رحلتي بين الفصول الأربعة
توقف قلمي أمس عن كتابة الخواطر وأغلقت نوافذ الغرفة أمامي وتسلل الظلام إلى حجرتي خلسة واختفت ملامح الغرفة تدريجياً وتلاشت في حقيبة النسيان واحدة تلو الأخرى. أما أنا فكنت مازلت أمسك بقلمي أحاول عدم التخلي عنه رغم انتهاء حبره وصعوبة الموقف فالغرابة تكمن في ضرورة البقاء على أرض الواقع وتفهم الوضع لإيجاد جزء ضئيل من الأمل للتمسك به وإيجاد الحلول.هل أنا واقعية أم أؤمن بالخيال؟ هناك سؤال يضايقني في مراحل حياتي المختلفة ولكني أحاول اليوم أن أقف على أرض صلبة حتى لا أجد يوماً من الأيام نفسي وحيدةً أكافح من أجل حماية الكلمة وصداها الحقيقي في وقوعها على النفس البشرية والتي أتسمت دوماً بقدرتها الخارقة على تغيير الأساليب وتحويلها إلى مجراها غير الطبيعي بسبب ضعف الإنسانية في التألق في منبر العدالة لإنصاف المظلوم من عالمنا القاسي والذي أصبح مجرد غرف مظلمة تختفي فيها جميع الأبواب والنوافذ.وهكذا أصبحت اليوم في غرفة مغلقة بجدران من الأحجار الصماء من غير نافذة واحدة لاتسمح لي برؤية النور فكيف لي أن أعيش اليوم؟وفي هذه اللحظة تملكني شعور بالخوف حيث اهتزت جميع أعضاء جسمي البشرية تصرخ في مجرى شرياني بقدوم كارثة كبرى، أدخلتني في دوامة تفكيري غير المتوازن وزوبعة إيجاد القوة والصبر لاجتياز المصاعب والعقبات والتي تبدأ في داخل غرف بيوتنا العتيقة حيث اختفت الأخلاق والمبادئ والأخوة والصدق وأصبح كل إنسان يملك في ذاته شيئاً من الضغينة والكره والحسد حيث يستأجر جيوشاً من الجن للقضاء على أخيه الإنسان بمكر وخداع لم يعرف مثيله العالم واختفى الأمان والدفء في بيوتنا مهاجراً إلى عالم الخيال ويحاول إيجاد مكان له حتى يشعر بقيمة وجوده وأهميته.وبدأ الصراع التالي يداهم عقلي بقوة الضرورة والتغيير لمسايرة هذا العالم الضائع وكان الصراع دموياً حتى تحول إلى أسهم من الرصاصات القاتلة التي تهاجمني بكل ضراوة ومن دون رحمة وحاولت حينها أن أدافع عن نفسي لكني لم أجد السلاح المناسب فكيف لي الدفاع عن نفسي ومن الذي أحاربه اليوم وما هي قضيتي ؟ أوهام كثيرة مرت أمامي تحاول إقناعي بضرورة الدخول إلى ساحة المعركة فالجميع ينادي ومرت لحظة واحدة كدهر.فأطلقت صرخة واحدة لأ ستوضح الأمر والرؤية للوصول إلى قرار حاسم يقضي على هذا الوباء، أطالب بحقي الشرعي بوجود نافذة في غرفتي المظلمة وبدأت شلالات تفيض من أعماق قلبي وتسري بدمي باسم الأخوة للحفاظ على الوجود البشري من الانقراض خوفاً من انزلاقي في دهاليز الاستسلام والسير نحو هاوية الجنون حيث لا رجوع للإنسانية إلا بالتخلص منها والرجوع جثة خالية من المشاعر لمواكبة طرق حياتنا اليوم.فهل الموت محتوم أم هناك خط رجوع؟ نعم الموت محتوم ولكن هل يمكن أن يحتفظ الإنسان ببراءته وطهارة روحه من الخطايا وجروح السنين المؤلمة ليبقيها تنبض بالخير والعطاء وتسعى دوما نحو التغيير الصحيح والإيجابي لمصلحتنا نحن البشر.وبينما كاد الأوكسجين أن ينفذ من غرفتي المظلمة ظهرت نافذة في وسط الجدار وانفتحت أمامي لأرى فصول السنوات الأربعة تمر من أمامي بصيفها الحار وضحكة الأطفال في شوارع بيوتنا تذكرني بطرقة بائع الألبان ونداء بائعي الخضروات والفواكه والأسماك لشراء بضائعهم المختلفة، فأسرعت أحمل سلتي من المطبخ لشراء الفاكهة أخطو خطوات سريعة وأنا أشعر بالشمس تلسعني ولأول مرة أحب ذلك وحينما وقفت أمام البائع لأمد له يدي فجأة ودون إنذار اختفى البائع وكل ملامح الصيف واتت الرياح الخريفية لتلعب بخصلات شعري المنسدل حاملة معها أوراق الأشجار الصفراء وأزهارها في دوامة الخريف حيث تساقطت أوراق الأشجار على الأرض مستسلمة تغطي الأرض، لتبدأ الأمطار الغزيرة بالهطول الموسمي بعزف موسيقي في إحدى صالات الأوبرا الكبيرة وصلات موسيقية تعزفها الطبيعة وتحت تأثير..