التحطيب الجائر - العدو الأول للبيئة فمن ينتصر للمرأة وللبيئة؟!
صنعاء - استطلاع/ ذكرى النقيب:ثلاثية أزهار النرجس والريحان والشذاب وبجانبها شجيرات النعناع الأخضر والبسباس، جمالية متناسقة تجدها تزين كل منزل ريفي، عندما تسأل عن الخضرة وجمال البيئة يأخذونك إلى الحديقة الصغيرة التي تحتوي أحياناً على بعض أشجار الفاكهة لكنها ليست كافية بنظر هؤلاء. وتتساءل عن أشجار الأمس. فتكون الإجابة إن قلة الأمطار هي السبب الرئيسي في اختفاء الغطاء النباتي عامة والأشجار خاصة لكن السبب الذي يتجاهله هؤلاء هو (التحطيب الجائر) وأن ذكرته لهم اتهموا المرأة بأنها عدو البيئة في تلك المناطق ويتناسون الأسباب التي قد تجعل المرأة متهمة بأنها عدو البيئة.14 أكتوبر في هذه الرحلة الاستطلاعية القصيرة تقدم للقارئ صورة لواقع المرأة والبيئة في إحدى مديريات محافظة لحج.سعدنا بوصولنا إلى تلك القرى وقبل أن نحط الرحال فيها رافقتنا ذكريات الأمس ذكريات المكان والزمان والناس والأشجار وخضرة تلك المدرجات وصوت الراعية والزامل، أشياء كثيرة تحاورنا فيها بأمل أن تكون موجودة كما كانت وأهمها الشجرة الكبيرة التي كنا نتجمع تحت ظلها عندما كنا أطفالاً أثناء عودتنا من المدرسة، خرجنا من آخر مدينة في محافظة تعز باتجاه إحدى المديريات التابعة لمحافظة لحج، كانت الشمس حارة والسيارة تشق طريقها في الطرق الترابية الوعرة للوصول إلى تلك القرى الجبلية المعلقة التي تعانق السحاب الكل كان سعيداً بقرب الوصول، لكني لم أتفاءل كثيراً ورحت أنفث الآهات ألماً وحزناً على الأشجار التي كانت ولم أجدها فأغلبها قد عبثت بها يد الإنسان والقليل منها ماتت واقفة بشموخ من ندرة الأمطار. مررنا بعدة قرى وعدة بيوت ولم أسجل أي شيء أثناء مرورنا عليها سوى (حجم المحطب) وهو مكان يتم تجميع حطب الأشجار فيه جوار المنازل فكل أسرة قد أعدت لها مدخراً من الحطب سيكفيها لشهور طويلة، قلت حينها المنظر جميل للغاية، لكن تنقصه الخضرة، لم يتجاوب أحد معي فيما طرحت لكن اضحت بيئتنا في خطر أمام منظر محزن لمدرجات زراعية كثيرة هجرها أهلها في هجرتهم الداخلية إلى المدن نظراً لشحة وندرة المياه في تلك المنطقة وقرية أخرى رأينا فيها سحاب من الدخان تتصاعد من أسطح المنازل حينها قلت المرأة الريفية مظلومة في كل شيء حتى في تأمين بيئة صحية لها عند إعدادها للطعام لا توجد، فمن يعرف مخاطر تلك الأدخنة عليها وعلى جهازها التنفسي وهي في رحلة يومية تبدأ من الصباح الباكر حين تقدم طعام الإفطار وبعدها طعام الغداء والعشاء، بدأ أحدهم بالمناقشة ليثبت أن هذا لا يؤثر عليها بينما الآخرون التزموا الصمت لأنهم لا يوافقونه الرأي فرد عليه أحد الطلبة الجامعيين :لا تقل شيئاً هي في خطر أنظر إليها وإلى جسمها فعمودها الفقري في التواء والشيب قد بدأ يداعب رأسها وهي لاتزال صغيرة والشمس قد أخذت نضارة جسدها والتجاعيد قد بدأت تأخذ طريقها في محياها فمن يرحمها من هذا كله ولكنها مع هذا صامدة وراضية ومبتسمة ولا تطالبك بشيء، تفاعل الجميع وسمعت أحدهم يقول وأن مرضت تكون مكافأتها الإهمال ولا ينظر إليها أو في توفير قيمة علبة دواء لا تساوي شيئاً أمام خدماتها.حينها لم أتردد في طرح السؤال التالي :- وما هو الواجب الآن تجاه هذه المرأة وتجاه البيئة؟لم يجب أحد فظل الصمت مرافقاً لنا إلى أن وصلنا إلى آخر محطة لنا في أعلى قرية جبلية في جبال القبيطة لكنها تختلف بالرغم من ارتفاعها الشاهق وصعوبة الوصول إليها فالشجرة لاتزال موجودة والمجتمع محافظ عليها والتقطيع والتحطيب ليس جائراً ومجحفاً مثل بقية القرى المجاورة.[c1]أعداء البيئة[/c]فالكل خائف من أن تنعدم الشجرة ويداول بين تقطيعها في كل عام ولا يقطع أغصانها الأكل عامين مرة كما فهمنا بعد ذلك والذي ساعد هذه القرية أن تحتفظ بجمالها هو المستوى التعليمي الرفيع لأبناء هذه القرية ووجود ما يزيد على أربعة مهندسين زراعيين فيها يضاف إليه وجود تلك المبادرة التي قام بها أنصار البيئة من أبناء المنطقة بقيادة أحد المهندسين الذي زود القرية بشتلات أشجار الفاكهة المثمرة و (أشجار الزينة) على حسابه الشخصي والتزم لكل مواطن اعتنى بشجرته وأولاها العناية خلال عام إذا أخضرت ومدت عروقها في الأرض أن يدفع له ألف ريال عن كل شجرة استعادت عافيتها، هذه المبادرة أعادت إلى النفس أشياء كثيرة فهنا يتجسد حب الوطن وحب الشجرة وحب البيئة والحفاظ عليها.إلا أن المشكلة لا تزال قائمة في هذه القرى وغيرها من المناطق اليمنية والكل يتهم المرأة بأنها العدو الأول للبيئة لكن أم عامر ترفض هذا الاتهام بلهجة حادة وتقول إذا كنا أعداء البيئة فكيف نعيش، نريد طريقاً يمكنا الحصول على (دبة الغاز) ومحل يبيع هذه المادة باستمرار في قريتنا، نريد لسعر هذه المادة أن ينخفض فنحن لا نقوى على شرائها بأكثر من سعرها الحالي فهي تصل إلينا بأكثر من 750 ريالاً، نريد تشييد سدود وكرفان للمياه. نحن وبناتنا نحارب هنا من أجل البقاء ونصر على تعليمهن رغم كل هذا العناء.[c1]لا يحضرن طابور الصباح[/c]الخفة والسرعة هي أبرز الصفات التي تميز تلك الصبايا وهن في طريقهن لجلب الماء والعودة الى المدرسة في تمام الثامنة صباحاً ، فالفتاة هناك لا تحضر طابور الصباح وأحياناً الحصة الأولى فلها ميزة التأخر الى الثامنة صباحاً نظراًلارتباطها بجلب (دبة الماء ذات العشرين لتراً). استوقفنا ذلك المنظر وشعرنا حينها بحسرة وألم ولم أجد نفسي إلا ودموعي تنهمر حتى عندما تحدثت ببعض الكلمات التي أوحيت فيها لمن يرافقني برغبتي الشديدة في محاورة إحدى الفتيات لم يفهمني أحد بسبب الغصة التي انتابتني.فهذه سعاد تستيقظ في تمام الرابعة صباحاً لتصلي الفجر وتحضر الإفطار ومن ثم تأخذ (دبتها) وتخرج لتسابق الريح خوفاً من أن تتأخر على مدرستها فهي في المرحلة الثانوية في الصباح تجلب (دبتين) وفي العصر تجلب البقية وإذا أخرت جلب الماء كاملاً إلى العصر تخاف من زعل الأهل وتخاف أيضاً من منعها من إكمال دراستها بحجة جلب الماء وأعمال المنزل.حاولت أن أودعها دون أن أفهمها سر اهتمامي بها ولم أعرفها بنفسي ولكني لم أتمكن من الانصراف سريعاً عنها نظراً لتعاونها الكبير معي وشرحها لكثير من المظاهر المعيشية والدراسية التي تلامس حياتها اليومية هناك، تتحدث بحماس شديد وثقة عالية، من كلامها عرفت أنها تمتلك قدراً عالياً من الثقافة التي لو استغلت حتماً ستفيدها وستفيد أبناء منطقتها ووطنها بشكل عام، وفي ابتسامتها الكثير من المعاني الدالة على التفاؤل وحب الحياة ولكن صعوبة العيش والفقر وبرد الصباح والمساء قد أخذ الكثير من جمالها .. أخبرتني أن عمرها ستة عشر ربيعاً، لكن المتأمل لها يجد أنها قد فاقت الثلاثين بسنوات، فهي لا تكل ولا تستريح ولا تنام إلا أربع ساعات وإن زادت فخمس ساعات فهي من تعد الأكل وتحلب البقر وتهتم بالدجاج والأغنام وتنظف المنزل وتجلب الماء وتأتي الدراسة في آخر مهامها ولكنها تصر على التحدي وعلى إكمال تعليمها الثانوي على الأقل إلا أن أصعب شيء يرهقها كما ذكرت وزميلاتها هو جلب الماء والحطب فهذه المسائل متعبة وتأخذ وقتاً طويلاً ولكنها أساس المعيشة ولا يمكن الاستغناء عنها، فهي من تقوم بتقطيع الحطب ونقله الى المنزل لاستخدامه في الوقود لإعداد أهم الوجبات فهم لا يستخدمون الغاز إلا للأشياء الخفيفة ولا يعتمدون عليه الاعتماد الكامل لعدة أسباب فهو غير متوفر في المنطقة وإحضاره من أقرب مدينة لهم يستغرق وقتاً وجهداً ومالاً كما أن سعره عال بالنسبة لظروف الأسر الريفية كما ذكرت ويصعب حمله على المرأة دائماً فلا تحمله إلا في الشهر مرة لمسافات طويلة. وتضيف أن الأكل المطبوخ على نار الحطب له نكهة ومذاق خاص ولا يمكن لأحد الاستغناء عنه. وعندما أكملت حديثها طرحت عليها مخاطر التحطيب الجائر على البيئة فردت بحياء نحن نفهم هذا جيداً ونتمنى أن تكون منطقتنا خضراء ولكن لا يوجد أمامنا بدائل ولا نستطيع أن نشتري أكثر من دبة غاز في الشهر، كما أن الأمطار قد قلت ما أثر علـى البيئة يضاف إليه زيادة عددالسكان فهذه أمور تتداخل وتؤثر على جمال البيئة فالمواطن لا يهمه شيء من هذا ولا يعلم بخطورة هذا التحطيب وإن أدركه البعض.. وما يهمهم هو تأمين حياتهم في الوقت الحاضر ولا يحسبون للمستقبل حساباً.أثناء العودة سرني وابكاني منظر طالبات المدارس وهن في سباق مع الزمن لجلب الماء والحطب ومن ثم الذهاب إلى مدارسهن ودعت تلك القرى والمنظر كما هو، أراضٍ أهملها أهلها وهجروها وأشجار انتهكت وأعدمت ومياه نضبت وأدخنة تتصاعد من كل مكان وفي كل منزل حتى تساءلت كم تحتاج كل أسرة من حطب سنوياً فلم يستطع أحد أن يجيبني حتى عدت به للدكتورة/ هناء رشيد التي تحدثت عن أهم المشكلات البيئية في اليمن وفي المقدمة استنزاف المياه الجوفية واستنزاف موارد البيئة البحرية بفعل الاصطياد الجائر واقتطاع الأشجار بفعل التحطيب والمراعي والتلوث، وتبرز مظاهر التدهور البيئي السلبي على المجتمعات الريفية نتيجة للفقر والجهل وانعدام الخدمات الضرورية فتبلغ نسبة نساء الريف اللاتي يقمن بجلب الحطب 92 وبالمقابل 48.3 ويجلبن مياه الشرب ومياه الاستخدامات المنزلية من مناطق بعيدة ولهذا يحدث تدهور في الغطاء النباتي وتصحر الأراضي بفعل التحطيب والرعي الجائر.أمام هذه المشكلات وأمام معاناة المرأة الريفية يجب على الدولة القيام بوضع العديد من الحلول لعلاج هذه المشكلات فيجب عليها أولاً أن توفر الخدمات الأساسية لقطاع واسع من السكان في الريف والحضر وهي المياه النقية والكهرباء وشبكة الصرف الصحي، كما يجب العمل على حماية البيئة من الاستغلال غير المنظم ودعم مشاريع التنمية المستدامة.يضاف إليه العمل على رفع الوعي البيئي بين السكان وتمويل مشاريع بيئية داعمة للمرأة بهدف تحسين الموقف من البيئة.