د.زينب حزام لله وحده يترك الإنسان لذاته وشهواته،ويصوم شهراً كاملاً ويكثر من الصلاة والعبادة..وفي سورة ص الآيتين 72،71 قال تعالى (إذ قال ربك للملائكة أني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فلم يستحق أدم التكريم وسجود الملائكة بعنصره الطين،بل العنصر الروحي فيه.وهذا الخلق المزدوج جعل الإنسان يعيش في عالمين:عالم المادة وعالم الروح،وله تعامل مع الأرض وتواصل مع السماء. فهو بحاجة إلى ما يخرج من الأرض ليأكل ويشرب ويلبس،وما يعيش من أجله..الإنسان اليمني عاداته وتقاليده،في شهر رمضان المبارك حيث يقوم الناس في بلادنا بتقديم أشهى الأطباق من المأكولات والحلويات خلال هذا الشهر المبارك ويكثرون من الصلاة وتلاوة القرآن والدعاء والعبادة،وتقام الأمسيات الشعرية والقصص عن الأنبياء وأبطال الإسلام.وكذلك تحس وتشاهد أثر هذا الشهر الكريم على العلاقات الأسرية والاجتماعية حيث تزداد الأسر تماسكاً،فيفطرون معاً ويتسحرون معاً،ويزداد المجتمع تواصلاً،فيزور الناس بعضهم بعضاً،ويدعون بعضهم بعضاً على الإفطار،ويحس الفقراء أنهم في هذا الشهر أحسن حالاً،وأوسع عيشاً من الشهور الأخرى،وتنتعش المشروعات الخيرية بما يقدم إليها من مساعدات من أهل الخير.[c1]الأعمال الدرامية في شهر رمضان[/c]في شهر رمضان تتسابق القنوات الفضائية اليمنية بتقديم كل جديد ومفيد من المسلسلات الدرامية المحلية والعربية،فنراها في الشهر العظيم تقدم أغاني وأفلام وتمثيليات ومسلسلات ومسرحيات،تم إعدادها لهذا الشهر الكريم،تغذي الروح،وتنمي الإيمان وتعلي القيم،وتزكي الأنفس،وتطارد الشر ويؤكد أن شهر رمضان ليس شهر صيام فقط،بل هو صيام النهار؟،وقيام الليل،ففيه تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يقومون بأداء صلاة التراويح،وفيه جاء الحديث (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه،فما أجملها وأرقاها من حياة للإنسان المؤمن،أن يكون في النهار صائماً،وفي الليل قائماً،وهو يحس بنشوة روحية لا يتذوقها من غلط حجابه ولا يعرف قدرها من سجن في رغباته المادية،فحرم تلك السعادة الروحية التي قال عنها بعض أهلها:نحن نعيش في سعادة هذا الشهر العظيم،بشهر العبادة والصيام وتلاوة القرآن).
ففي هذا الشهر العظيم تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران وتصفد مردة الشياطين،وهذا دليل على أن لهذا الشهر منزلة جليلة،وأن لكل مسلم مسألة عظيمة،وهي ما عبر عنها القرآن الكريم:قال تعالى (يا أيها الدين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الدين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة183.وكل منطقة يمنية تختلف فيها العادات والتقاليد الرمضانية ففي مدينة عدن عند رؤية الهلال لشهر رمضان تضرب الطبول وتشعل المشاعل ويتجول الأطفال في الشوارع مرحبين بقدوم شهر رمضان،وفي وقت السحور يردد المؤذن الأدعية،وفي كل بيت تعد مائدة السحور المكونة من الخبز واللبن أو الخبز مع السمك أو الدجاج أو البيض من المأكولات الرمضانية..وبعد السحور تقام صلاة الفجر ويكثر الناس الدعاء وتنام المدينة معلنة يوماً جديداً من هذا الشهر الكريم.وعند نهاية هذا الشهر الكريم تقدم الصدقات للفقراء وتعطى الزكاة ويكثر الناس من الصلاة وتلاوة القرآن خاصة في ليلة القدر وهي خير من ألف شهر.[c1]المسحراتي في عدن[/c]ومن التقاليد الرمضانية في عدن نجد المسحراتي الذي تعودنا مروره المنظم على الحارات الشعبية وقد بدأ يختفي هذا التقليد الرمضاني في المدن الحديثة والمسحراتي يضرب طبلته عند وقت السحور مردداً كلماته المعتادة التي أخذت نغماً متميزاً يتناسب مع إيقاع الطبلة الذي كان يشق سكون الليل:[c1]يا نائم وحد الدايميا نايمين وحدوا اللهيا عباد الله وحدوا الله[/c]ومن العبادات الرمضانية التي اختفت في مدينة عدن،هو الإفطار على صوت المدفع،حيث كانوا في الستينات من القرن الماضي يتم توقيت الإفطار على صوت المدفع،يسمى (مدفع رمضان) أما اليوم يكتفي الناس بصوت الأذان من الإذاعة المركزية والمساجد والتلفزيون.تضفي على أيام رمضان روعة وهدوء وطمأنينة تتناسب مع قدسية الشهر المبارك وفي الأحياء الشعبية في عدن ينتشر الأطفال ليلاً في الحارات والأزقة وهم يحملون الفوانيس الورقية الملونة في أيديهم مشاعل يغنون:-[c1]مرحب مرحب يا رمضانشهر العبادة وشهر الصيام[/c]ويقوم الأهالي بتوزيع الحلويات والملابس على الأطفال الفقراء..وبعض ربات البيوت يقمن بإخراج (البر) للأسر الفقيرة.ومن العادات الرمضانية في مدينة عدن ان تقام حلقات دينية في المساجد يومياً بعد وجبة الإفطار ويشارك فيها العلماء الأجلاء،ويبقى المواطنين يتدارسون بين صلاتي الظهر والعصر،وبين صلاتي العصر والمغرب أي ساعة الإفطار،ويقوم القارئون بتلاوة القرآن بأصواتهم الجميلة..أما في الليل فيبقى هؤلاء لأداء صلاة التراويح التي كانت تستمر حتى ساعة متأخرة وبعض الناس يواصلون التعبد حتى صلاة الفجر ومنهم يستمر في المساجد للتعبد لقضاء العشر الأواخر من رمضان ويواضب على الاعتكاف في أيام رمضان الأخيرة.[c1]الأمسيات الثقافية الرمضانية في عدن[/c]في شهر رمضان تنظم وزارة الثقافة فرع عدن بتنسيق مع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن بتنظيم الأمسيات الشعرية والقصصية والسير والأناشيد الدينية إضافة إلى القصص التاريخية والشعر العربي الإسلامي،بأسلوب مشوق جميل،وبحركات تمثيلية تسهم في تكملة العرض المسرحي البسيط،كما تقدم الأغاني الشعبية والمسرحيات الفنية في مسارح عدن وتستمر هذه السهرة الفنية ساعات متأخرة من الليل.[c1]مع اقتراب شهر رمضان من نهايته[/c]ينعم في مدينة عدن النشاط،والحيوية تدب الشوارع،فينشط الباعة في المتاجر بتقديم الملابس الجديدة للعيد وتقديم البضائع الغذائية والحلويات الخاصة بالعيد،وتقدم كل المنتجات من اللحوم والخضروات والفواكه الطازجة وتنشط كل الفئات في أيام الاستعداد للعيد بعد التجار والخياطين وباعة الأحذية في شوارع عدن وتشهد الصالونات إقبالاً استثنائياً بحيث يسهرون حتى ساعة متأخرة من الليل قبل الانتهاء من قص شعور زبائنهم.وأخيراً..لا يتسع المقام هنا إلى تفاصيل نقوش الحناء في اليوم الأخير من شهر رمضان وهي من العادات والتقاليد اليمنية..في اليوم الأخير من رمضان وفرحة بالعيد يستعد الجميع وخاصة النساء والفتيات الصغيرات لنقوش الحناء على كف اليد والرجل ،أما الرجال والأولاد يستخدم الحناء على شعر الرأس والجسم من أجل الترطيب من الحر..ولم يبقى بوسعنا إلا الخروج على إيقاع هزيج القمندان:[c1]واعلى أمحنا واعلى أمحنا..سعد ومسعود..فاح عرف العوداسقينى الصمبا..دمعة المنقودتجلي الكربة..تشفي المأرودآه ألا يالله..يا كريم الجود).[/c]