ابتسام العسيريكان القلق واضحا على وجهها وهي تقرأ إعلانات وأخبارا في الصحف عن دعوة لعقد إجتماع تأسيسي لجمعية حصلت على ترخيص من مكتب الخدمة الاجتماعية والعمل بمحافظة عدن .الجمعية اسمها " شباب عاطلون بلا عمل " .بدت مستاءة ومتألمة .حدثتني بألم عن معاناتها .إنها تعمل وتعمل وتبذل جهدا بدون مقابل .كانت تنتظر بفارغ الصبر إنهاء سنوات الدراسة بسرعة لتحلق نحو سماء العمل والإبحار في فضاء الحياة والأمل بتحقيق أهدافها واثبات قدرتها على تحمل المسؤولية ومساعدة نفسها وأهلها . ذهبت آمالها وآمال الكثيرين أدراج الرياح .قبلت بالعمل المؤقت دون أجر ، لتزرع في نفسها أملا ً بالحصول على وظيفة دائمة أو الحصول على أجر مناسب مقابل عملها !وكما كانت هي كان الجميع يعانون كما تعاني . جمعية لشباب بلا عمل ، هذا هو اسمها وذلك هو الخبر الذي عرفناه وانتظرناه .عرفناه وقرأنا قبله أخبارا عن الشباب الخريجين الذين لا يجدون أعمالا أو الذين يضطرون للعمل بعقود مؤقتة وبأجور رمزية ، وبدون أي مزايا أو ضمانات ، أو الذين يقبلون بأعمال خارج إطار مؤهلاتهم في القطاع الخاص الذي لا يرحم .البطالة مشكلة اقتصادية متعددة الأبعاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وتؤدي إلى نتائج خطيرة أهمها انتشار الجريمة مثل السرقة والى الاختلالات العقلية والأزمات النفسية لدى الشباب والأفراد مما تدفعهم إلى تعاطي القات والمخدرات والإدمان ، ناهيك عن أن الشباب الذين تسحقهم البطالة والفقر يشكلون بيئة خصبة للجماعات المتطرفة والارهابية التي تنشر الفكر الضال ، كما تكتسب البطالة بعدا سياسيا حينما تستغلها الأحزاب في برامجها الانتخابية.وحين يبادر الشباب العاطل عن العمل الى تأسيس جمعية لهم ، تنتقل القضية الى المجتمع المدني كي يتدخل الى جانب الدولة لحل هذه المشكلة المتفجرة والتي تشكل قنبلة موقوتة لايعلم بعواقب إنفجارها سوى الله.وكما هو حال العاطلين عن العمل فهناك وجه آخر لهذه المشكلة وهو حال الشباب الذين يعملون بعقود عمل مؤقتة وأجور رمزية ، ومعظم هؤلاء من الشباب الخريجين وأصحاب الشهادات المتوسطة أو الثانوية. كل هذا جعلني أتأمل في كل ما يحدث . شباب بلا عمل !وشباب يعمل بعقود مؤقتة!وآخرون يحالون إلى التقاعد !هناك أعداد كبيرة من الموظفين في محافظة عدن يحالون الى التقاعد و هناك الكثير من الطلاب يتخرجون سنويا ولايجدون عملا .والمدهش أن الوظائف المعتمدة لمحافظة عدن قليلة جدا .والأكثر دهشة أن محافظة عدن من أكثر المحافظات التزاما بتطبيق قانون الخدمة المدنية وأكثر التزاما بإحالة من بلغوا أحد الأجلين (الخدمة أو العمر) إلى التقاعد .وفي الوقت ذاته نسمع أن مؤسسات عديدة في عدن تشكو من الضرر الذي يلحق بها من جراء إحالة كبار موظفيها وعمالها وفنييها إلى التقاعد.ولهذا تضطر هذه المؤسسات في ظل عدم وجود وظائف معتمدة كافية إلى توظيف هؤلاء الخريجين وأصحاب المؤهلات والمواهب لشغل الوظائف التي يتركها المتقاعدون بمقتضى ضرورات التطوير.ومن هنا تتعالى الأصوات بأن الشباب الذي يعمل بوظائف مؤقتة في المؤسسات الحكومية محرومون من التثبيت الوظيفي والمزايا والبدلات الوظيفية، بل أنهم مهددون بالطرد والاستغناء في أي وقت . هناك وظائف شاغرة نتيجة التقاعد وهناك عاطلون عن العمل!! نعم يوجد متعاقدون بعقود عمل مؤقتة وعاطلون عن العمل في ظل وجود وظائف شاغرة يتركها المتقاعدون. الوظائف الشاغرة التي يتركها المتقاعدون يفترض أن يحصل عليها أولئك الشباب من العاطلين أو العاملين بوظائف مؤقتة .. وطالما كانت هذه الوظائف في محافظة ما ومعتمدة في الموازنة العامة للدولة يفترض أن يشغلها أبناء المحافظة ذاتها بدلا من ترحيلها الى محافظات أخرى!! هذه قضية يحق للشباب عرضها على المجتمع المدني في ظل الديمقراطية التي تتيح لهم حق تشكيل المنظمات التي تدافع عن حقوقهم .وإذا كان من حق الشباب الذي تسحقه البطالة أن يستعين بالمجتمع المدني والآليات الديمقراطية للدفاع عن حقوقه والبحث عن ضوء في نهاية النفق الذي أصبحت مئات الالاف من الشباب تعيش فيه بسبب ضيق الحال والفقر والبطالة والإحساس بالخوف من المستقبل ، فمن واجب الدولة والمجالس المحلية المنتخبة في المحافظات عدم الإستهانة بهذه القضية الخطيرة والعادلة في آن واحد .خطير جدا أن يوجد شباب بلا عمل .وخطير جدا أن يوجد شباب يعملون بوظائف مؤقتة وبلا أمل .والأخطر من كل ذلك هو التساؤل المشروع عن مستقبل أي بلد يعيش شبابه بلا عمل وبلا أمل.والعاقبة للمتقين .
شباب بلا عمل
أخبار متعلقة