الرياض / متابعات :بات المستهلكون في السعودية مع استمرار ارتفاع الأسعار يقضون وقتا أطول في مراكز التسوق، ليس بهدف شراء كميات أكبر من السلع، ولكن لسبب آخر وهو البحث عن الأرخص الذي يتناسب مع ميزانياتهم، فيما اعتبر اقتصاديون أن “الغلاء” الذي يجتاح الأسواق سيؤدي إلى تحول كبير في نمط الاستهلاك في المملكة، من خلال الاعتماد على مواد غذائية تتمتع بجودة عالية وسعر أقل، لتحل مكان المواد الغذائية ذات الماركات العالمية.ويقول الاقتصاديون إن الغلاء سيدفع المستهلكين إلى البحث عن سلع بديلة ورخيصة وبخاصة السلع الاستهلاكية”.وصار من المألوف أن تجد مستهلكا (سعوديا أو مقيما) يمسك بيديه سلعة واحدة لشركتين مختلفين، وعينيه تدقق في ملصق الأسعار مقارنا بين سعر السلع من منتجين مختلفين.ويكفي جولة بأحد مراكز التسوق في العاصمة الرياض لملاحظة التغيرات في سلوكيات المستهلكين وطرق شرائهم ، حيث يقول محمد الميموني “إنني كنت أرتاد الأسواق مرة واحدة كل أسبوع في السابق لشراء أغراض أسرتي، وكان الأمر يستغرق مني ساعتين على الأكثر، غير أن الوضع تبدل الآن، وصرت أقصد السوق مرتين في الأسبوع، أتحرى الأرخص للتوفير”.وأضاف : “في أحيان كثيرة أمسك بيدي نفس السلعة نفسها لمنتجين مختلفين بينهما فارق في السعر، وأمضي وقتا في قراءة مواصفات كل سلعة قبل أن أقرر أيهما أشتري، وفي الغالب أشتري الأرخص”.وأشار إلى أن الأسواق صارت مزدحمة تقريبا في كل الأيام، فالكل يبحث عن الأقل سعرا (بحسب رأيه)، وهذا ما يزيد من وقت التسوق، مشيرا إلى أنه قبل شهور كانت المراكز التجارية تعج بالمتسوقين أيام الأربعاء والخميس والجمعة كل أسبوع، والآن صارت مزدحمة في كل الأيام.
في احد الاسواق
واتفق معه صالح العتيبي، وقال “إنه بات يدرس العروض التي تعلنها مراكز التسوق كل يوم أربعاء، ويعقد مقارنة بينها، ثم يتوجه إلى السوق الذي يجد فيه أغراضه بسعر رخيص نسبيا”.وأوضح “أنه كان حتى وقت قريب يقوم بالتسوق من مركز تجاري واحد، حيث كانت أسعاره معقولة، ولكن الوضع اختلف، فأصبحت أزور مراكز تسوق كبيرة، ولكني اكتشفت أن كثيرا منها يعلن عن تخفيضات وعندما أذهب للشراء لا أجد شيئا، وعندما أسأل يقولون لي “إن العرض على هذه السلعة قد انتهى، وحينها أبدأ رحلة البحث والمقارنة بين السلع”.وأشار العتيبي إلى أنه بدأ منذ شهور في وضع ميزانية خاصة لبيته، تتناسب مع دخله، ويحاول قدر الإمكان ألا يتجاوزها حتى لا تؤثر على ميزانية نهاية كل شهر.ويقول يحيى العبسي “إنه أصبح يكره التسوق لشراء أغراض منزله، فتلك العملية باتت تستنزف من وقته الكثير، وخاصة أن دوامه على فترتين، ويحصل على إجازة يوم واحد في الأسبوع، ويقضي معظم يوم إجازته في التسوق، لشراء سلع بأسعار تناسب دخله.واعترف مشرف مبيعات بأحد المراكز التجارية عبد الله الشمري، بأن مراكز التسوق أصبحت مزدحمة معظم أيام الأسبوع، منذ فترة على الرغم من أن كميات المبيعات لم ترتفع كثيرا بما يتناسب مع الزحام الذي تشهده.وأضاف الشمري “أنه صار مشهدا مألوفا له أن يجد مستهلكين يقارنون بين الأسعار، بحثا عن الأقل سعرا، وفي أحيان تحصل مشادات بين مستهلكين والكاشيرات، بسبب عروض أعلنت عن سلع، وتم رفع تلك العروض، ولكن المستهلك يشتريها، وعندما يذهب عند صندوق المحاسبة يجد السعر مختلفا، فيدخل في جدال مع الكاشير.
سوبر ماركت
ولفت إلى أنه في أحيان كثيرة ما تجد مستهلكين يبلغون الكاشيرات بعدم المحاسبة على سلع اشتروها؛ إذ من الممكن أن تكون قيمة مشترياتهم زادت عن توقعاتهم. من ناحيته، أوضح خبير متخصص في قطاع استيراد المواد الغذائية ومراجعة الأسواق في شركة أبار وزيني ومقرها جدة أن المستهلك السعودي وأيضا الخليجي، مقبل على تحول كبير في نمط الاستهلاك والتبديل من أصناف المواد الغذائية ذات الماركات التجارية المعروفة إلى ماركات تتمتع بالجودة وبالسعر الأقل.وأضاف الخبير الذي فضل عدم ذكر اسمه “إن موجة الغلاء التي تجتاح السعودية والعالم، تقف وراء تبديل أنماط الاستهلاك، وتغيير سلوكياتهم في التسوق، وخاصة مع ارتفاع الأسعار بمعدلات كبيرة، مع انخفاض المعروض من بعض المنتجات الشهيرة”.ورأى أن هذا التوجه الجديد، سيحتاج إلى زمن وإلى عامل نفسي لتقبل تغيير منتجات تعودها المستهلك ووثق بها لسنوات طويلة.واعتبر أن حماية المستهلك السعودي من ارتفاع الأسعار، وإيجاد حلول بديلة، من الصعب أن تتم من خلال تشكيل لجان أو هيئات تقوم بعدد من الإجراءات البسيطة، ولا سيما أنه لا يوجد لدينا آلية لوضع سقف محدد ونهائي للأسعار، كما أن قطاع تصنيع واستيراد المواد الغذائية، يعد من أضخم قطاعات الأعمال على المستوى العالمي وتتحكم به شركات عملاقة.وأكد المصدر أهمية إحداث تحول في آليات التصنيع دون أن تفقد مزايا الجودة، من خلال البحث في أساليب تؤدي إلى تخفيض تكلفة التصنيع في مراحله المختلفة، وتوجه المصانع بتقليص المصاريف، مما يسهم في تخفيف عبء السعر عن المستهلك بنسبة تبلغ 15 % على الأقل.ورأى أن ميزان ارتفاع الأسعار العالمي وصل إلى متوسطه، وهو ما يعني أننا لن نشهد زيادات كبيرة في السوق السعودي العام الجاري؛ لأن معدلات فرق الأسعار في المواد الغذائية بين السعودية والدول الأوروبية كان يتراوح بين 30 إلى 50% في الأعوام الماضية، وبسبب موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة تقلص الفارق إلى ما بين 10 و20%.غير أنه نبه إلى عامل مهم قد يدفع الأسعار إلى الارتفاع وهو الدولار، وقال “إنه إذا حافظ الدولار على سعره، أو تمكن من تحقيق مكاسب على حساب العملات الرئيسية، فإن الأسعار ستستقر نسبيا ولن نشهد موجة ارتفاعات كبيرة، بل من المرجح أن تتراجع أسعار بعض السلع.من جهته قال الخبير الاقتصادي مطشر المرشد “إن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، يضر بطبقة ذوي الدخل المحدود، وهو ما يدفعهم إلى تغيير سلوكياتهم، بالبحث عن الأرخص”.وأشار المرشد إلى أن التجار برفعهم الأسعار بطريقة غير مبررة يستهدفون فقط هوامش ربحية عالية، وأن ما يحاول تصويره التجار للمجتمع من أن التضخم وزيادة الأسعار تضخم مستورد غير صحيح؛ لأنه يوجد سلع كثيرة ليس لها علاقة بضعف الدولار أمام العملات الرئيسية في العالم أو حتى زيادة أجور الشحن.