عرضنا في عددي الاثنين والثلاثاء عدداً من الأوراق المقدمة لندوة:دور وسائل الاعلام في الحوار العربي الاوروبي التي استضافتها عدن خلال الفترة (13-14) ديسمبر الجاري .. وفي هذه الإلمامة نقدم عرضاً موجزاً لعدد من الأوراق التي قدمت للندوة.قراءة للنفس والآخركما قدم الشاعر عبدالباري طاهر ورقة تناولت صناعة صورة الآخر في الاعلام جاء فيها :لايمكن أن تكون هناك صناعة واحدة للاوروبي في عيون العربي او بالاحرى في صناعة الاعلام العربي .ما أكتبه هنا ليس أكثر من قراءة عابرة لصور شتى تختلف من عصر الى عصر ومن فئة لأخرى ومن مكان لآخر .فالانبهار الذي يسجله مؤرخ كبير كالجبرتي في كتابه القيم "عجائب الآثار في التراجم والاخبار" يمثل لحظة الصدام الحضاري بين فرنسا نابليون ومملكة المماليك المتهالكة في مصر . وهو في الوقت نفسه بداية التلاحم الحضاري بين أوروبا الناهضة وبين الشرق النائم والاقطاعي والمتخلف .وهناك عيون اسلامية ترى أن هذا الصدام هو الشر المستطيل والممتد منذ الحروب الصليبية . وتمتد الرؤية ليرى الخروج من الاندلس بل أبعد من ذلك فالصراع لديه صراع ديني كان وسيظل.فقد حاول المنوّرون العرب وأخص بالذكر : رفاعة الطهطاوي وشيخه- عالم الدين الجليل حسن العطار أن ينظروا نظرة العظة والاعتبار لعلوم الاوروبيين وحريتهم وقضائهم وصحافتهم ورأيهم العام . ومكانة المرأة لديهم وكلها معطى من معطيات الثورة الصناعية والانسان الاوروبي تتفاوت الرؤية وتختلف من زمان لآخر ومن أطراف سياسية وفكرية لأخرى .إن نظرة المنورين في عصر التنوير مختلفة تماماً عن نظرة وقراءة وتخيل عالم الدين او الانسان المتعصب والمغلق فقد رأى رفاعة الطهطاوي في الحضارة الاوروبية قيماً رائعة وعظيمة لا تختلف عن قيم عظيمة موجودة في الدين والقيم المجتمعية الاوروبية شأن خير الدين التونسي .ويضيف فيقول :ولقد اعتاد المؤرخون عموماً التاريخ لبداية النهضة العربية الاسلامية بحملة نابليون على مصر باعتبارها صدمت ونبهت العرب الى تخلفهم بالمقارنة الى محتليهم .وتعرض الاستاذ عبدالباري لأفكار الدكتور البرت حوراني في كتابه " الفكر العربي في عصر النهضة مشيراً" الى قوله: " إن حملة نابليون والحربين الكونيتين لها أعمق الأثر في ولادة عصر النهضة العربي حيث فتحت تأثير الصدمة الاولى لتلاقي الحضارتين خصوصاً في حملة نابليون على مصر او الاصلاحات في تركيا وأثرها البالغ على الولايات العثمانية خصوصاً في المغرب وبلاد الشام واليمن الى حد ما باعتبار أن اليمن كانت بلد مواجهة فلم تستفد كثيراً من هذه الاصلاحات الادراية . ويقيناً فإن الاثر الاكبر كان للحربين العالميتين وما أعقبهما من احتلال استعماري لمناطق مختلفة من البلاد العربية.وقدم عبدالباري طاهر في ورقته قراءة للخارطة الفكرية والسياسية عقب الحربين العالميتين قائلاً : فعلي او مليل يرى أن هناك تصوراً واحداً يشترك فيه المفكرون العرب المحدثون ممن سموا بالسلفي وممن نعتوا بالليبرالية وهو تفسير التقدم والتأخر والتقدم بطبيعة المؤسسة السياسية فكان الاستيراد عندهم هو السبب المفسر للتأخر والانحطاط كما راج المصطلح اول الامر . وكان الحل او الاصلاح هو قرار نظام الشورى او الدستور . ومن هنا كان يبني المفكرون العرب الاسلاميون على اختلاف مذاهبهم .ومنذ القرن الماضي لنفس الاشكالية يتبنوها رغم اتجاه الاسلاميين الى الشورى التي يراد انها الموافقة لنظام الحكم الاسلامي واتجاه الذين كانوا اكثر تعلقاً بالافكار السياسية والاوروبية الى مبادئ ومؤسسات النظم الليبرالية . فكان الفكر الاصلاحي العربي رغم اتجاهاته المختلفة يتعلق اذاً بالمسالة الدستورية يتفق في ذلك من سموا بالسلفيين ومن نعتوا بالليبرالية . وترتب على ذلك أن العمل السياسي نفسه قد ارتبط في البلدان العربية ولعقود طويلة بالقضية الدستورية .
جانب من الحضور في الندوة
البيئة الاتصالية :كما قدم الدكتور / وديع العزعزي / استاذ مساعد بكلية الاعلام جامعة صنعاء ورقة عمل بعنوان " صورة العرب في التغطية الاخبارية لوسائل الاعلام الاوروبي" واشار فيها الى أن السمة الاساسية للبيئة الاتصالية في العصر الحديث تنبع في الدرجة الاولى من التطورات الهائلة والمتسارعة في تكنولوجيا الاتصال . فقد زادت سعة الاقمار الصناعية من حيث عدد القنوات القمرية ، ولاسيما مع استخدام النظام الرقمي ، ورافق ذلك تطور هوائيات الاستقبال الفضائية كما أخذ نظام التوزيع والبث ينتشر في العالم ويتزامن مع هذا التطور استخدام شبكات الالياف الضوئية .وبالتأكيد فقد استفادت وسائل الاعلام المختلفة من هذه التطورات وقد انعكست هذه الاستفادة من خلال عدة جوانب ابرزها:أن هذا النظام في بث او توزيع الاشارات قد وضع في خدمة الصحافة المطبوعة ووكالات الانباء التي تخدم وسائل الاعلام المختلفة .أن التكنولوجيا الحديثة ( منظومة الاقمار الصناعية .. اجهزة البث الارضي( إس إن جي ) الهواتف المرئية وغير ذلك ) قد مكن وسائل الاعلام ولاسيما المرئية من التغطية المباشرة والفورية للاحداث .1- ومع تطور وسائل الاعلام اصبحت من اهم مصادر المعلومات لدى المواطنين واصبحت من اهم مصادر المعلومات لدى المواطنين واصبحت اخبار الصحف والوكالات ونشر الاخبار التلفزيونية من المصادر الاساسية للاخبار على مستوى العالم ونتيجة لتطور هذه الوسائل وما أرتبط بها من تدفق المعلومات والاخبار وسهولة وكثافة الاتصال الامر الذي ساعد في تكوين تصورات الفرد عن الآخرين ولا سيما في الدول الاوروبية . حيث أن مفاهيمه الخاصة عن الشعوب العربية والاسلامية وعن قضاياهم وتاريخهم تتكون من خلال تراكم المعلومات والاخبار التي وصلت إليه بطريقة غير مباشرة من وسائل الاعلام الاوروبية فتصبح انطباعاته أشبه ما تكون بتصورات ذهنية نمطية وتزداد هذه الصور والانطباعات رسوخاً كلما اتسعت المسافة بينه وبين شعوب لايعرف عنها كثيراً ..واضاف العزعزي قائلاً :لاشك أن التأثير الاعلامي الامريكي لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. قد زاد من قتامة الصورة وجعلها أكثر رعباً وتوجساً مما كانت عليه في السابق .وللأسف لوحظ أن معظم وسائل الاعلام الاوروبية قد تأثرت بالخطاب السياسي والاعلامي الامريكي في نظرته للعرب والمسلمين .فبعد احداث 11 أيلول / سبتمبر غدت الموضوعية والتوازن في التقارير الاخبارية عملاً سيئاً وبدأ قادة المؤسسات الصحفية والتلفزيوينة يطالبون الصحفي بأن يقدم تقييمه للأحداث من خلال الخبر ، تحت مبرر ما اسمي ( المصلحة الوطنية) بدأت الحملات تشن على الصحفيين الذين يعتمدون تغطية موضوعية ومتوازنة لما اسموه ( الحرب على الارهاب) فجأة انقلبت المفاهيم فأصبح الصحفي الذي يرفض التحيز في تقاريره خائناً لا يحب وطنه .واوضح إن مهنة الاعلام تتطلب أن يواجه سعي المسئولين للتحكم بالاخبار بسعي من الصحفيين والمؤسسات الاعلامية للتحرر من هذه السيطرة في إطار جهود الصحفي الهادفة الى تقديم اخبار صادقة غير أن وسائل الاعلام الاوروبية قد استسلمت في كثير من الاحيان لتحكم المسؤولين والقبول بتقييمهم للاحداث خاصة تلك التي تتعرض للحرب او الارهاب.تقول الصحفية اللبنانية التي غطت احداث الحرب على افغانستان ديانا مقلد أن إحدى الصحفيات الايطاليات اسرت أليها أن إدارة التحرير في مؤسستها في روما طلبت منها الاقلال من التقارير التي تتحدث عن اللاجئين الافغان ومأساتهم والتركيز على حركة طالبان وتنظيم القاعدة . التبرير الذي قدمته إدارة المؤسسة الايطالية هو أن ايطاليا تدعم امريكا في تلك المرحلة ومن ثم يجب عدم تأليب الرأي العام ضد واشنطن .واختتم مداخلته بالقول :هناك جوانب تعكس صوراً للعرب والمسلمين سواء في كتابات بعض المجلات او في برامج بعض القنوات التلفزيونية او في تصريحات بعض السياسيين . فقد عبر ( جان ها نينغيسون) عن احترامه الكبير للاسلام والثقافة الاسلامية . وقال الدكتور (جونتر جنوتكه) : إن الاسلام يحمل الكثير من التسامح تجاه الآخر ، وإنه لمن الخطأ إلصاق التهم بالمسلمين على طول الخط.وتعد كتابات ( بول ماري دي لاغورس) و ( بول بلطه) عن القضايا العربية والاسلامية موضوعية . وتبدو بعض المجلات الشهرية والفصلية أكثر عمقاً في تحليلاتها حول العرب ، ومن هذه المجلات ( جيو _ أكتوبل- نوتر إيستوار _ لونوفيل اوسيرفاتور _ إيمو) . وحظيت إذاعة ( مونتي كارلو) بنسبة استماع عالية بالمقارنة مع الاذاعات الغربية الاخرى بسبب تغطيتها الاخبارية المتوازنة للحرب على العراق عام 2003.كما أن الرأي العام الاوروبي قد تظاهر ضد الحرب على العراق في اكثر من عاصمة ومدينة .وأخيراً فإن الجهود الطيبة التي يبذلها الجانب الالماني والمتمثلة في عقد الندوات والحوارات مع النخب العربية من إعلاميين ومفكرين وسياسيين هي خطوة ايجابية لزيادة فرص التفاهم ولتبادل الآراء بهدف خلق جسور ايجابية ، ومن اهم هذه الندوات ( الحوار الثقافي بين الغرب والعالم الاسلامي _ شتوتجارت 2003) و ( الحوار الاعلامي العربي الالماني _ ابو ظبي 2005) و ( الحوار الثقافي العربي الالماني _ الرياض 2005).نجاح التنظيمولا يفوتنا هنا أن نذكر أن هذه الندوة قد حققت الكثير من الاهداف التي رسمت لها واتضح ذلك من خلال الحضور المتميز للمشاركين وحسن التنظيم والتنسيق وادارة الجلسات وقد نظمت الندوة من قبل سفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية الصديقة ومكتب مؤسسة فريد ريش إيبرت بالعاصمة صنعاء.