عاجل جدا ً لعناية احزاب " اللقاء المشترك "
كتب / المحرر السياسي:بمناسبة الذكرى الثالثة للحرب التي شنتها القوات الاميركية والبريطانية على العراق نشر فرانسيس فوكوياما مقالا مهما في العدد الاخبر من مجلة (( نيويورك تايمز ماغازين )) تناول فيه من مواقع يمينية محافظة المرحلة الراهنة من التدخل الأميركي في العراق وتداعياته على اوضاع الشرق الأوسط لجهة التحولات الجارية في المنطقة على طريق الديمقراطية بما هي احد الأهداف الرئيسية المعلنة لهذه الحرب .والحال ان الحرب على العراق أسفرت عن سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين وعودة قوى المعارضة من الخارج والداخل الى قلب المشهد السياسي ، كما انعشت في الوقت نفسه المزاج السياسي للكثير من قوى المعارضات العربية التي اتجهت نحو المراهنة على الاستقواء بالأجنبي والتهافت على ما تسمى ببرامج المساعدة على نشر وتمويل الديمقراطية وفق المعايير التقليدية التي تسعى الليبراليةالسياسية الجديدة الى تصديرها وفرضها بهدف جعل التحول الديمقراطي في بلدان المعارضات العربية جزءا ً لا يتجزأ من استراتيجية اعادة هيكلة المجتمع الدولي وبناء نمط جديد من العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الدولية بما يخدم نزعة الهيمنة التي تعد الشكل الأبرز للمذهب المحافظ الجديد على الصعيد العالمي . لا نبالغ حين نقول بان احزاب المعارضة المنضوية في ما يسمى (( اللقاء المشترك )) ستصاب بخيبة امل عندما تقرأ المقال الجديد لفرنسيس فوكوياما والذي من المتوقع ان يثير دويا ً عالميا ً لا يقل عن ذلك الدوي الذي أحدثه كتابه الشهير (( نهاية التاريخ )) عند صدوره في مطلع تسعينيات القرن العشرين المنصرم ، حيث دشنت فكرة نهاية التاريخ لفرنسيس فوكوياما عقب سقوط الاتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان الاشتراكية في اوروبا الشرقية اطارا فلسفيا ً لتحوّل الليبرالية الى مواقع جديدة من الفكر الليبرالي اليميني المحافظ ، الأمر الذي اطلق على السياسات الاقتصادية الليبرالية سمات جديدة تتسم بالجنوح نحو الهيمنة الاقتصادية،ما لبثت ان تطورت الى هيمنة عسكرية ذات اهداف اقتصادية وسياسية .في السياق نفسه دشن وصول الرئيس جورج بوش وفريق عمله الى البيت الأبيض عام 2000م ولادة مرحلة مهمة في صعود الليبرالية الجديدة ، ثم جاءت احداث 11 سبتمبر 2001م لتضفي على نزعات الهيمنة الاقتصادية أبعادا عسكرية وأمنية مثيرة للجدل من خلال الحرب على الارهاب الذي اكتسب بعدا عالميا بعد تلك الأحداث، وما ارتبط بهذه الحرب من تداعيات اوصلت صعود الليبرالية الجديدة الى مأزق سياسي وفكري وأمني ينذر بولادة مرحلة جديدة من التحولات في طرائق التفكير والممارسة لليمين المحافظ الجديد . لدى قراءته لحصيلة التجربة العملية المرة لاستراتيجية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بوسع القارئ الكريم ان يستنتج من المقال التحليلي الجديد لفرنسيس فوكوياما ان الحرب على العراق وسقوط الرئيس العراقي صدام حسين اوجدا حافزا اضافيا لمشاركة سياسية اوسع لقوى المعارضة العربية وفي مقدمتها جماعات الاسلام السياسي التي اندفعت تطالب بالديمقراطية مستقوية ً بالميول الاستراتيجية للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية الذين يعتقدون بأن ارساء الديمقراطية والتحديث في الشرق الاوسط سيكون عاملا داعما للحرب على الارهاب والقضاء على الجماعات الارهابية الجهادية ، واحلال جماعات الاسلام السياسي المعتدلة محلها.واذ يقدم فرنسيس فوكو ياما صاحب فكرة نهاية التاريخ تحليلا معمقا يدحض فيه هذه الفرضية الساذجة التي يعيد اليها المأزق الاميركي الراهن في العراق ، ومأزق برنامج نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط الذي تموله وترعاه الولايات المتحدة الاميركية ، ينوّه الى انه ليس صدفة ان يكون محمد عطا قائد المجموعة الانتحارية التي فجرت احداث 11 سبتمبر 2001 وقاتل المخرج الهولندي تيوفان غوغ ومفجري انفاق لندن قد اصبحوا ارهابيين راديكاليين عندما عاشوا في ظلال اوروبا الديمقراطية، محذرا من ان القفز على الواقع باتجاه المزيد من جرعات الديمقراطية سيقود الى المزيد من التطرف .يفجر فرنسيس فوكو ياما في هذا المقال مفاجأة مثيرة باعلان سحب تأييده لمذهب المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية بصفة عامة ومذهب بوش بصفة خاصة ، وفي تقديرنا ان هذا الموقف بقدر ما يضعف اجمالا موقف المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية وينذر بمصير محبط لفريق الرئيس بوش في الانتخابات الاميركية القادمة على ضوء الفشل الذريع في العراق والذي حظي بتحليل معمق في هذا المقال ، بقدر ما سيخيب امال احزاب (( اللقاء المشترك )) في بلادنا لجهة مراهنتها ليس فقط على الاستراتيجية الاميركية لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط فحسب ، بل ومراهنتها ايضاً على ان تكون جزءا عضويا ً من برنامجها بهذا الشأن.سيكون متاحا ً لكل من يقرأ هذا المقال الهام الذي يسر مركز المعلومات في صحيفة ((14 اكتوبر)) ان ينشر ترجمة له باللغة العربية يوم غد الاربعاء، ان يستنتج فشل المراهنة على هذا البرنامج ، سواء من قبل الآجنبي الذي يحاول القفز على حقائق الواقع والتطرف نحو ديمقراطية مشوهة ، او من قبل المعارضات العربية التي تراهن على الاستقواء بهذا الأجنبي ،حيث يحذر صاحب ((فكرة نهاية التاريخ )) الأميركيين بكل اطيافهم من ((ان الولايات المتحدة الاميركية لا تستطيع ان تقرر اين ومتى وكيف سيحصل التحول نحو الديمقراطية في هذا البلد او ذاك من بلدان الشرق الاوسط بشكل خاص والعالم بشكل عام ، ويؤكد على انه لا يمكن لمن اسماهم في مقاله بـ "الأغراب" ان يفرضوا ديمقراطية على بلد لا يريدها او يفرضوا مزيدا من الديمقراطية على بلد لم يتهيأ بعد لنيل جرعة اضافية من الدمقراطية ربما تكون قاتلة للتحول الديمقراطي الذي تحقق قبل تعاطي هذه الجرعة ، مشيرا الى ان الديمقراطية هي عملية طويلة المدى و " انتهازية "في الوقت نفسه ، ويجب ان تنتظر النضج التدريجي للظروف السياسية والاقتصادية لتكون فعالة بحسب المقال الجديد والمثير لفرنسيس فوكو ياما الذي سيطالعه قراء صحيفة ((14 اكتوبر)) وزوار موقعها على الانترنت يوم غد الأربعاء باللغة العربية .