من أثينا الى عدن (196)
نهاية عرض مشاهد من مسرحية(ست البيت)عمر عوض بامطرف في الحلقة الماضية من هذه السلسلة رقم (195) المنشورة في عدد يوم الخميس 22/12/2005م. من صحيفة (14 أكتوبر ) الغراء وصلت في استعراض بعض مواقف لأبطال مسرحية ( ست البيت ) مستخلصاً من حوارأدرته بينهم في مشاهد مختلفة وهامة توضيح موضوع المسرحية وروح شخصياتها ،وأفكار ومعانات أبطالها من أجل أن أقرب موضوع المسرحية وشخصياتها للقارئ العام ولمن يرغب أن يتعرض لها بالنقد أو التحليل .. ومسرحية( ست البيت) قدمتها الهيئة العربية للتمثيل في صيف عام 1965م. على مسرح شركة مصافي عدن في البريقة، ثم مسرح مدرسة الحكومة في خليج عدن ، وكتب البعض حولها ما اعتبره تعريفاً بالمسرحية لم يبلغ مستوى النقد الدرامي أداءً وتمثيلاً واخراجاً.. انتهينا في الحلقة الماضية الى اللقاء الذي دار بين محمود وعمته أم الخير ومعهما أخته سعاد ، وعرفنا نصيحة العمة لهما ألا يضيعا فرصة الزواج المبكر جرياً وراء الوهم في تحقيق زيجة مضمونة ، لأن الزواج الحقيقي بحسب ما توصلت اليه العمة ( أم الخير) ممن عرفت من الأزواج الذين سعدوا وخبرت أحوالهم _وان لم تجربه - يبدأ كما تقول بحسن اختيار الشريك الصالح من المنبت الصالح ، ثم تأتي العشرة بالألفة ، وينتج عن الألفة التقبل للآخر وتنمو بذرة الحب الذي يكبر مع الزمن ليرفع عوداً نابتاً يانعاً له جذوره العميقة في قلب كل منهما وقد التحم الغصنان فصارا غصناً واحداً،ثم يزداد هذا الغصن الملتحم بالبنين والبنات قوة وثباتاً وألفة ، ويشع نضارة واخضراراً ، فيصبح كشجرة وارفة الظلال سخية بالحب وجميل الرعاية يتفيؤ في ظلالها كل أفراد الأسرة السعيدة ..وقد فرحت (سعاد ) وأثلج صدرها ما سمعت من عمتها ( أم الخير ) وتوسمت فيها عضداً مساعداً لها ولأخيها محمود في أن تمارس حقها المشروع في قبول الزواج أو رفضه .وأراد محمود أن يعزز مبدأ حق الفتاة في قبول أو رفض من لا ترتضيه لنفسها ، فقال وهو ينظر في عيني أخته سعاد : اذا عرفت الفتاة حقها الشرعي في القبول أو الرفض تستطيع أن تقول ( نعم ) ،أو (لا) ولو بهزة رافضة من رأسها،تماماً مثلماأن الصمت علامة الرضى ..ثم يرفع الستارعن مشهد آخر تظهر فيه مريم وولديها واختها، ونعرف من الحوار الدائر بينهم أن قد بدأ الشك يساورهم في أمانة(عبده) وكيل أعمال الأسرة ، وبدا لهم أنه يأخذ من المدخول كله أكثر مما يستحق ، وربما هو يعطي خاهم قسطا يرضيه بالسكوت ، وخصوصاً أخاهم أخاهم أكثر من حصته ليسكته عن نهبه لحصصهم .. ثم نسمع طرقاً على الباب ، وينهض محمود يفتحه ونسمعه يرحب بصوت عال بالزائرين (خاله ناصر وابنه عبدالله) قبل دخولهما لينبه أمه وخالته بقدومهما ، ويظهرعلى المسرح كل من (الشيخ ناصر) الأخ الأكبر لمريم وفطوم ومن خلفه ولده عبدالله ، ويتبادل الجميع الترحيب والتحايا والسؤال عن الأحوال ، وتصعد سعاد الى غرفتها ..ونعرف من حديث ناصر أنه نزل مع ابنه عبدالله للزيارة رغم مشاغلهم الكثيرة، ويشيد بابنه عبدالله أنه نعم الإبن القوي الناصح المطيع المعين لأبيه، وأنهما يبذلان كل الجهد للعناية بزراعة الأرض التي أصبحت تبخل بالعطاء .. وتنصت الأختان ( مريم وفطوم ) وينصت محمود الى كلامه بشيء من الفتور ..ثم يسمع طرق على الباب ، وينهض محمود يفتحه واذا الزائر ( الحاج عبده) ، ويرحب به محمود بقوله : أهلاً بالحاج عبده والله جئت في ساعة ومناسبة طيبة ..ويأخذ كل مجلسه ، ومن الحوار الدائر بعد الترحيب نعرف أن الحاج عبده صديق قديم لوالد محمود وسعاد ،وكان قد عينه وصياً وراعياً أميناً لادارة شئون الأسرة في كل من عدن والريف قبل وفاته بسبب مرضه الذي عانى منه طويلاً..وتوجه مريم كلامها الى ( الحاج عبده ) بلهجة عتاب مشوبة بلوم :نحن يا حاج عبده عتبانين عليك ، وعلى أخي ناصر، فين القيام بالأمانة والوصية التي أوصاكم بها أبو محمود الله يرحمه ؟. وأقول لكم أن معاملتكم لنا في الشهور الأخيرة أنت وأخي تاصر لا ترضينا أبداً ، ( ويحاول الحاج عبده مقاطعتها) فتسكته صارخة ، لا تقاطعني من فضلك واسمع لست البيت لما تتكلم .. نحن وكلناك بتصريف أعمالنا في عدن وتحصيل الإيرادات من المستأجرين ، وحفظ حصتنا من محاصيل الريف ،ولا سمعنا منك خبر ولا رأينا ايراد .. وأخي سايرك ونسى حق أهله عليه ورعاية مصالحهم وقفى مننا مثلما قفيت أنت ..ويرد عليها الحاج عبده بقوله : اسمعوا مني كلمتين بعدين أعتبي ولومي ..مريم : ما نيش سامعه ولا أحد في البيت شايسمع ، هي كلمة واحدة، اسمعها من( ست البيت ) أشتي جواب سؤالي فين الأمانة التي تحملتها لنا لما وكلناك ؟ وفين ايراد الدكاكين ، وفين حصتنا من المحاصيل اللي تستلمها من أخي ؟ محمود يتدخل : نحن وكلناك لكي تحفظ لنا حقنا وتخصم أتعابك مش تلهفه كله .. الشيخ ناصر : عيب عليك يا محمود هذا الكلام .. نحنا دخلنا اليوم عليكم بنية طيبة ، ونريد نتكلم في زواج ولدي عبدالله على سعاد ، وأنا خالها والخال والد ، ولكنكم قومتم لنا هرجه توجع القلب وتفرق بدل ما تجمع الأهل.. مريم : خليكم من كلام الزواج الآن وقولوا لي فين حقنا الذي ما وصلنا منه شيء ؟تظهر سعاد واقفة على أعلى السلم وتقول بصوت عال:لا ياأماه لا الآن ، ولا بعد الآن .أني ما باأتزوج لا عبدالله ولا غيره،ولا أقبل خطوبة أحد .. وخالي وأنت ومحمود كلكم تسمعوني ، ولا لأحد قرار ضد رغبتي..وتعود الى غرفتها .. الشيخ ناصر : أيش هذا الكلام يا مريم ذي تقوله اليوم سعاد .. ما حد له عليها رأي ولا كلام ..ويرد عليه محمود : سعاد يا خال راشدة ، وأنت يا أمه وخالي والأخ عبدالله تعرفوا أن للبنت حقاً شرعياً في قبول من تتزوج أو ترفضه .. فطوم : نحنا فين كنا ، ودلحين فين وديتونا ، با نخرج من الموضوع المهم ويا فرحة الحاج عبده أننا سكبنا على حقوقنا طاسة مي .. الحاج عبده ( بحنق ) : هذا اتهام أنا لا أقبله ، ولا أتوقعه من أحد منكم .. بأيش با أفرح أنا .. كأننا قد أكلت حقكم .. مش عيب عليكم ؟ تتهمونا كذب وبهتان..محمود :أنت يا عبده تصرفك بحقوقنا يدينك ، وقد جيت اليوم وأنت عارف أن خالي موجود في عدن مع ابنه ورتبتم بينكم أمرين .. الأول ظهر من كلام الخطوبة ، والثاني معاذير ضياع الإيرادات ، وان كنتم رتبتم أموركم ، فنحن أيضاً مرتبين أمورنا ومش غافلين.ويشكو( ناصر ) من جفاف الأرض لندرة المطر ، واضطراره لشراء الماء بالمال الكثير لسقي ما قد ظهر من الزرع عوده وسنابله كيلا يصيبه الجفاف ويموت، وأيضاً من مشاقي العمال..ويرفع اليه محمود وجهه من اطراقه ،ويرمقه بنظرة استخفاف وتكذيب .وينزل سعيد من غرفته ، وما أن يلقي التحية على الجميع حتى يستأذن للخروج ، وتقول له أمه : اجلس ياابني مع أهلك قليل .. مكانك مستعجل ولا تقر .. ويغادرسعيد المسرح غير آبه لرجائها قائلاً : دا مؤتمر باتخرجوا منه بقبض الريح..ويتحدث عبدالله بصوت متوسل :( والله ما أخرنا ياعمتي عن زيارتكم الا الحياء واليد خلية ، ونحن مشتاقون يا عمتي لزيارتكم والإطمئنان على حالكم كثير والشوق لكم أكثر). وتقول فطوم : ذا المغنى قد سئمنا من سماعه .. ويتدخل ( عبده ) مؤكداً لها أن شحة الأمطار في الموسمين الماضيين ،أضعفت المحصول، ولم يكن المردود كافياً لسداد المصاريف وتسديد مشاقي العمال وديون أصحاب البذور والأسمدة ، مع غزو الجراد للمنطقة ....ويقاطعه محمود بنفاذ صبر مما سمع منه ومن خاله : أنا ابن الريف ، أعرف مدنه وقراه ، ومزارعه وغيطانه ، ووديانه ، وأعلم أي أرض سقيت ، ونوع ما زرع الناس ،وما كان المردود من المولى المريد رب العطاء والجود، وأعرف أننا قضينا على الجراد في أرضنا واتقيناه منذ عامين، وأنزل الله خيره فسقى الناس ، وسقى زرعهم وأنعامهم وأكرمهم بفضله ..وأقول لكم صراحة أنكم قد تماديتم بالمخادعة وتآمرتم ، والله المستعان عليكم ! تألبتم علينا ياخال ناصر وياعبدالله مع عبده .. اعلم يا عبده أن وكالتك ملغية من اليوم..ويرد عليه عبده متحدياً : أنت ما تقدر تلغي وكالة تحملتها من حياة أبوك . ويقول محمود : ان كنت با تتمسك بوكالة أبي لك فأنت غلطان ، أنت وكيل على راشدين ، والراشد يلغي وكالة من لا يرغب فيه ، ولا تنس أن الوكالة القديمة قد انتهت مدتها قبل أكثر من سنة ؟ وأنا الذي جددتها لك بموافقة جميع من في هذه الدار، والمطلوب منك تجهيز حساب المدة كلها في ظرف أسبوع .. وبا يجيك المحامي توفيق بأمر استدعائك الى المحكمة لإلغاء الوكالة ..تنزل أم الخير وسعاد ( وكانتا تتابعان الجدال من فوق رأس السلم ) وتقول مريم وفطوم معاً : الحمدلله .. بارك الله فيك يا محمود طمنت قلوبنا .. ويدور عتاب قصير بين محمود وخاله ناصر، ويقول محمود لخاله : ان كنت ياخال ناصر تريد أن توكل عبده على القيام بأعمالك فهذا شأنك ، ولكن بعد أن نتفق على قسمة التركة واعطاء كل ذي حق حقه .. ويقول ناصر محدثاً الجميع :هل سمعتم ما يقول محمود هل يرضيكم مخاطبتي بهذا القول؟ ..أنا مالي غيركم وعبدالله ولا لكم غيري حتى وان ما رغبت سعاد به. ما يقع زواج بالعافية .. ونحنا أسرة واحدة في المسرة والمضرة وينهض (عبده) ويقول مكتئباً : اذن مع السلامة .. ومشكور يا شيخ ناصر ، وبكره اللقاء في المحكمة با قطع الوكالة وارميها للريح تطيرها.ويخرج غيرمودع ولامأسوف عليه .. وينزل ستار النهاية والجميع واقفين ، وقد علت وجوههم الفرحة وتشابكت أيديهم .. والى الحلقة القادمة بإذن الله