طالعت بصحيفة "14 أكتوبر" يوم الاثنين الفائت مقالاً بعنوان " باب عدن في التاريخ " للأخ محمد زكريا وكرسه تقريباً لمدح المرحوم عبدالله محيرز واصفاً إياه بأنّه " مؤرخ نابغة فذ حقيقي سعى إلى الوصول قدر المستطاع إلى أقرب نقطة من قلب الحقيقة "! وتارة يصفه بأنّه " مؤرخ نابغة بكل معنى لهذه الكلمة "! وعشرات العبارات الأخرى في مدحه ، ثم استند إلى ما كتبه محيرز في كتابه " العقبة " ليقرر ويؤكد بأنّ باب عدن أو باب اليمن أو باب البر.. الخ هو باب العقبة ! وقال زكريا : " أشار عبدالله محيرز بأنّ باب العقبة كان مثابة الجسر بين عدن واليمن، أو النافذة التي تطل منها عدن على اليمن أو كانت همزة وصل بين عدن واليمن عبر البر والعكس صحيح "!وبناءً على ما تقدّم أود التأكيد على الحقائق التالية :[c1]باب عدن هو النفق[/c]أولاً : أنّ باب عدن أو باب اليمن أو باب البر ليس هو باب العقبة" بل "النفق" أي البغدتان الطويلة والقصيرة ومحيرز بنفسه لم يستطع تقديم أي دليل على أنّ باب عدن هو باب العقبة بل انّه في كتابه المذكور قدم الدليل على عكس ما يزعمه فقد نشر خارطة لعدن تبين تواجد البغدتين وباب العقبة معاً، وبالتالي فإنّ المنطق المقبول يقضي بأن تكون البغدتان (أي النفق) هما باب عدن فهما ترتفعان عن سطح البحر بأمتارٍ قليلة وبالتالي لا يعقل أن يتركها الناس ليستخدموا ممراً يرتفع عن سطح البحر بأكثر من مائة متر أي باب العقبة فالوصول صعوداً إليه هو شيء يقطع الأنفاس والنزول منه أمرٌ عسيرٌ فالإنحدار كان شديداً قبل أن يقوم البريطانيون في عهد احتلالهم لعدن بتسوية الطريق إلى العقبة من جهتي كريتر والمعلا لتصبح سهلة الاستخدام للناس والدواب.ثانياً : وبالكتاب نفسه قدّم محيرز - دون قصد - الدليل الآخر على أنّ باب عدن هو النفق وليس باب العقبة فقد كتب ما يلي :"يقع بين رأس العرق وجبل حديد واد فسيح ينفرج على ساحل أبين وتقطعه سلسلة جبلية تنتهي برأس الجارف إلى قسمين وقد أطلق الإنجليز اسم البرزخ على هذا الوادي" ويضيف بأنّ ذلك الوادي سُمي بالبرزخ "لأنّه الموقع الوحيد الذي يربط شبه جزيرة عدن بالبر"، فإذا نظر القارئ للخارطة التي نشرها محيرز بكتابه فسوف يجد بأنّ في البرزخ يقع النفق (أو البغدتان) وليس باب العقبة، وإذاً فباب البر (أو باب عدن التاريخي أو باب اليمن أو الباب الرئيسي لعدن فكلها مسميات لشيء واحد هو "باب عدن") إنّما هو النفق وليس غيره.ملاحظة : البرزخ هو أول منطقة بخورمكسر تقابل القادمين من عدن (كريتر) وفي البرزخ تقع حالياً محطة بنزين العاقل وثانوية الجلاء.[c1]محيرز حرَّف ما وثقه البريطانيون[/c]أما إشادات زكريا بمحيرز فليست في محلها فمحيرز ليس مؤرخاً حقيقياً ، فقد سطر كتابات حول بعض معالم عدن بهدف أن ينسب للإنجليز أنّهم هم الذين شيدوها. وللأسف فإنّه لجأ إلى تحريف ما وثقه البريطانيون بأنفسهم كي يخدع القراء ويقنعهم بصحة ما يدعيه!وحتى لا يظن أحد أنني أتجنى عليه فإنني أملك الأدلة على ذلك التحريف وأقدمها للقراء على النحو التالي :باب العقبة (الذي هدم في أبريل 1963م) قد بدأ الإنجليز في بنائه في يناير 1867م، وانتهى في السنة التالية، ونسب هذه المعلومة إلى المؤرخ البريطاني آر . جيه . جافين مؤلف كتاب " عدن تحت الحكم البريطاني "(صادر في 1975م) وعندما طالعته وجدت أنّ جافين تحدث عن قيام الإنجليز في يناير 1867م ببناء "gate" (أي بوابة) في مدخل الباب وليس بناء جسر!!إنّ الجسر كان قائماً قبل احتلال عدن لكن محيرز أراد أن ينسب للإنجليز بناءه!ثانياً : أدعى محيرز بأنّ الإنجليز شقوا النفق في خمسينيات القرن 19 وأدعى وجود مسوحات ورسومات وخرائط تثبت ذلك، لكنه لم ينشر شيئاً من ذلك! كما ادعى بأنّ المقيم السياسي البريطاني بعدن (كوجلان) كتب للإدارة البريطانية في بومباي في 1859م (كانت عدن حينها تتبع بومباي) بأنّ النفق "أوشك على الانتهاء"!! لكنه لم ينشر صورة للرسالة أو حتى نصها مما يثبت عدم وجودها أو أنّه حرفها لينسب للإنجليز شق النفق! فمن الثابت أنّ وجود النفق قد سبق الاحتلال البريطاني لعدن بمئات السنين، بل أنّ ذكر النفق ورد بالمصادر البريطانية في عام 1850م (ما كتبه البريطاني إف . إم . هنتر وحسبما أشار المؤرخ اليمني الأستاذ أحمد صالح رابضة).ثالثاً : وكي يثبت محيرز أنّ البريطانيين شقوا النفق في خمسينيات القرن 19 ( وبالتالي يكون النفق ممراً حديثاً يستحيل معه أن يكون هو باب عدن المعروف تاريخياً)، فإنّه يقول في كتابه " العقبة " بأنّ بليفير (ضابط ومؤرخ بريطاني عاش في عدن طويلاً عقب الاحتلال البريطاني في 1839م وصدر كتابه "العربية السعيدة" في 1859) كتب عن البرزخ ما يلي :" وفيه ترسانة ومخزن للذخيرة وثُكنات لجزء من الحامية وخزانات كبيرة للماء يجري الآن ربطها عبر نفق آخر بالصهاريج والآبار بالقرب من المدينة وكذا المباني الهامة الأخرى". وقد بحثت عن كتاب بليفير فوجدته مترجماً للعربية (سعيد عبدالخير النوبان وعلي محمد باحشوان 1999م) واكتشفت أنّ محيرز أضاف من عنده عبارة " يجري الآن ربطها عبر نفق "!! وذلك كي ينسب للإنجليز بأنّهم (في وقت صدور كتاب بليفير أي 1859) كانوا يشقون النفق بين البرزخ وعدن (كريتر)!!!فللأسف أنّ تلك هي حقيقة الرجل الذي أشاد به محمد زكريا واصفاً إياه بأنّه "مؤرخ نابغة فذ حقيقي"!! [c1]تلاميذه يبغونها محرفة![/c]كتبت بصحيفة "الثوري" في عددها الصادر يوم (26أبريل الفائت) أول ثلاثيتي حول باب العقبة والجسر والنفق، فأنبرى الأخ زكريا ليهاجمني بصحيفة (14أكتوبر) متجنباً ذكر اسمي ودون أن يتناول شيئاً مما كتبته! وانما هو زعلان فقط لانني انتقدت محيرز! فطالبته في ثانية ثلاثيتي بان يقارعني الحجة بالحجة قائلاً : " فهذه هي الموضوعية" فلم يقارعني.. وبعد نشر ثالثة ثلاثيتي يوم (14يوليو الجاري) والتي لخصت فيها تحريفات محيرز ، كتب زكريا (الإثنين الفائت) يمتدحه حتى ظننته سيؤلهه ! ولم يتطرق لشئ مما كتبته!لقد نبهني اصدقاء بإنني إذا أنتقدت محيرز سيطلع لي (تلاميذه) ليهاجموني فسألت: ومن هم ؟ فقالوا: على رأسهم رجاء باطويل ومحمد زكريا . فقلت بانه لدي حقائق " موثقة " تثبت بانه حرف الوثائق ولذلك سأكتب ولن يستطيع أحد من تلاميذه ان يدحض شيئاً منها فما يستطيعونه هو المناوشة من بعيد واللف والدوران فقط.وبالفعل فبدلاً من ان يقف زكريا مع الحقيقة (خاصة ان لحيته تدل على تدينه والله يطالبنا بان لا نكتم الشهادة) ويعترف بتحريفات محيرز ويرفع يده عنه ، فإنه أبي ودافع عنه بالباطل فلماذا يازكريا ؟ هل هذه هي الموضوعية ؟ وهل هذا من الدين؟ ولماذا ترفض الحقيقة وترحب بتحريفها؟!واستغربت ان الأخت رجاء باطويل لم تنبر لي فظننت انها عندما طالعت ما قدمت من تحريفات محيرز فإنها تفضت يدها عن استاذها احتراماً منها للحقيقة، لكن بعض الظن إثم، فقد طالعت في "الثوري" (الخميس الفائت) مقالة بعنوان " عجبيبة عدن باب العقبة أم النفق؟" بقلمها والأخ علي قاسم عقلان (مقالة مشتركة! وهذه في حد ذاتها عجيبة) وليعذراني على عدم وضع حرف "د" قبل اسمها وحرف "أ" و "د" قبل اسمه مثلما جاء بالمقالة.. فقد أعلنت منذ نحو عامين بصحيفة "الناس" بإنني لن أصف احداً في مقالاتي بلقب "دكتور" بعد ان اصبح معظم من يحملونه في اليمن لا يستحقون هذا اللقب العلمي، وكثير منهم ليسوا جامعيين اصلاً!ومقالتهما طويلة ويعتبرانها مشاركة في تناول ما كتبته أنا ، وقد تحدثا فيها حول كثير من معالم عدن التاريخية . لكن كثيرا ً مما كتباه لا يـُـفهم منه شيئٌ ( ومن لا يصدقني فليقرأ المقال) . وكما يبدو فانهما أرادا ان يصلا للنقطة الجوهرية وهي مدح محيرز، ففجأه يكتبان " وأخيراً لقد كتب الفقيد محيرز عن تاريخ مدينة عدن فأجاد وسعى الى العقبة فأبدع " ! وايضاً " حقاً ان الفقيد محيرز مؤرخ عاشق لمدينة عدن دون منازع "! ومعنى هذا انه الوحيد الذي يحب عدن!وعلى كل حال فلو كان يحب عدن ما قام بتحريف تاريخها وهنا مربط الفرس ‘ فباطويل وعقلان فعلا مثل زكريا فتجاهلا بالمرة موضوع تحريف محيرز للوثائق واخذا يشيدان به!! فالبعض يرفض الحقيقة ويريد ان يظل تاريخ عدن مكتوباً بالمغالطات والتحريفات ويعتبرون من يمارس ذلك " عاشق لعدن ودون منازع "! فأقول للثلاثة: لا والله فلن يُـكتب تاريخ عدن إلا بالحقائق.[c1]والأن جاء الدور عليكم [/c]لقد جاء الدور على باطويل وزكريا وعقلان ليتحملوا المسؤولية أمام القراء، فعليهم ان يعترفوا بتحريف محيرز لما وثقه البريطانيون، او ان يثبتوا أنه لم يقم بذلك وان نجيب قحطان يتجنى عليه.فليتفضلوا، وأي كلام خارج ما طالبناهم به مرفوض، وكما يقال: هذا الفرس وهذا الميدان.
خارطة عدن في القرن الناسع عشر
باب العقبة لحظة تفجيرة في ابريل (1963م)
باب العقبة في بداية القرن العشرين
باب العقبة عشية الاستقلال الوطني