مدارات
محمد الأمير بدا واضحاً ان روسيا التي انعزلت طوال السنوات الاخيرة في قوقعتها بين اسوار الكرملين تحاول اليوم الخروج بقوة وتحد دون تحفظات تذكر في مواقفها السياسية ، وانها استفادت كثيراً من هذه السنوات التي استعادت فيها انفاسها وعملت على الاستقرار السياسي الداخلي والاقتصادي الذي يجعلها تعود مجدداً للتفكير بمكانتها القديمة كدولة عظمى . وقد يكون دخول روسيا اليوم الى الشرق الاوسط جاء عبر بوابة ايران ، الا انه التحرك الاسرع منذ سنوات عزلتها حيث كان استقبال قادة حماس في موسكو مفاجأة للمجتمع الدولي الذي دهش لجرأة الموقف الروسي المباغت للغرب عموماً والذي كان الاصل والاساس في ان يضع بيد الروس ورقة رابحة لدخول المنطقة من اوسع الابواب .ويبدو ان روسيا لاتزمع دخول الساحة السياسية الدولية كوسيط وحسب بل انها تحمل استراتيجية جديدة وقوية في معناها من خلال التعامل مع الملفات الأشد سخونة في المنطقة .ويرى الدبلوماسيون الروس ان اخطاء حسابات الغرب في العراق والملف النووي الايراني والمواقف المزدوجة حول شكل العلاقات السورية اللبنانية ساعدت موسكو في الخروج من عزلتها بعد ان دعت الحاجة الملحة لها بأن تلعب دورها ضمن هذه الحسابات السياسية .وقد تميزت روسيا باطلالتها الجديدة هذه عن الوسطاء الغربيين بالتأكيد بل بظهورها واتباعها سياسة شفافة غير خاضعة للتأويلات .وان يكن - حتى اللحظة - لم يتراءى في الافق بعد اي خطوات اونتائج ملموسة عن المفاوضات الروسية - الايرانية او المفاوضات بين حماس والقادة الروس الا ان استعادة روسيا لمواقعها بدا واضحاً في التحركات المتلاحقة للدبلوماسية الروسية .فتحركاتها السريعة هذه تلفت الانظار الى انها جدية من قبل قادة الكرملين إلاّ ان السؤال الملح حول مدى استعداد الاطراف المعنية في المنطقة في التجاوب مع هذه الاستراتيجية الجديدة وخصوصاً في المنطقة العربية ، والتي يرى الكثيرون فيها بعد ان جربوا مدى التلاعب المتعمد من قبل الغرب والولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص ان لاخيار لديهم في القبول بالوساطة الروسية . فالروس لايزالون على حميمية العلاقات مع العرب في جذورها التاريخية خلال الحقب الماضية .كما ان روسيا تستخدم لغة دبلوماسية تختلف كلية عن كل الادوار السياسية التي عرفها العرب من الدبلوماسية الامريكية والاوروبية بما فيها فرنسا . لذا فإن روسيا هي اقرب من يستطيع ان يقنع العرب من خلال التعاطي السياسي الاقرب لهم من ناحية انها واضحة في مواقفها المعلنة التي لاتعمل فيها ضدهم ولا ضد الولايات المتحدة ، وهي بالتالي الوسيط النزيه والانسب . ولكن لاتبدو روسيا كمن يتدخل في الشرق الاوسط لا من قبيل حل الاشكالات العالقة بقدر ماهو تحد لسياسة الولايات المتحدة.فقد كان لقاء ( لارسن - المعلم ) في موسكو دلالة على ان ثمة اوراقاً في الكرملين ليس لها قبيل في البيت الابيض .