أضواء
قبل فترة أعلن رجل دين سعودي -عضو في هيئة كبار العلماء في بلاده- أن فتواه التي تناقلتها المواقع الإلكترونية تحت اسم «فتوى تكفير ليبرالي» قد وُظفت في تكفير الأشخاص دون ضوابط شرعية. وكان الشيخ المذكور قد أصدر فتوى تكفِّر الليبراليين العرب، لأنهم يدعون إلى مساواة المواطنة بين المسلم وغيره، في إطار الدولة الحديثة. وهو ما اعتبره تحدياً للشريعة الإسلامية. وألمحت بعض المواقع الإلكترونية ومنها «إيلاف» إلى أن حديث الشيخ لجريدة «الرياض» السعودية قد جاء مخالفاً لفحوى فتواه. فقد ذكر -في السابق- أن الذي يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي؛ هذا متمرد على شرع الله، يريد حكم الجاهلية وحكم الطاغوت فلا يكون مسلماً. وفي حديث الشيخ لجريدة «الرياض» جاء «أن فتواه قد وُظفت في تكفير الأشخاص دون ضوابط شرعية. وتبين اختلاف حديثه السابق عن تكفير الليبراليين إلى عدم صحة إطلاق تسمية ليبرالي مسلم لأن الله سمّانا مسلمين، ولم يسمنا غير ذلك على حد قوله» (انتهى). ولقد أحدثت تلك الفتوى موجة من الغضب بين التيار الديني المتشدد في السعودية والتيار الليبرالي؛ إلى درجة أن أحد الليبراليين حذر من «الاعتداء بالتصفيات الجسدية»! وقبل ذلك سحبَ مفتي مصر (د. علي جمعة) كتابه الموسوم «الدين والحياة.. الفتاوى العصرية اليومية» بعد أن أثار الكتاب جدلاً واسعاً لأنه احتوى على فتوى بشأن التبرك ببول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم. حيث خلص أعضاء مجمع البحوث الإسلامية إلى عدم وجود شيء اسمه التبرك ببول الرسول. ولقد استند الكاتب إلى قول للسيدة «أم أيمن» التي استيقظت من نومها فوجدت إناءً فشربت منه دون أن تدري أنه بول الرسول؛ وعندما علمت ذلك أخبرت النبي فدعا لها بالشفاء وعدم الضرر. وهو مجرد خطأ وقعت فيه السيدة «أم أيمن». ودعاء الرسول لها بالشفاء ليس من قبيل أخذ البركة. (انتهى). وهنالك موجات من الحرب غير المستترة -في بعض دول الخليج- ضد الليبراليين تصل إلى حد قذفهم وإلصاق التهم الجائرة بهم دون حق! في الوقت الذي يتجمهر بعض السذج حول رجل دين -عُرفَ بمهادنة الأنظمة عندما يصل الأمر إلى حد من حدود الله- فيقام حول شخصيته مؤتمر دولي يصل إلى درجة تقديسه؛ وتقديس الأشخاص غير الأنبياء محرم في الدين! في الحقيقة نحن لا ندري ماذا نفعل إزاء الفتاوى التي تتناثر حولنا من كل صوب! ولا نعلم إلى متى سيظل المجتمع العربي خاضعاً للرؤى التكفيرية والرجعية التي لا ترى الحياة إلا بمنطق ومنظار ما قبل 15 قرناً!؟ ولا ندرى لمصلحة من يظهر علينا «أهل الفتاوى» -ونحن في عصر التكنولوجيا والحوار الأممي والقوانين الدولية التي تحكم الدول والمجتمعات وتدعو إلى الحرية والمساواة- ليكفّروا من يدعو إلى سواسية البشر! وهل الدين استثنى المسلمين ورفعهم عن أهل الديانات الأخرى؟ أو فضّلهم على الأمم الأخرى؟! وللأسف؛ فإن أهل الفتاوى يتغافلون عن الآيات الداعية إلى التآلف والتآخي الأممي والتعايش مع الآخرين؛ (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، (البقرة -آية 62). (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد)، (الحج -آية 17)! (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، (الحجرات -آية 13). هذه الآيات التي يتغافل عنها البعض المتزمت دالة دلالة كبرى على النهج الانفتاحي للإسلام؛ لكن هذا البعض هو الذي يغلق الدائرة، ويربط كل منجزات العالم الحديثة بمعاداة الدين. ولقد صوروا لنا أن الدين الإسلامي هو للعرب فقط؛ وبلغ حد الغلو في تصوراتهم إلى نبذ ما هو غير عربي وغير إسلامي. وهذا خطأ وقع فيه العديد من المفسرين أو الدعاة. كما جاء الفتح الإسلامي لتأكيد أممية العالم ومنه الإسلام وعدم انغلاقه على مجتمع المدينة أو مكة أو حتى الجزيرة العربية. كما جاء تأكيد الإسلام لأهل الكتاب بالبقاء على دينهم ودفع الجزية اعترافاً لأهل تلك الديانات السابقة على الإسلام بممارسة شعائرهم. والإسلام لم يعاد الحرية (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟)! وأن يكون الإنسان ليبرالياً لا يعني أنه كافر وملحد. أو أن يهجم البعض الموتور على مسرحية لشباب الجامعة ويحطم الديكور ويؤذي الممثلين. هذا الخلط البيِّن سببه الجهل بالمسميات والانفعال السريع والغاضب ضد الآخر، وزج بعض رجال الدين أنفسهم فيما لا يعرفونه من ملامح الحياة العصرية ونتاجات الشعوب المتحضرة التي أخذت بيد مجتمعاتها من الظلمات إلى النور. ونحن ما زلنا لم نقدم للبشرية سوى الدم والحروب والإرهاب! ثم من يعطي رجل الدين الحق في تكفير الآخر!؟ هل يملك رجل الدين صكاً إلهياً بأن يُصدر الفتاوى المُكفرة لفلان أو علان؟! لقد ساهم بعض رجال الدين في خلط الأوراق تماماً كما ساهموا في تأجيج شعلة الإرهاب في نفوس الشباب عندما صوروا لهم «الحور عين» السبعين في انتظارهم لو قتلوا أنفسهم وقتلوا أبرياء معهم! فكيف يروّج هؤلاء مفاهيم الشهادة المزورة على مرأى من الإعلام العربي والمحطات الفضائية العربية بالذات؟! وفي الحديث أن المُسلمَين لو تقاتلا فكلاهما في النار! والحديث هنا لـ»حماس» و»فتح»؛ ولجماعات (نهر البارد) وجماعات (المسجد الأحمر)! لماذا يشوشون أفكار الشباب بتلك الفتاوى التي لا تفيد الإسلام ولا المسلمين في شيء! ونعود إلى حديث بول الرسول. يعني ألمْ تلحظ «أم أيمن» رائحة البول وهي تقرّب الإناء من فيها؟ ثم هل من المعقول أن يكون إناء البول أمام الناس وليس في مكان خفي؟! هذه أسئلة عقلانية لابد من طرحها عندما نتعرض لكهذا قصص عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم! ثم ما الفائدة العائدة على الأمة الإسلامية من انتقاء حديث أو قصة كهذه وإعادة نشرها على الملأ؟! نحن نعيش فوضى في كل شيء حتى الإفتاء! ولابد من وقف هذه الترّهات الفكرية التي لا تخدم الأمة العربية والإسلامية؛ وحريٌّ برجال الدين أن يدافعوا عن الظلم الذي يقع على الشعوب وعلى قهر الحريات والاجتراء على حقوق الآخرين، وحسن إدارة مقدرات الدول. حريٌّ برجال الدين أن يقفوا أمام السلطان الجائر، والحاكم المستبد، والفساد، وثقافة «توزيع الغنائم»، ومحاربة المتعلمين الذين يحاولون إضاءة الشموع لمجتمعاتهم. حريٌ برجال الدين أن يتفهموا احتياجات الشباب والشابات ويُعدّونهم للحياة، لا أن يؤهلوهم للموت، ويعصُبوا أعينهم عن رؤية الحقيقة. [c1]* عن/ صحيفة (الاتحاد)الاماراتية[/c]