كل شهر من القتال يضيف عشرة مليارات دولار إلى الدين الأمريكي
واشنطن/14 أكتوبر/ريتشارد كوان: ماذا يعني مبلغ مئة مليار دولار سنويا هي تكاليف حرب العراق بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذي يبلغ حجمه نحو 14 تريليون دولار؟ قد لا يعني الكثير في الوقت الراهن لكن العواقب تتزايد في ظل مبدأ «اشتر الآن وادفع لاحقا» الذي يهدد بمشكلات على المدى الطويل. لم يكن المال يمثل مشكلة قبل خمس سنوات عندما قاد الرئيس الأمريكي جورج بوش البلاد إلى حرب في العراق. بل تعلقت الأنظار بمزاعم ثبت عدم صحتها فيما بعد عن أن الرئيس العراقي في ذلك الوقت صدام حسين كان يملك أسلحة دمار شامل يمكن استخدامها ضد الولايات المتحدة. لكن بعد إنفاق نحو 500 مليار دولار على الحرب يشعر الخبراء بالقلق من أثر ذلك على أكبر اقتصاد في العالم والذي يواجه بالفعل أزمة كبيرة في قطاع الإسكان. وقال مارك زاندي كبير الاقتصاديين في موديز ايكونومي دوت كوم «العواقب الاقتصادية قصير الأجل كانت محدودة ومن السهل إدارتها. لكن العواقب طويلة الأجل ستكون كبيرة.» ويقول الاقتصاديون إن الجزء الأكبر من المشكلة هو أن كل شهر من القتال يضيف عشرة مليارات دولار إلى الدين الأمريكي الذي يتجاوز حاليا مستوى تسعة تريليونات دولار. وقال دوج المندورف الباحث بمعهد بروكينجز والاقتصادي السابق في مجلس الاحتياطي الاتحادي «زيادة الدين الحكومي أمر سيء بلا شك بالنسبة لأداء اقتصادنا على المدى الطويل.» وأشار المندورف إلى أن نفقات أخرى مثل تكاليف الرعاية الصحية للفقراء وبرامج دوائية جديدة لكبار السن تزيد مجتمعة الدين الحكومي بمعدل أسرع من الحرب. وأضاف متحدثا عن الدين «القاعدة هي انه إذا كان أحد في حفرة بالفعل فعليه ان يتوقف عن الحفر.» وقال روبرت رايشور رئيس معهد اربان والمدير السابق لمكتب الميزانية بالكونجرس إن مزايا الإنفاق الحربي على الاقتصاد الأمريكي كانت محدودة لأن الكثير من المال ينفق على سلع وخدمات في الخارج. وأشار إلى أن هذا «يحفز اقتصاديات في أماكن أخرى مثل العراق والكويت والسعودية.» وقد يشير مساندو الحرب إلى أن عدم تأمين الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر سيكون له أثر كبير على الاقتصاد. ويقول المندورف «إذا كنا نرى ان هذه الحرب مهمة جدا للأمن القومي فهي في نهاية الأمر تكون مهمة جدا لنجاح اقتصادنا كذلك.» وفي أوقات معينة يحل أجل دين حكومي ويتعين على وزارة الخزانة إما سداده أو ترحيله وبالتالي دفع فوائد أكبر مثل أي أسرة تواجه المدفوعات الشهرية لبطاقة الائتمان. كما أن زيادة الاقتراض الحكومي قد تدفع أسعار الفائدة للارتفاع مما يزيد على المستهلك تكلفة الاقتراض لشراء مسكن وعلى الشركات الاقتراض لتمويل استثمارات. وفي أوائل عام 2003 بدا من المستبعد جدا أن يؤدي الغزو الذي تقوده الولايات المتحدة إلى حدوث مشكلات اقتصادية في الداخل. ويوم 29 يناير عام 2003 أي قبل أقل من شهرين على شن الحرب قال وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد إن مكتب الميزانية بالبيت الأبيض «توصل إلى تقدير بأن تتكلف الحرب نحو 50 مليار دولار» وأضاف أن جزءا من هذا المبلغ قد تتحمله «دول أخرى.» وسعى ديك تشيني نائب الرئيس إلى تهدئة المخاوف الاقتصادية بالقول بأن إيرادات النفط العراقية يمكنها تغطية جزء من التكلفة. وبعد خمس سنوات قد تكون الحرب قد حققت بعض الفوائد الاقتصادية لمناطق تتركز فيها صناعات عسكرية أو أغنت مقاولين يعملون في بغداد. لكن لم تستخدم إيرادات النفط العراقي وتحمل دافع الضرائب الأمريكي ليس 50 مليار دولار كما كان مقدرا بل نحو 500 مليار دولار ومازال يتوقع ان يتحمل مئات المليارات. ومع اقتراب انتخابات الكونجرس وانتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني المقبل وقلق الناخبين بشأن القضايا المالية بدأ الديمقراطيون يربطون الحرب بتراجع الاقتصاد. وقال هاري ريد زعيم الأغلبية وهو ديمقراطي من نيفادا في مجلس الشيوخ للصحفيين «لا يمكن فصل الاقتصاد عن الحرب الطويلة الدامية في العراق.» وأضاف ان الديمقراطيين يسمعون من الناخبين «إننا (الولايات المتحدة) لم يعد لدينا المال لدفع المزيد وأننا نقترض كل ما ننفقه في العراق.» وزاد إنفاق واشنطن بشكل عام على برامج محلية غير الدفاع مثل التعليم والطرق السريعة وتنفيذ القانون. لكن على مدى سبع سنوات منذ تولي بوش السلطة كان الإنفاق يمثل نسبة متناقصة من الميزانية والاقتصاد. ويقول الاقتصادي جوزيف ستيجليتس الحائز عل جائزة نوبل في الاقتصاد إن حرب العراق قد تتكلف ثلاثة تريلونات دولار بادراج تكاليف القتال وتكاليف أخرى طويلة الأجل ويلقي اللوم على الحرب في جزء من الزيادة في أسعار النفط العالمية. وفي بداية مارس عام 2003 قبيل بدء القتال كان سعر الخام الأمريكي 37.21 دولار للبرميل. وهذا الأسبوع بلغ سعر البرميل من الخام نفسه مستوى قياسيا أعلى من 110 دولارات. وقال ستيجليتس للكونجرس إن الحرب مسئولة عن زيادة من خمسة إلى عشرة دولارات على سعر البرميل. وقال روبرت ايبل مستشار الطاقة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط عادة ما تظهر على شكل ارتفاع في سعر النفط. لكن الزيادة الكبيرة على مدى الأعوام الخمسة الماضية لا ترجع بدرجة كبيرة للعراق. ويضيف ان «النمو في الطلب لم يقابل بنمو كبير في العرض» مع زيادة الطلب على النفط في الصين وتراجع الطاقة الإنتاجية غير المستغلة في الدول المنتجة وعدم بناء مصاف أمريكية جديدة. وفيما يرجع بدرجة كبيرة إلى الحرب العالمية الثانية التي جاءت بموجة توسع كبيرة في الإنتاج الصناعي وتوفير ملايين فرص العمل ساد اعتقاد بأن الحروب مفيدة للاقتصاد. ويقول ستيجليتس انه ربما كان هذا هو الحال في الأربعينات من القرن الماضي لكن في عام 2003 مع اقتصاد يحقق نموا وتشغيلا كاملا لم تأت الحرب بنوع الاستثمارات المطلوبة أو بمصلحة طويلة الأمد. ويضيف «أمريكا بلد غني. السؤال ليس ما إذا كان بإمكاننا تحمل تكلفة قدرها ثلاثة تريليونات أو خمسة تريليونات دولار. فنحن نقدر. لكن قوتنا ستهتز.»