علاقة السكان بالموارد الطبيعية
يرتبط الحجم الإجمالي للسكان كمتغير بالموارد والمستوى الاقتصادي والمعيشي المتحقق على أن ينظر إلى تلك العلاقة في حالتها الحركية ، أي أن السكان لهم حركية معينة من حيث الزيادة والنقص خلال الإطار المكاني والزماني وكذلك الموارد فليست دائماً ثابتة بل تتأثر بعدة عوامل طبيعية وبفعل الإنسان. وتأتي الموارد الطبيعية كأهم الموارد التي يعول عليها المجتمع في بقائه واستمراريته ونمائه وفي مقدمتها الأراضي الزراعية والمصادر المائية بالإضافة إلى الموارد الأخرى كالثروة الحيوانية والثروة السمكية والثروات المعدنية والبترولية والغازية وغيرها. أن علاقة السكان بالموارد الطبيعية تقررها عدة مؤشرات نسبية مثل كثافة السكان لكل كيلو متر مربع من الأراضي الزراعية ، نصيب الفرد من الموارد المائية ، نصيب الفرد من الإنتاج الغذائي ..الخ ، إضافة إلى مؤشرات كمية مطلقة مثل : حجم ونطاق هذه الموارد كأعداد الثروة الحيوانية وحجم الثروة السمكية وتقديراتها الإجمالية واحتياطي الثروات المعدنية واللامعدنية والبترولية والغازية وأن أي تدن في هذه المؤشرات من الناحية المطلقة أو النسبية عبر الزمن أو المكان يعبر عن حالة اختلالية بين السكان والبيئة المحيطة بهم في ظرف تاريخي معين. وفي حالة اليمن كما لاحظنا زاد حجم سكانها خلال الثلاثين سنه الماضية بوتيرة عالية وتضاعف عدد السكان من حوالي 8 ملايين في منتصف السبعينات إلى 15.8 مليون في منتصف التسعينات والى 19.7 مليون نسمة عام 2004م ويتوقع أن يتضاعف مرة أخرى خلال الخمس والعشرين سنه القادمة حسب التقديرات الإحصائية. وبحسب العديد من الدراسات المتوفرة حول علاقة السكان بالموارد الطبيعية ، فإنه في ظل هذه التطورات السكانية تكون وضعية العديد من الموارد الطبيعية حرجة ولا تلبي الاحتياج الكبير والمتزايد للسكان وتطور احتياجاتهم ، فمن المعروف أن الموارد الطبيعية تحكمها في الغالب ظروف طبيعية ومناخية وبيئية مستقرة إلى حد كبير إلا أن بعض هذه الموارد ذات طبيعة متجددة مثل الموارد المائية والثروات الحيوانية والبحرية ويمكن التحكم بها والتأثير عليها ايجابياً إذا ما استخدمت استخداماً رشيداً والبعض الآخر قابل للتوسع والنماء كالأراضي القابلة للزراعة وهناك نوع ثالث يعد من الموارد الناضبة مثل الثروات الباطنية ( المعادن والبترول ) إذ أن التوسع غير العقلاني في استغلالها قد يؤدي إلى سرعة نضوبها وهو ما يتعارض مع أهداف التنمية المستدامة والشاملة التي تعني الوفاء باحتياجات الأجيال الحالية وتحسين مستوى معيشتهم دون المساس بحقوق الأجيال القادمة في التنمية والعيش في مستوى لائق والتمتع بخيرات الموارد الطبيعية التي هي ملك كل الأجيال. كما تعد الأرض المورد الأساسي للإنتاج النباتي والحيواني ( مصادر الغذاء) وتقوم الجمهورية اليمنية على مساحة كبيرة نسبياً تقدر بـ 555 ألف كيلو متر مربع إلا أن معظمها أراض صحراوية غير صالحة للزراعة وتقدر الأراضي الصالحة للزراعة بـ 16.688.858 هكتاراً (2.8% من إجمالي المساحة ) بينما قدرت المساحة المزروعة منها فعلياً بـ 1.03 مليون هكتار في نهاية الثمانينات ورغم أنها ارتفعت إلى 1.3 مليون هكتار في عام 1998م إلا أن هذه المساحة تعد ضئيلة. ومع اعتماد الزراعة على الأمطار اساساً وتقلبات المناخ وفي ظل معدل النمو الحضري على حساب بعض الأراضي الصالحة للزراعة وكذلك عوامل التصحر وحالات الانجراف لبعض الأراضي يتوقع أن يواجه اليمن تحديات في هذا الجانب ، وتعد المياه من أهم المشكلات التي تعاني منها البلاد ، حيث تعاني اليمن من شح كبير في المياه وتفتقر إلى المصادر المائية المستديمة كالأنهار والبحيرات والوديان الغنية بالمياه الجارية لذلك فهي تعتمد إلى حد كبير على مصادر المياه الجوفية ومياه الأمطار . حيث تقدر الموارد المائية المتجددة سنوياً في اليمن بحوالي 2.5 ترليون متر مكعب فيما يبلغ الاستهلاك حوالي 3.4 ترليون متر مكعب سنوياً أي أن هناك عجزاً سنوياً قدره حوالي 900 مليون متر مكعب سنوياً يتم تغطيته من المخزون المائي ( أي المياه الجوفية) وهو ما يؤدي إلى استنزاف هذه الثروة المائية التي لها ملايين السنين في باطن الأرض وقد ظهرت هذه المشكلة في أكثر من منطقة في اليمن وخاصة في بعض المدن كأمانة العاصمة وتعز وصعدة ، كما أن بعض هذه المياه تتعرض للتلوث بسبب الأنشطة البشرية والمخلفات ويبلغ نصيب الفرد من المياه في اليمن حوالي 137 متراً مكعباً في السنة وهو من اقل المعدلات في العالم ويقع تحت خط الفقر المائي المحدد بألف متر مكعب للشخص سنوياً. وتعد كثافة السكان إلى جانب النمو السكاني من أكثر المؤشرات تعبيراً عن حدة الإشكالية السكانية وكثافة السكان تعني العلاقة بين عدد السكان والمساحة الكلية للبلد وهي الكثافة الحسابية أما العلاقة بين السكان والمساحة الصالحة للزراعة ( المعيشة) فتعرف بالكثافة الفيزيولوجية وهي الأكثر تعبيراً وواقعية خصوصاً للبلدان التي تنتشر فيها مساحات شاسعة من الصحاري كاليمن وقد زادت الكثافة السكانية في الجمهورية اليمنية من 28 فرداً في الكيلو متر المربع عام 1994م إلى حوالي (36) فرداً في الكيلو متر المربع عام 2005م وتتفاوت هذه الكثافة حسب المحافظات حيث تبلغ أكثر من (300) شخص في الكيلو متر المربع في محافظة إب إلى اقل من (5) أشخاص في الكيلو متر المربع في المهرة. ولكي يكون هناك معنى لهذه المؤشرات النسبية حول موارد الأراضي الزراعية والموارد المائية ينبغي أن نقرنها بالموارد الغذائية حيث يرتبط الطلب على الغذاء وإنتاجه بعلاقة طردية مع حجم السكان إذ كلما زاد حجم السكان زاد الطلب على الغذاء ما يضع مسؤوليات جسيمه تتمثل في الاستثمار الأمثل للموارد ومضاعفة وتأثر الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. أن الإنتاج الزراعي لا يغطي حالياً سوى (13%) تقريباً من الاحتياجات الغذائية من القمح ، وتبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب اجمالاً (24%) وبالرغم من التوسع خلال العقدين السابقين في المساحات المزروعة وزيادة الإنتاج النباتي والحيواني والسمكي فإن الفجوة الغذائية ما تزال واسعة ، إذ يتم الاعتماد على الاستيراد بنسبة (70.5) لسد الاحتياجات الغذائية للسكان.