أمين عبدالله إبراهيم ظاهرة أطفال الشوارع مشكلة اجتماعية يجري تناولها منذ فترة ليست ببعيدة من جانب الأجهزة المحلية والدولية بعد أن أصبحت تهدد المجتمعات كافة بمستوياتها المتقدمة والنامية في إطار النسبية للمعايير التي تتخذ لتحديد مدى التهديد الذي تشكله الظاهرة ، وبالتالي نسبية الأسس التي يجري على أساسها تصميم وتنفيذ أساليب التعامل معها وان كانت جميعها تنطلق من فلسفة حقوق الإنسان عامة وتفوق الطفل خاصة ، والتي تتباين تطبيقاتهما على ارض الواقع في إطار خصوصية القناعات السياسية والاجتماعية ، وأن كان هناك قاسم مشترك بين المجتمعات يذهب إلى أن هناك خللاً ما في النسق الاجتماعي بمقتضاه يعجز عن تحقيق اشباعات معينة لازمة للحد من هذه الظاهرة ، ومن ثم تحديد هذا النسق ومستواه المجتمعي وأشكال الخلل والعجز فيه متروك لقناعات تسيطر على منطلقات وآليات التعامل وبالتالي في ظل توافر هذه القناعات وتبنيها من جانب آخر يحاول البعض في إطار تلك القناعات القائمة أن يقوم برصد وتحليل وتفسير إبعاد الظاهرة واقتراح أشكال التعامل معها. وفي إطار المتجمع اليمني ذهبت معظم الدراسات والبحوث والمؤتمرات والندوات وورش العمل حول ظاهرة أطفال الشوارع إلى أن هناك خللاً مسؤولاً عن وجود الظاهرة ويعضدها في اتجاه التزايد ، وهذا الخلل ينتاب انساقاً فرعية - كالأسرة والمتجمع المحلي - غير قادرة على القيام بوظائفها في إشباع حاجات أساسية لازمة لعملية التنشئة الاجتماعية نظراً لعدم أو سلبية إدراكها لطبيعة وظائفها أو عجزها عن توظيف وسائل الإشباع بصورة مناسبة وما يترتب عن ذلك من أوضاع نفسية وسلوكية سلبية بسبب عدم الإشباع بصورة مناسبة لحاجات الطفل مما يوفر ضغوطاً تدفعه إلى تبني الاستجابات الرافضة لواقعه المعاش تبدأ من التسرب من التعليم المبكر إلى سوق العمل دون خبرات ومهارات لازمة للعمل في ظل تعضيد نسقي الأسرة والمجتمع المحلي الذي يتسم كل منهما باللا معيارية في التعامل مع متطلبات الواقع والمستقبل ومع عجز نسق العمل الذي غالبا ما يتجه إلى الهامشية في إشباع هذه الحاجات نظراً لرداءة بيئة وثقافة العمل وما تنطوي عليه من معايير سلبية في النظرة للحياة والتي يجري تشربها وامتصاصها ، وبذلك تتوافر حلقة أخرى جديدة تضاف إلى بناء الفقر المعياري للطفل كموجه نفسي وسلوكي يدفع به إلى هجر أسرته ومجتمعه المحلي إلى الشارع في المدن الرئيسية كي تحتويه حياة الشارع التي توفر له اشكالاً من الرعاية والحماية التي عجز كل من نسقي الأسرة والمجتمع المحلي عن توفيرهما له، وتلك الأشكال من الرعاية والحماية تجري في إطار لا معياري توفر له قيم الإحباط واليأس كثقافة والعدوان والعنف كآليات للتنفيس عن الإحباط واليأس ولذلك فإن أساليب العلاج تنحصر في تعديل سلوكه وأنماط استجاباته وإعادته إلى أسرته مرة أخرى بعد محاولة إقناعها لحظياً بقبول عودته وتعديل استجاباتها وأساليب تعاملها معه من خلال بواعث خارجية قد تأخذ شكل مساعدات الإغاثة والطوارئ ، وإجراء وإصلاحات وتوفير خدمات وقتية للمجتمع المحلي في ظل غياب تام عن إدراك الحقائق الاجتماعية وراء ظاهرة طفل الشارع وبالتالي غياب إستراتيجية حقيقية قائمة على الحقائق الاجتماعية للظاهرة للتعامل معها وتستلزم التدخل السريع للحد من الظاهرة على المدى القصير المنظور بكفاءة وفاعلية وتمهد الطريق أمام تبني وتنفيذ سياسات من شانها الاستجابة العقلانية للحقائق الاجتماعية.