أمين إبراهيمأحدثت العولمة تغيرات غير مسبوقة في العلم والمعرفة والتكنولوجيا المتقدمة خاصة في مجالات الاتصال , صاحبها بروز الشركات المتعددة الجنسيات , وتغير أنماط العمل وأماكنه , وفي أحجام المشروعات وأهدافها , ومن أهم المؤشرات حول ابرز التحولات التي شهدتها الهجرة على الصعيد الدولي وبخاصة خلال العشرية الأخيرة , تفيد التقارير الدولية الحديثة والمعنية بقضايا الهجرة الدولية وبالأخص تقرير اللجنة الدولية للهجرة وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة 2006م والتقارير السنوية لمنظمة الهجرة الدولية وتقارير منظمات التعاون والتنمية , بان اتجاه حجم الهجرة للعمل خلال الفترات الأخيرة في تزايد , كما تتوقع تناميها أيضا خلال الفترات التالية , حيث تزايد عدد المهاجرين في العالم خلال الفترة ما بين 1990م و 2005م بحوالي 35 مليونا , وبالتالي فان إجمالي المهاجرين في العالم بلغ حوالي 191 مليون شخص , واتجه معظم هذه الهجرات الحديثة إلى البلدان المصنعة الغربية , حيث يهاجر واحد من كل ثلاثة إلى إحدى الدول الأوروبية , ويوجد واحد من كل أربعة مهاجرين بالولايات المتحدة الأمريكية , غير انه يلاحظ أن نسبة المهاجرين من مجموع السكان في البلدان الغربية لا تتعدى 11 %, وذلك خلافا للهجرة إلى بعض الدول النامية , مثل دول مجلس التعاون الخليجي التي تصل الهجرة إليها إلى أكثر من خمسة إضعاف هذه النسبة .ـ ويتبين أيضا تناقص عدد الدول الرافضة للهجرة إليها , حيث تراجعت نسبة الدول الراغبة في الحد من الهجرة من 40 %إلى %22 خلال العشرية الأخيرة (1996م و 2005م ) , وتتوقع الاستشرافات المستقبلية كافة تزايد أعداد المهاجرين على نحو عام , باعتبار تداعيات العولمة وتدعيم الفجوة واستمرارها بين البلدان المصنعة والبلدان النامية بالجنوب , حيث صاحب العولمة بروز أسواق عمل كوكبية عابرة للجنسيات , فبعد أن كانت الجنسية من بين أهم محددات استقبال الأيدي العاملة ـ حيث كانت كندا تركز على الرجل الأبيض فقط على سبيل المثال ـ أضحت الهجرة إليها تشمل كل الجنسيات ومن كل القارات , فوصلت الهجرة إليها من الصين والهند في عام 1999م إلى 30% من إجمالي المهاجرين , وبعد أن كانت الهجرة إلى الولايات المتحدة تأتي من 21 بلدا وصلت إلى 41 بلدا , وزاد اتجاهها نحو العمالة الآسيوية بكثافة واضحة بعد أن كانت تضع قيودا أمام هجرة العمالة من هذه البلدان .ـ والظاهرة الأخرى الملفتة للانتباه في التحولات في خصائص المهاجرين إلى الدول الغربية في ذلك التنامي المتواصل لهجرة الكفاءات والمتعلمين, حيث ارتفع عدد الذين أكملوا التعليم الجامعي والمولودين خارج بلدان الهجرة من 9.4 مليون عام 1995م إلى 14.7 مليون عام 2000م, وتضاعف عددهم في أوروبا خلال عشرية التسعينات من 2.5 مليون عام 1990م إلى 4.9 مليون عام 2000م , وقد حدث هذا نتيجة لتغيرات كثيفة في تكنولوجيا الإنتاج والمعرفة , والحاجة الملحة إلى عمالة بمواصفات خاصة عالية الكفاءة والمهارة والقدرة على التعليم الذاتي , وفي نفس الوقت عالية الأجور وقليلة العدد , فكان تنامي الإقبال على الكفاءات والسعي المتواصل لجذبها بكل السبل الممكنة .ـ ويبين التقرير الدولي للهجرة في العام 2005م تبعات هذه الظاهرة من حيث تداعياتها على دول الإرسال النامية , خاصة تزايد هجرة العاملين من القطاعات الحيوية بها , مثل قطاعي الصحة والتعليم , واللذين يمثلان التحديين الرئيسيين لتحقيق التنمية في هذه البلدان ويمثلان أيضا أولوية في أهداف التنمية للألفية , وفي حين ترفض العديد من البلدان الأوروبية قبول العمالة العادية , فهي تدعم تطوير القوانين والتشريعات المشجعة للهجرة الانتقائية لصالح الكفاءات والميسرة دخولهم وإقامتهم ببلدان الاستقبال الغربية .وحدث ـ ربما ـ على نحو صامت تحول هام في خصائص المهاجرين , حيث تزايدت على نحو ملحوظ هجرة النساء ما بين الستينات والتسعينات من 35 % إلى 48 %من مجموع المهاجرين لتصل عام 2005م إلى %50 , وزادت نسبتهن من الدول النامية لنحو 105 مليون أسيوية , يعملن في مجال التمريض والترفية والخدمات الشخصية , ومعظمهن غير مسجلات في بلدان الاستقبال .ـ وأخيرا , يلاحظ تنامي الهجرة الموسمية والهجرة المؤقتة , حيث تضاعف ـ على سبيل المثال ـ عدد المهاجرين تحت هذا المسمى ثلاث مرات في استراليا ومرتين في ايطاليا وأربع مرات في أمريكا الشمالية خلال الفترة 1991و2000م مقارنة بالفترات السالفة , وهذه الظاهرة جديرة بالانتباه وبالأخص بالنسبة للدول العربية المرسلة للعمالة , والتي تواجه سياسات غلق الأبواب من قبل الدول الأوروبية , حيث قد يمثل هذا النوع من الهجرة إحدى الفرص التي يمكن توظيفها بشكل جيد للتخفيف من استمرار انسداد أفق الهجرة إلى البلدان الأوروبية , خاصة فيما يتعلق بإمكان إبرام اتفاقيات لهجرة مؤقتة تبدو الأسواق الأوروبية في حاجة إليها , باعتبار مرونتها في الاستجابة لاحتياجات أسواق العمل المتغيرة ومحدودية مدتها , كما يمكن أن تساهم هذه الهجرة أيضا في التخفيف من حدة الطلب على الهجرة وخاصة الهجرة غير النظامية للعمالة قليلة المهارة من دول الإرسال العربية , علما أن قسما من هذه الهجرة المؤقتة يتحول إلى هجرة دائمة .
تنامي هجرة العمل الدولية
أخبار متعلقة