مع الاحداث
المتابع للسياق الفكري والحدث الثقافي للأوضاع الدائرة في المنطقة يجد أن المجتمعات الحالية هي مجتمعات “مذهبية” و تتجه إلى مزيد من الانغلاق و”الطائفية ». واقصد ب”المذهب “ أي تيار ثقافي مهما كان مسماه أو شعاره أو القناع الذي يقف خلفه، والذي يؤسس لمنهج فكري، ويستند إلى مرجعيّات بعينها ويدور في فلك “ الرمز” أو “الأب الروحي»....(......) اقصد بالنظام “الطائفي” هي آلية الحكم العمليّة المرتبطة ب”الشخص” والصورة التطبيقية للفكر المذهبي، التي تجعل الشعب يدور في فلك “الرمز”، مختصرةً هموم البشر في نفسه وكرسيه، كما تهدف إلى جرهم وقولبتهم وتطويعهم وجعلهم نماذج من مادة واحدة، وذلك من خلال تحويل الأفكار والمعتقدات والمقدسات والعمق التاريخي والبعد الجغرافي إلى علب فكرية جاهزة وأجوبة ميّتة وحاضرة، تتحوّل الأحداث في ظلّها إلى أمرٍ واقعٍ مألوف.إن المذهبية هذه تجد حياتها في الرموز، وتعبّر عنها ب “الأسماء” و”الشعارات”، التي إن عكست أمرًا فإنها تعكس عبودية كائنات يسجدون على ركبهم يتملقون “الرمز”، لأن ما يسميّه الناس مذاهب وتيَّارات ليس إلا سلاسل تقيد الحرّ وان كانت هذه السلاسل تبرق فتخطف أبصار الناظرين.إن ثقافة المذهبية هذه، هي ثقافة ربط محكم، واتصالٍ ينبني على مستوى التكوين المعرفي الابستيمولوجي عند الأفراد، ويطال الأبعاد الاجتماعية والسياسية كافّة، التي تجد في الربط التاريخي المبرم لحظة بناء حاسمة في هوية الكائن المذهبي؛ ذلك إن هكذا ثقافة هي ثقافة ذاكرة وتقليد، تحفظ المفاهيم وتكرس الإيديولوجيات، وتستقر في موقع بعينه وتقف في لحظة زمنية معينّة، لذلك فإنها تتحول الى كيانات عنصرية، ترى في أي كائن آخر مختلف عنها كيان معادي، فيتحول الكوكب الأرضي في نظرها إلى ذوات ثقافية متنافرة، وكيانات عنصرية متناحرة، ويصبح الدور الأول للإنسان فيه “عدائي محارب»...ربما يتساءل المرء: أليس كل من يطالب بالتحرر من الطائفية والمذهبية لا بد وانه يكرس مذهبية أخرى؟؟ أليس البشر والشعوب هم امتداد لماضيهم وتراثهم الحضاري؟ أليست الأمم هي قيّم وأخلاق وموروثات دينية؟؟بداية يجب أن نقرّ،أن الانفلات والتحرر من المذهبية الفكرية أمر في منتهى الصعوبة لأنها مأصلة في الأذهان ومتعينة في الأعيان ومتبلورة في المؤسسات ومقررة في السلطات، لذلك فإن التحرر منها يتطلب عمقًا فكريًّا وتجرّد علميًّا وثورة روحيًّة... الأمر الآخر أن الإشكالية الفكرية تكمن حقيقة في مفهوم الوحدة والتعدد ، فعملية التحرر من “ مذهب” يجب ان لا توقعنا أسر “مذهب” خر، فالتعددية الثقافية لا تعني بالنسبة للمفكر الحرّ غزارة المذاهب وكثرة التيارات بل إنها إقحام التنوع والتعدد ضمن الثقافة الواحدة نفسها.فالتعددية الثقافية ليست دعوة إلى إضافة تيار فكري جديد يلغي المذاهب والتيارات الأخرى ليثبت نفسه، بل هو مفهوم يجعل التعدد قائم ضمن الوحدة ذاتها، ووفق هذا التصّور فإن الثقافة تستجيب لكل لحظة من لحظات الواقع ولا تقف عند نقطة زمنية واحدة، أنها ثقافة اللحظة أو الآنة وليست ثقافة الذاكرة، إنها ثقافة الاستجابة للمتغيرات بتجدد مستمر دون الوقوف في بعد واحد، إنها ثقافة الانفصال او ثقافة “الفردانية” كما أحب أن أسميها، إنها الحرية الفكرية العارية عن أسر المواقف.فلا عجب من يحمل هكذا فكر أن يكون كائنا حرّا كونيا مبدعًا، أسئلته الفكرية مستمرة لم تتحول لأجوبة جاهزة في يوم من الأيام، لا يؤمن بثوابت جاهزة بعينها.. لا ينضوي تحت مظلة موحدة ولا ينتمي لواقع واحد...أليس من الغباء بعد كل ذلك، أن أُسأل دومًا عن انتمائي وديانتي؟؟؟ فيقولون من أنتِ؟؟ نعم، الأحرار أيتامًا لا عائلة فكرية لهم! ولا يسعون لتأسيس مذهب أو تيار![c1]* عن/ موقع (إيلاف) الاليكتروني بتصرف [/c]