أفكار
لا أظن أن مسألة خارجية سيطرت على الحياة السياسية المصرية في القرنين الماضيين مثلما هو الشأن السوداني, حتى ترددت شعارات كثيرة حول وحدة وادي النيل والبلدين التوأم وعبرت مع مياه النهر مئات الأحداث، وظلت العلاقة ذات طابع موسمي مثل الأمطار التي تسقط على هضبة الحبشة وتفتح مجرى النيل العظيم، عندما وصلتنا الدعوة لتقوم الجمعية المركزية للحفاظ علي البيئة بالمشاركة في حملة ساعة الأرض والتنسيق بين الجهود الرسمية والأهلية بصددها, تصور البعض أنها مجرد تقليعة قد لا تستحق أولوية الجهد والوقت.. وبدراسة الأوراق اقتنعنا واتخذنا قرار المشاركة إيمانا بأهمية تعبئة المواطن للمشاركة في جهود حل مشاكل البيئة وترشيد الاستهلاك والحد من الاستنزاف.قامت الجمعية من خلال مجموعة متميزة من الشباب المتطوع بترجمة الأوراق التي وصلتنا وتوزيعها علي شركاء قاموا بالإسهام في نشر الدعوة.. أذكر من المتطوعين: أمنية الشافعي, نبيلة صلاح, وماجدة ثروت, ومن المشاركين جمعيات البيئة, وشباب مؤسسة سوزان مبارك للسلام, والمنتدي الاقتصادي المصري الذي أجاد إخراج وعرض ما وصلنا من بيانات, وبعض الكتاب المستنيرين, وأعضاء مجلسي الشعب والشوري( ولم نقيم مدي استجابتهم بعد), شركة البراق, شركة ابيركومبي آند كنت, جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآدابMSA التي أثارت صحوة بين الطلبة, ونوادي الروتاري بجهد السيدة لطيفة زكي, جريدة الأهرام, الجامعة الأمريكية, المدرسة الألمانية, البنك الأهلي ومكتبة الإسكندرية.. إلخ.وبرغم أن هذه الحملة أساسا حملة شعبية قوامها الجمعيات الأهلية وتجمعات المواطنين, إلا أنها ـ ولاشك ـ تحتاج إلي مشاركة الأجهزة الرسمية والحكومية. كانت استجابتهم أكثر حماسا وفهما مما توقعنا, سواء بالنسبة لوزارات البيئة, الإعلام التي أظهرت بعدا حضاريا تفوقت به علي المحطات الفضائية والعربية, والثقافة وهيئة الآثار التي جعلت آثارنا العريقة تشارك في الحملة بإطفاء أنوار منطقة الاهرام, وهو أمر أشادت به بعض الجرائد الأجنبية, ومحافظ القاهرة الذي اكتشفنا مدي إلمامه بالقضية.**وقد قامت وزارة الكهرباء ووزيرها ـ الذي يؤمن بحق المواطن في خدمة جيدة ومسئوليته في المشاركة ويسعي لتحقيق الأمرين علي أسس علمية في هدوء وإصرار ـ بدور يستحق الإشادة.. بادر بعقد اجتماع مع وزراء التضامن والسكان والإسكان ومحافظ القاهرة وعدد من المختصين لبحث الوسائل الفعالة للإسهام, ليس فقط كفعل منفرد, وإنما كبداية لتفعيل دور المواطن في الحفاظ علي الموارد بأنواعها.ولا يتسع المجال لسرد وقائع الاجتماع الذي اعتبره علامة فارقة في قضية ترشيد الاستهلاك والتعاون المثمر بين الحكومة والمواطنين, وأكتفي ببعض ما جاء به:- نظرا لأن التجربة جديدة والوقت المتاح محدود, فقد تم الاتفاق على أن ينصب الجهد المركز علي القاهرة, خاصة أن المشاركين مدن قبل أن تكون دولا.- لم يلق المسئولون العبء واللوم على المواطن وحده, بل تعهدوا باتخاذ الإجراءات الضرورية بالنسبة لعشرات من المباني التي يعمل بها مئات المواطنين أغلبهم لا يدرك أهمية مشاركته.- تجاوز النقاش الحملة ليشمل اهتمام الدولة بتوفير الأجهزة صديقة البيئة التي تحمي الموارد, خاصة الطاقة والمياه, وتبين أن وزارة الكهرباء توفر للمواطنين لمبات صديقة للبيئة, يمكن الحصول عليها من فروع شركات توزيع الكهرباء في القاهرة وخارجها, بالتقسيط بضمان18 شهرا.- تكمن أهمية اللمبات صديقة البيئة في أن25 % من طاقة اللمبات المستعملة حاليا إضاءة والباقي حرارة, مما يعني أن استعمالها يقتضي بدوره تشغيل مراوح أو أجهزة التكييف فيتضاعف الاستنزاف وترتفع الفاتورة.- تبين أن استخدام هذه اللمبات أدي إلي خفض فاتورة الإنارة بنسبة تتراوح بين70 و80 %, وهناك أبحاث لتوفير طاقة الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجة والتكييف, وأن للوزارة خطا ساخنا رقم(121) يمكن الاتصال به للتساؤلات والاقتراحات.**نعود للتجربة لنشير لأهدافها التي كانت سبب ما لاقته الحملة من قبول شعبي ورسمي, شملت الأهداف توفير الطاقة, مع توفير النفقات التي يشكو منها المواطن, والتقليل من انبعاث ثاني أكسيد الكربون وزيادة الاحتباس الحراري, الذي أصبحت عواقبه الوخيمة معروفة, تتطلب علاجا جذريا, هذا إلي جانب أنها مظاهرة كونية إنسانية تدعم وحدة الكون والدعوة للسلام, فهي تجمع بين الشعوب علي اختلاف أجناسها وألوانها وجذورها وعقائدها ونظمها وثقافاتها حول قضية تهمهم جميعا, وتهددهم جميعا, ولن يمكن التخفيف من أضرارها إلا بالعمل معا.وسوف تتعدي نتائج هذه الحملة الساعة لتصبح رسالة من الشعوب إلي الحكومات, ذلك أن نتائجها سوف تعرض علي مؤتمر كوبنهاجن المزمع عقده في ديسمبر2009, رسالة تقول للحكومات والقادة إن شعوب العالم معا تطالبهم بالعمل الجاد في تطوير وتفعيل اتفاقيات كيوتو بإصدار بديل أكثر فاعلية تلتزم به جميع الدول بدلا من الخضوع لمن يهدفون إلي جمع الثروات علي حساب توازنات الطبيعة وسلامة الإنسان وأمن البشرية.يصبح السؤال إذن: هل يمكن أن يكون لساعة واحدة تأثير له قيمته؟ نعم- بانكوك وفرت73,34 ميجاوات, أي41,6 طن من حمض ثاني أكسيد الكربون.- تورنتو وفرت900 ميجاوات/ساعة, أي7,8% من استهلاك ليلة من الكهرباء.ومدينة كريست تشورش في نيوزيلندا, التي وفرت13 % من قيمة استهلاك الطاقة في هذه المدة.. دبي خفضت الإضاءة في عديد من الشوارع المهمة بنسبة50 % وأطفئت الأنوار في عدد من المباني والمنشآت الخاصة في ليلة واحدة, وتوفير100 ميجاوات/ساعة من الطاقة, ما يمثل4,2 % من قيمة الاستهلاك العادي لنفس الليلة.في مصر مازلنا في انتظار نتائج الحملة لتقييمها.. كان الالتزام بها أفضل مما توقعنا, مما يشهد للمواطن المصري بالرغبة في الإسهام والمشاركة متي أتيحت له الفرصة.. والأمل أن تقنع المسئولين أنهم لن يحققوا مسئولياتهم وأهداف برامجهم إلا بمعاونة المواطنين, مما يعني ضرورة إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة وإبداء الرأي وأخذ آرائهم مأخذ الجدية.[c1]*عن/صحيفة (الاهرام ) المصرية[/c]