هاهو الثاني والعشرين من مايو 2009م يحل علينا ليذكرنا بيوم عيدنا الأكبر، يوم وحدتنا اليمنية، والتئام لحمة الجسم اليمني الواحد أرضاً وإنساناً، الذي كان حلماً بعيد المنال، فأصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع المعاش، بفضل تضافر جهود أبنائه المخلصين، المؤمنين بتوحيد الأرض اليمنية وإزالة كل عوامل التشطير والتفرقة والتجزئة التي عانى منها المواطن اليمني، وتجرع كؤوسها المُرَّة، ومآسيها الأليمة على مدى سنوات طويلة من الزمن، ولكن صناع هذه الوحدة اليمنية، ألهمهم الله - العلي القدير - طريق الحق المبين، طريق السلام والمحبة والأمان، جادة الصواب والحكمة اليمانية، فتوحدت الإرادة السياسية لقيادتي شطري اليمن (شمالاً وجنوباً) بعد سلسلة طويلة من الحوار الوطني السلمي، وتمخضت بصنع القرار السياسي التاريخي القاضي بتحقيق الوحدة اليمنية الاندماجية، وتأسيس الجمهورية اليمنية، المقرونة - دستورياً - بنظام سياسي قائم على مبدأ التعددية السياسية والحزبية، والنهج الديمقراطي، والتبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وإطلاق الحريات العامة للمواطنين، وحرية الصحافة، وفق موجبات والتزامات القوانين النافذة. وبتحقيق هذه الوحدة الوطنية التي باركها الشعب اليمني الواحد وأيدها بكل قوة وعزيمة، وعززها بالروح والدم نفديك يا يمن، تنفس الشعب اليمني الصعداء، بعد طول انتظار.ومن مفارقات الزمان أن يأتي موعد الإعلان عن تحقيق الوحدة اليمنية في ظل ظروف سياسية إقليمية ودولية متأزمة تشهد انهيار الاتحاد السوفيتي بعد انقضاء خمسة وسبعين عاماً من تأسيسه، وتفكك منظومته الاشتراكية واستقلال جمهورياته الواحدة تلو الأخرى ، وقيام نظام دولي جديد - على أنقاض المعسكر الاشتراكي المنهار - تحت تسمية العولمة الاقتصادية - الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأحادية القطب المهيمن على مقدرات العالم. ولهذا، كان للمنجز الوحدوي اليمني صدى عالمي، ووقع مؤثر في نفوس الأمة العربية التي أحيت فيها بارقة الأمل في التطلع إلى إمكانية تحقيق الوحدة العربية بعد انتكاستها في الماضي بين مصر وسوريا.وقد استبشر الشعب اليمني خيراً بتحقيق الوحدة اليمنية لأنها عززت الثقة في نفوس أبنائها أكثر مما مضي، وآلفت بين قلوبهم، وزودتهم بالحب والألفة والمحبة والتآخي، نتيجة الترابط الأسري في نسيج المجتمع اليمني، فمدينة عدن لم تكن إلاَّ رمزاً لقبائل اليمن كلها، والتي تمثل في تركيبها السكاني والاجتماعي لوحة فسيفسائية لليمن بكل محافظاتها ومديرياتها وقراها ومدنها المتناثرة في ربوع الجمهورية اليمنية. لقد كانت فرحة وابتهاج المواطن اليمني بهذه الوحدة الوطنية شيئاً لا يوصف، لأنه نظر إليها من زاوية وطنية خالصة، وأعتبرها صمام أمان لأمنه واستقراره السياسي، فقد يئس من دورات العنف وشلالات الدماء والاقتتال بين أبنائه، ولم تستقر حياته المعيشية، وتطلعه إلى أجواء آمنة للاستثمارات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعيش والتعايش بسلام وأمان مع دول الجوار والعالم كله.لقد كانت الوحدة اليمنية وستظل تمثل - بحق - صمام أمان لمستقبل تنموي مستقر للبلاد، تحققت في ظلها جملة كبيرة من المشاريع الخدمية العامة والسكنية والصناعية، وشق الطرقات الجديدة، وسفلتتها بين المحافظات والمديريات والتي ساعدت على ترابطها العضوي في تسهيل وسائل المواصلات والتنقل إليها بسهولة دون عناء، واتسعت شبكة الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والكهرباء والمياه والعمران والفندقة بشكل يدعو للفخر والاعتزاز، في تحقيق عجلة التنمية والاستثمار والمضي بها قدماً رغم ما تعترضها من معوقات.ولكن الحلو لا يكتمل دائماً (كما يقولون)، فقد شاءت الأقدار أن يصاب هذا المنجز الوحدوي العظيم بانتكاسة في عمر الرابعة من قبل أحد صناعه الذي كبر مقتاً أن يضحي بنفسه قرباناً لصون الوحدة، وكان يفضل - في رأيي - لو قدم استقالته وتنازل عن كبريائه وتهوره السياسي صوناً للوحدة الوطنية وحفاظاً على ماء وجهه، لأن خطأ السياسي جريمة لا تغتفر بحق الشعب ومصيره، ولكن - للأسف الشديد - شذ عن طريق الحق والعقل والسلام، ولم يتواص بالصبر وضبط النفس، فأعلن الانفصال في 21 مايو 1994م، مضحياً بشعبه في جنوب اليمن ليكتوي بنار حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، فكان يوماً أسود في تاريخ الوحدة الوطنية، ولكن الشعب أدرك اللعبة السياسية التي كان يريد تحقيقها لأجندات سياسية معروفة، ولم يستجب لقرار الانفصال المشين ولم يشجع أبناءه على خوض حرب خاسرة، وقضية غير عادلة، ولا يؤمن بها سياسياً، ولهذا فإن الإرادة الشعبية في الجنوب اليمني هي التي أفشلت مخطط الانفصال، لأنها لم تكن مقتنعة بصحة وعقلانية هذا القرار المشؤوم، والذي ترتبت عليه تداعيات ونتائج غير حميدة تحملها غيره ممن انساقوا إلى قراره.وهكذا انتصرت الوحدة اليمنية بإرادة شعبية قوية، ملتزمة لوحدتها الوطنية وصيانتها، والوقوف إلى جانبها قلباً وقالباً، وبفضل حامي سفينتها الوحدوية، وربانها الحكيم الذي أنقذها من الغرق في بحر الظلمات، وأعادها إلى بر الأمان بعد تضحيات جسيمة، بشرية ومادية. كما كان القرار العفو العام الذي أصدره الرئيس علي عبدالله صالح عقب انتهاء الحرب الأهلية وانتصار جيش الوحدة وقع نفسي ايجابي لدى من شاركوا أو اشتركوا في القتال لسبب أو لآخر، والذين لم يألفوا مثل هذا القرار التاريخي في العفو العام في حياتهم العسكرية، وهذا دليل على حكمة الرئيس، لأن العفو عند المقدرة.ختاماً نقول، إننا نحتفل اليوم بالذكرى التاسعة عشر من عمر الوحدة اليمنية، بعد أن تصلب عودها، واكتسبت المناعة والحصانة الطبيعية في جسمها ضد كل أنواع الفيروسات المصطنعة للإضرار بها وتهديدها بالاغتيال، فأصبحت محمية بإرادة شعبية قوية، لأنها ملكنا جميعاً، ونتحمل مسؤولية حمايتها والدفاع عنها بكل ما أوتينا من قوة وبأس شديد ، مهما كانت الأصوات النشاز التي تدعو بين الحين والآخر بالانفكاك من رباطها الوطني المقدس الذي يضمنا أرضاً وإنساناً في البيت اليمني الكبير، وطن الثاني والعشرين من مايو، وننعم في ظله بالأمن والاستقرار ونشهد منجزاته المتعددة في كل مجالات التنمية والاستقرار والخدمات العامة. وإذا كانت هناك بعض الاختلالات والأخطاء والشوائب التي علقت بجسم الوحدة اليمنية وأصابتها بالتشوهات في مجرى تنفيذ حقوق المواطنة المتساوية والمطالب الحقوقية المشروعة فلابد من معالجتها بحزم وجدية وفق الدستور والقوانين النافذة، وتسوية القضايا السياسية الخلافية بالحوار الوطني السلمي بما يعزز ويرسخ جذور الوحدة الوطنية ومصالح الوطن أكثر من أي وقت مضى. والله الموفق إلى سواء السبيل.
تحية حب وإجلال لوحدتنا المباركة
أخبار متعلقة