ثمة خشية على التجربة الديمقراطية في الكويت من أولئك الذين يحرصون عليها. فالعمل الديمقراطي ليس فقط نصوصا دستورية يصار الى استغلال بنودها، بل هو قبل أي شيءاحترام لمصالح الناس وصورة البلد وأخلاقيات العمل الوطني. والمعارضة الوطنية ليست تلك التي تنجح في إسقاط الحكومات، بل تلك التي تنجح في تصويب الأداء الحكومي وتنويره وتوسيع حركة المشاريع وآفاق الخدمة العامة.ليست هذه صورة الأداء البرلماني في الكويت. لقد أصبحت الحكومات الكويتية تسقط وتستقيل مثل حكومات ايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. أي مرة كل عام على الأكثر. والحكومة الأخيرة لم تعش ثمانية أشهر، فقدت خلالها ثلاثة وزراء إعلام. وهذا دليل سقم ديمقراطي لا دليل عافية. ودليل دلع عند بعض المعارضة وافتقار الى الشعور بالمسؤولية الوطنية وحتى بالمسؤولية القومية. وفيما تمر المرحلة في أدق مراحلها ومصائرها تطرح المعارضة على الناس والأمة قضايا من نوع أجور الفنانات وحفلات نانسي عجرم. ويصار الى استجواب وزير الصحة في قضية ظاهرها حق ومضمونها باطل وزور. لأن الهدف هو الإثارة السينمائية المسرحية والنكاية الضحلة وليس الأداء السليم.في مثل هذه الحال يصبح اللجوء الى الحريات التي ينص عليها الدستور تشويها لمعاني الدستور وروحه. ويتحول الدستور، كما هو حاصل في لبنان، الى سبب للفرقة في حين يفترض انه ضمانة الوحدة في البلد ومرجعها الأخير. والدستور لم يوضع من اجل المناكفات والمكايدات وتحويل البرلمان الى مسرح للمشاغل الصغيرة، بل من اجل جمع الناس حول حقوقها وواجباتها، ومن اجل ضبط العمل الحكومي والبرلماني معا. لكن الجهل بالدستور، أو تجاهله، جعل المعارضة في الكويت تتصرف وكأنها هي الحكومة وهي المعارضة معا. وأصبح تشكيل الحكومات في الكويت عبئا حتى على رجل توافقي مثل الشيخ ناصر الأحمد. إذ ليس على رئيس الحكومة ان يحسب حساب التشكيل، بل حساب الاستجواب والاستقالة والمواجهات المعروفة سلفا، لأنها أصبحت من العادات السقيمة وليس من التقاليد.كانت الكويت ثاني اكبر دولة في الخليج العربي. وكان حضورها القومي ابعد بكثير من حجمها الجغرافي أو السكاني. وكانت سباقة الى طرح القضايا القومية في محافل العالم، بكل جدية واجتهاد. وللأسف حولها أداء المعارضة في السنوات الأخيرة الى دولة مأخوذة ومسكونة بيوميات لا أهمية لها، فيما هي في قلب الشاغل المصيري الداهم. ومما يبعث على اليأس ان البعض اعتاد هذا المستوى من العمل السياسي واستمرأه، وظن ان ذروة العمل الوطني والرسالة القومية، التربص بوزير الإعلام. أو الصحة. عند مدخل الوزارة. أو بابها الدوار، الذي أصبح أيضاً باب الحكومة نفسها.[c1]*نقلاً عن صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية[/c]
أخبار متعلقة