسة بين حين وآخر. ومن أجل أن تتضح الصورة السياسة لحبان أو غيرها من المدن اليمنية ينبغي علينا أن ندرس الجانب الجغرافي منها فلا ينبغي أن نفصل بين الجغرافية أو العامل الطبيعي والتاريخ فكلهما يكمل الآخر. ويوضح لنا الدكتور حسن عثمان أهمية الجغرافية لدراسة التاريخ ، فيقول: " والجغرافيا من العلوم المساعدة الضرورية لدراسة التاريخ. والارتباط وثيق بين التاريخ والجغرافيا. فالأرض هي المسرح الذي حدثت عليه وقائع التاريخ ، وهي ذات أثر كبير في توجيه مصائر النوع الإنساني. فهي التي أطمعت الإنسان وأنشأته وعينت واجباته ، وأوجدت المصاعب والعقبات الطبيعية التي تشحذ قريحته للتغلب عليها وللتأثير بدوره في البيئة التي يعيش فيها والعمل على استغلالها ". [c1]تعريف اسمها[/c]إن تسمية حبان لم يقف عندها المؤرخين المحدثين والباحثين الحاليين. بل أن المؤرخين القدامى من أهلها لم يعطونا صورة واضحة الملامح عن سبب تسميتها بـ (( بحبان )) أو ما معناها . وتروي المصادر التراثية الحضرمية أن سبب تسميتها بذلك الاسم يعود إلى رأس آل الشبلي . وكان يسمى محمد بن عمر الحباني الذي جاء إليها في القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ). [c1]سكانها[/c]انتشرت الصوفية في حبان وترسخت جذورها فيها على يد كبار مشايخ الصوفية في حضرموت ومنهم على سبيل المثال السادة آل المحضار وآل فدعق ولقد كان قدومهم في القرن الحادي عشر الهجري ( السابع عشر الميلادي) والذين كانوا امتدادا لجدهم محمد عمر الحباني الذي قدم من حضرموت وألقى عصاه في حبان في القرن الثامن الهجري ــ كما مر بنا سابقا ـــ . ويفهم من ذلك أن البذور الأولى للصوفية الحضرمية ــ إن صح ذلك التعبير ــ كانت في عهد محمد الحباني رأس آل الشبلي ، وعلى وجه الدقة في القرن الثامن الهجري ( القرن الرابع عشر الميلادي) . وترسخت وتوسعت الصوفية في حبان في مطلع القرن الحادي عشر الهجري. ولافت للنظر أن ذلك القرن كان يمور بالأحداث السياسية الخارجية الصعبة المتمثلة بالغزو البرتغالي لسواحل اليمن ، والحصار الشديد عليها لخنق وضرب الاقتصاد اليمني . ولكن تلك الأحداث يبدو أنها لم تلق بظلها الثقيل والخانق على حبان وأهلها. وربما المصادر الحبانية تحدثت عن تلك الأحداث الخطيرة والملتهبة التي اشتعلت نيرانها في سواحل اليمن والبحر العربي ، والبحر الأحمر ولكن يبدو أن تلك المصادر التراثية قد فقدت لسبب من الأسباب فلم نعثر عليها لنطلع عما كتبته عن تلك الأحداث التي زلزلت كيان اليمن في عهد غروب الدولة الطاهرية وخصوصا بعد مصرع السلطان عامر بن عبد الوهاب على يد المماليك المصرية سنة ( 923 هـ / 1517م ). [c1]التوغل الصوفي الحضرمي[/c]صحيح أنه قد تكون حبان تنتمي إلى أحور في شبوة من حيث الموقع الجغرافي ، ولكنها كانت تقع في دائرة النفوذ الصوفي الحضرمي أو قل إن شئت تقع تحت راية السياسة الصوفية الحضرمية التي بسطت سيطرتها على كل شبر من حبان بسبب خضوعها لكبار السادة أو لكبار مشايخ الصوفية في حضرموت. ونستطيع أن نتجرأ ونقول أن حبان قد فقدت شخصيتها المستقلة أو ملامحها الخاصة بها بسبب التوغل الصوفي الحضرمي في كل مفصل من مفاصلها. وفي واقع الأمر، أن الصوفية الحضرمية انتشرت في كثير من بقاع اليمن التهامية والسهلية انتشار النار في الحطب وخصوصا في عهد الدولة الرسولية والطاهرية في اليمن اللذين شجعتا الصوفية وعلت من شأنها. على أية حال ، يلفت نظرنا ــ كما قلنا سابقا ــ أن كبار مشايخ الصوفية الذين سكنوا حبان كانوا من حضرموت ـــ كما مر بنا سابقا ـــ . فهذا " السيد الصوفي الولي صالح بن محمد علوي توطن في حبان ... وسار على طريقة الصوفية ". وهناك الكثير من الروايات الشفهية تناولتها الألسن عن كرامات ، وخوارق أولياء حبان وكلهم وجلهم من كبار مشايخ الصوفية قدموا من حضرموت واستقروا في حبان ، ونشروا الصوفية فيها. ونستخلص من ذلك أن كبار شيوخ الصوفية الحضارم صار لهم نفوذ ديني إلى جانب النفوذ السياسي في حبان ، وصارت حبان وأهلها يدورن في فلك صوفية حضرموت. أو قل بعبارة أخرى صبغت حبان بصبغة الصوفية الحضرمية. وصارت جزءا لا يتجزأ من نسيج صوفية حضرموت. [c1]جامع حبان [/c]يذكر محمد الحوت المحضار أن أقدم المساجد في حبان بل واليمن جمعاء هو مسجد وجامع حبان والذي يبلغ من العمر ألف عام ، ويقال أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز المتوفى (101هـ / 720م ) قد ألقى في ذلك الجامع خطبة الجمعة. ويقال أيضا أن مئذنته الشامخة العالية ترى من مكان بعيد. ولقد ذكرنا من قبل أن الروايات الشفوية التي تحدثت عن حضور الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز إلى مسجد حبان وإلقاء الخطبة فيه . كانت تهدف من ورائها هو أن تكون مدينة حبان لهم مكانة كبيرة في التاريخ الإسلامي أو بمعنى أوسع أن يكون لها مكانة روحانية ودينية، فتلك الروايات الشفهية لا أساس لها من الصحة. وأما بخصوص المنارة ( المئذنة ) وأنها ترى من مكان بعيدا في حبان ، فإن المآذن لم تبن مع الجوامع إلا في وقت متأخر أو بمعنى أخر أن بناء المآذن على وجه الدقة لم تلحق في عمارة المساجد إلا بعد العصر الأموي بوقت طويل. وأغلب الظن أن مئذنة مسجد جامع حبان بنيت في وقت حديث ولكن لا نعلم على وجه الدقة ما هو طرازها أو شكلها المعماري هل طرازها يعود إلى الطراز المملوكي أو العثماني والذي يتميز الأخير بأن مآذنه أشبه بقلم الرصاص المسنون. وأما ما ذكره محمد المحضار الحوت بأن المسجد الجامع حبان يعود تاريخه إلى ألف عام ، فلم يعطينا المصدر الرئيس الذي يؤكد صحة معلومته تلك. وفي واقع الأمر، أن الجوامع الألفية التي بنيت في اليمن ، وأجمعت عليها المراجع التاريخية هي جامع أبان في عدن والذي بناه أبان بن عثمان في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان . وجامع الجند الذي بناه معاذ بن جبل في عهد رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ـــ في السنة التاسعة من الهجرة وذلك حسب رواية سيرة ابن هشام. ومسجد صنعاء الجامع الذي بناه وبر ابن يحنس الأنصاري في عهد الرسول الكريم وهو الأغلب في الروايات. وكيفما كان الأمر، فإنه من المرجح أن يكون جامع حبان من الجوامع العتيقة في اليمن ولكن من المشكوك فيه أن يبلغ من العمر ألف عام .[c1]الزوايا الصوفية [/c]وطالما تحدثنا عن انتشار الصوفية في حبان ، فإننا يجب أن نلقي أضواء على آثارها المادية المتمثلة بالزوايا الصوفية أو المصليات الصغيرة . فزوايا الصوفية عبارة عن مسجد صغير متواضع مربع الشكل مغطى بالكامل ، في الغالب والأعم يدفن فيه كبار شيوخ الصوفية الذي كان يدرس فيه حلقات علوم الدين لطلابه ومريديه وأتباعه ، والقبر يكون عبارة عن ضريح في داخل غرفة مغلقة أو في خلف بيت الصلاة الجزء المغطى من المسجد جهة القبلة . وفي الحقيقة أن الزوايا أو المصلى الصغير منتشرة في كثير من مناطق اليمن في السهول ، والوديان والهضاب وتجدها خصوصا في المناطق التهامية اليمنية والتي تنتشر فيها الصوفية بصورة ملحوظة وكبيرة . وفي هذا يقول المؤرخ عبد الله الحبشي : " أغلب الذين عرفتهم اليمن من الصوفية عاشوا في تهامة حيث كانت هذه المنطقة من البلاد المحببة لهم . فقد وجدوا فيها الأمن والهدوء ، مؤثرين العزلة والعبادة في سواحلها ، وبعيدا عن ضجيج الحياة وقلاقل الحكام . وقد كان أحد صوفيتهم ـــ وهو الشيخ أحمد الصياد ـــ (( يثني كثيرا على السواحل ويرى أنها مورد عباد الله الصالحين )) ". والجدير بالذكر أن الشيخ أحمد الصياد هذا له مصلى صغير في مدينة التواهي بعدن في مقابل البحر. ويعرف كذلك (( بأبو الصيادين )) ولقد عاش في مطلع القرن العشرين. وقيل أن التواهي كانت تسمى على اسمه ـــ على حسب قول المؤرخ عبد الله محيرز. ولقد كتب محمد الحوت المحضار تحت عنوان الزوايا الصوفية وكنا نتوقع منه أن يشرح لنا نشؤ تلك المصليات الصغيرة أو الزوايا في حبان ولكنه لم يفعل. فقد أشار فقط إلى زاويتين الأولى تعود إلى الشيخ علي بن أحمد الحباني. والزاويا الآخر لعلي بن عبد الله. ويذكر لنا معلومة مثيرة وهي أن بعض الصوفية من المغرب جاء إلى حبان وأسمه مولى البيضاء.[c1]عادات وتقاليد حبان [/c]يصف محمد الحوت المحضار في كتابه عددا من العادات والتقاليد التي كانت سائدة بين أهل حبان من فترة ليست بقصيرة وعلى وجه التحديد كانت مستمرة حتى أوائل القرن العشرين. وربما اختفت تلك العادات والتقاليد في حبان بسبب إيقاع الحياة الحديثة السريعة التي طمست الكثير من الموروثات الشعبية في مدننا اليمنية العريقة . وعلى أية فهو يصف على سبيل المثال عادات الزواج القديم ، فيقول : " فمن عاداتهم في العقد أنه لا يكون إلا في الجامع حيث يظهرون إلى الجامع بالزوامل والأشعار، وذلك نوع من إظهار عقد الزواج وتلك عادة حسنة ... ويشارك في هذا الحفل الشعراء ولا بد أن يكون أثنين لتكون بينهم محاورة شعرية ". ويذكر الشعراء الشعبيين المشهورين في حبان وهم السيد محسن أبوبكر البغدادي ، والشيخ علي بن يسلم بن لعور ، ومحمد صالح باسردة. [c1]يوم القهوة [/c]ومن العادات والتقاليد المرتبطة بالزواج هي يوم القهوة ، ويوم الحنا . في يوم القهوة " ... يجتمع الكثير من الأهالي في بيت العريس ويحملون معهم قليل من البن فيتحركون إلى بيت العروسة ( العروس ) ". وعندما يصلون إلى بيت أهل العروس ، يقول أحدهم بعد الصلاة والسلام على رسول الله كالآتي : " فقد جئناكم راغبين طالبين ابنتكم المصونة فلانة إلى فلان ، فماذا تقولون. فيرد آخر بعد الصلاة والسلام على سيد المرسلين أهلا وسهلا والكلام مختوم على ما بينكم ". [c1]يوم الحنا[/c]وأما يوم الحنا " ... وبعضهم يسميه يوم الزقره أي قبضة العروس ( مهرها ) وغسلها وإبدال ثيابها ، وأول ما يأتي عليها بعض أقاربها فيغطيها بطبق أو خرقة ويغطرفون ( يزغردون ) عليها ويغنون باراجيزهم المرحة ... ويسمى يوم الحنا لأنهم يحنون فيه العروس ، قد يحنون العريس في أطرافه ... ومن أفراح الرجال في هذا اليوم يخرجون إلى محل السمر ومعهم الحنا في قفة مع الزوامل والشعراء ومن ضمن أهازيجهم : [c1] وعلى الحنا وعلى الحنا حنا سيدنا وابن سيدنا عادات التهنئة بالولادة [/c]محمد الحوت المحضار تلك العادات ، فيقول : " ومن العادات أنه أذا ولدت أمرأة بذكر يذهب مجموعة من الطلبة الصغار في المدرسة إلى بيت الولادة وهم يرددون هذه القصيدة : [c1]قريب الفرج يا قريب الفرج فرج علينا بفرج قريب أنا أسلك العفو والعافية إذا أمسيت في للحد وحدي غريب ". [/c]ويمضي في حديثه ، فيقول : " فإذا دخلوا ( أي الطلاب الصغار ) البيت ، قالوا : ( أسعد الله صباحكم بالعافية ، أتعلمون يا سادة أن الفسح لنا عادة على العرس والختان والولادة ) فيقسم عليهم بعض الحلويات ويعطونهم للمعلم ما تيسر من دراهم ، ويعطي المعلم إجازة لمدة ساعة في ذلك اليوم ". [c1]الدولة الواحدية [/c]وصف مؤلف كتاب (( ما جاد به الزمان من أخبار مدينة حبان )) محمد الحوت المحضار في الفصل الثالث من الكتاب بعنوان (( الحياة السياسية في حبان )) ، حول تأسيس الدولة الواحدية والتي كانت عاصمتها حبان. وأورد عددا من المسائل التاريخية عن الدولة الواحدية وهي كالأتي : " فقد ذكر سيدي العلامة الحبيب سالم أحمد علي المحضار أن دولة بني عبد الواحد لها ألف عام بحبان ". ويضيف معلومات أخرى عن الدولة الواحدية ، فيقول : " ... وذكر العلامة علي محمد الشبلي أن السيد العلامة علوي بن طاهر الحداد ذكر في كتابه الشامل أن دولة بني الواحد كانوا عمالا لملوك اليمن بني رسول ، ويقال أنهم عمالا لبعض أئمة صنعاء الزيديين ، وأنهم فصلوا عن الحكومة المركزية أيام ضعفها وعليه فالدولة الواحدية تعتبر من الدول القديمة في اليمن ". ونورد الملاحظات التي ذكرها المؤلف وهي كالآتي : ـــ ذكر أن بنو الدولة الواحدية ، كانوا عمالا للدولة الرسولية . والحقيقة أن بنو طاهر هم الذين كانوا عمالا لبني رسول سواء في عدن أو غيرها من المناطق الواقعة تحت نفوذهم.وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم في كتابه (( الفتح العثماني الأول لليمن ))، فيقول : " وكان بنو طاهر عمال الدولة الرسولية في (( عدن )) ، و (( لحج )) فخرجوا عليها وأسسوا دولتهم على أنقاضها ". ويضيف الدكتور محمد بلعفير معطيات أخرى عن تلك المسألة، قائلا : " بدأ الطاهريون حياتهم السياسية في خدمة السلاطين الرسوليين منذ أيام الشيخ معوضة بن تاج الدين في عهد السلطان الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل ( 803 ــ 827 هـ / 1400ــ 1424 م ) ". ــ ولقد ذكر المؤلف محمد الحوت المحضار ، أن بنو الواحدي كانوا أيضا عمالا لبعض أئمة صنعاء الزيديين. والحقيقة أن تلك المعطيات لم تذكرها المراجع التاريخية. وربما يقصد بالأئمة الزيدية الإمام شرف الدين يحيى شمس الدين الذي سيطر على الكثير من مناطق اليمن قبل مجيء العثمانيين إلى اليمن سنة ( 945 هـ / 1538 م ). ــ وأما ما ذكره المؤلف بأن حبان تعود تاريخها إلى ألف عام ، فالحقيقة أن تلك المعلومة لم تذكر في النقوش اليمنية أو في المراجع التاريخية القديمة ، فهو ينقل عن مؤلف آخر اسمه سالم المحضار وهذا الأخير لم يقول لنا من أين استقى تلك المعلومة الهامة ؟. وكيفما كان الأمر، فإن حبان ـــ كما مر بنا سابقا ـــ من المدن اليمنية القديمة. ولكن لا نعلم على وجه اليقين متى ظهرت على صفحة التاريخ ؟ . [c1]يهود حبان [/c]ومن المعطيات الهامة الذي ذكرها المؤلف محمد الحوت المحضار وهي وجود اليهود في حبان. ولقد أشار بأن اليهود في حبان كان عددهم كبيرا. وهذا دليل بأن اليهود كانوا يمارسون طقوسهم الدينية بأمان من ناحية ويمارسون مهنهم وتجارتهم بكل حرية من ناحية أخرى إلى وقت قريب ونقصد به قبل انتقالهم إلى فلسطين سنة 1948 م . وفي هذا يقول محمد الحوت المحضار : " وكانت حافتهم تسمى حافة ( حارة ) اليهود وتضم حوالي خمسين بيتا ولهم فيها معبد ومذبح ومدرسة . ويكاد يكون حبان المركز الرئيسي لتجمع اليهود في المنطقة ، ولهم مقبرة خاصة بهم في الريدة، ولا زالت آثار قبورهم إلى الآن ( يقصد في سنة 1948 م ) ". ويضيف قائلا : " وقد كانوا يتداخلون مع الناس في البيع والشراء وتجارة وصياغة الفضة وأكثر شغلهم صياغة الفضة ، وكانوا يتنقلون بين مختلف المناطق المجاورة ، وقلما يتعرض لهم أحد بالأذى رغم الخوف والنهب غير أن المسلمين يعرفون لهم حق الذمة كما يخشى اللصوص سطوة من يجيرهم من حلفائهم من القبائل ، وهم يتكلمون العربية بطلاقة ، ولهم تحالفات ونسابات ( أنساب ) مع القبائل وغيرهم ، ولم يسلم منهم إلا قليل وإلا فهم متعصبون لدينهم " . ويقول المؤلف أن عدد اليهود في حبان كان خمسمائة في أوائل القرن العشرين . وينقل عن الشيخ علي بن محمد الشبلي ، قائلا : " ولعل هذا العدد يشكل ثلث سكان المدينة آنذاك ". " وكانوا أهل ذمة يدفعون للسلطان الجزية مقابل الرعاية والحماية ". [c1]الهوامش : [/c]السيد محمد الحوت المحضار ؛ ما جاد به الزمان من أخبار مدينة حبان ، لا توجد فيه سنة الطباعة ، ولا دار النشر. الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ الفتح العثماني الأول لليمن ، سنة الطبعة1969م، معهد البحوث والدراسات العربية ــ جامعة الدول العربية ــ مصر ــ . الدكتور محمد صالح بلعفير ؛ العملة والتداول النقدي في عصر الدولة الطاهرية، ندوة نظمها مركز البحوث والدراسات اليمنية بجامعة عدن للفترة من 27 حتى 28 ديسمبر 2005م.الرازي ؛ تاريخ مدينة صنعاء ، تحقيق ودراسة الدكتور حسين بن عبد الله العمري، الطبعة الثالثة 1409 هـ / 1989 م ، دار الفكر المعاصر بيروت ـــ لبنان ـــ، دار الفكر ــ دمشق ــ سورية.عبد الله محمد الحبشي ؛ الصوفية والفقهاء في اليمن ، 1396 هـ /1976، توزيع مكتبة الجيل الجديد ــ صنعاء ــ .
|
تاريخ
النجوم الزاهرة في أخبار حبان الباهرة
أخبار متعلقة