قليلة هي التطورات الإيجابية على الصعيد العربي خلال العام 2006 الذي نودعه هذه الأيام. عام "كبيس سياسياً" بالنسبة إلى العرب. تفاقمت فيه أزماتهم الساخنة في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا والسودان والصومال, فضلاً عن انعكاس تصاعد أزمة البرنامج النووي الإيراني عليهم. وإذا أضفنا إلى ذلك الانسداد السياسي الداخلي في كثير من بلادهم, تكون الصورة أكثر من قاتمة. ومع ذلك لم يخل العام 2006 من أضواء خافتة قليلة في النفق العربي المظلم. ومن بينها الضوء الذي نتج عن حضور المرأة الخليجية في الحياة البرلمانية. فقد شهد هذا العام ثلاثة أحداث ذات طابع ريادي في هذا المجال. وعلى أهمية هذه الأحداث كلها, فقد كان الثاني بينها أكثر تقدماً من الأول, بينما يعتبر ثالثها هو الأهم حتى الآن على مستوى المشاركة السياسية للمرأة الخليجية التي وصلت إلى البرلمان للمرة الأولى عن طريق صناديق الاقتراع, أي عبر الانتخاب وليس التعيين. بدأ العام بتفعيل حق الترشيح والانتخاب الذي حصلت عليه المرأة الكويتية في مايو 2005 بعد طول حرمان. فقد شاركت للمرة الأولى في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في 19 يونيو الماضي. وكانت هذه نقلة نوعية بالرغم من عدم فوز أي من المرشحات. ومع ذلك كانت مشاركتهن نصراً للمرأة الكويتية التي أبلت في هذه الانتخابات بلاء حسناً, بالرغم من صعوبة الظروف التي أحاطت العملية الانتخابية في مجتمع محافظ, فضلاً عن الأثر الذي ترتب على تبكير موعد الانتخابات بسبب احتدام الخلاف على تعديل الدوائر الانتخابية. فكان هذا التبكير مفاجأة للكويتيات الراغبات في الترشح, إذ كن قد جهزن حملاتهن على أساس أن الانتخابات ستجرى في موعدها في عام 2007 . وقد أضعفت هذه المفاجأة فرصهن وجعلت فشلهن في السباق الانتخابي متوقعاً سلفاً. وبالرغم من ذلك, سجلت المرأة الكويتية حضوراً قوياً في أول انتخابات شاركت فيها, وأعطت العملية الانتخابية صورة حضارية, وأضفت عليها طابعاً جديداً لم تعهده الكويت من قبل. وإذا كان البرلمان الكويتي الجديد قد خلا, كالبرلمانات السابقة, من تمثيل نسائي, فقد سجلت البحرين أنها الدولة الخليجية الثانية –بعد قطَر- التي وصلت فيها المرأة إلى عضوية البرلمان من خلال الانتخابات, ولكن بالتزكية وليس عبر التنافس الانتخابي والفوز على منافسين. فثمة فرق كبير بين الترشح والفوز لعدم وجود منافس على نحو يشبه التعيين ولكن بشكل آخر, وبين خوض غمار المعركة الانتخابية والحصول على أصوات أكثر من المرشحين المنافسين. فقد فازت المرشحة لطيفة القعود بمقعدها بالتزكية بعد انسحاب المرشحين أمامها بصورة مفاجئة. ولم يكن فوزها مرجحاً في حالة عدم استمرارهن في ظل ضعف أداء المرشحات عموماً في هذه الانتخابات. فباستثناء اثنتين من بين 17 مرشحة, حصلت إحداهما على 41 في المئة والثانية على 33 في المئة من الأصوات في دائرتيهما, كانت المرشحات الأخريات أقل من مستوى المنافسة. وخسرن كلهن في الجولة الأولى, بخلاف انتخابات 2002 التي وصلت فيها إحدى المرشحات إلى الجولة الثانية وخسرت بفارق أصوات قليلة. وبديهي أن الفوز بمقعد برلماني عبر التنافس هو خطوة أكثر تقدماً في مجال التطور الديمقراطي مقارنة بالحصول عليه بالتزكية. ولذلك تعتبر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في دولة الإمارات في الشهر الأخير من العام هي الأكثر تقدماً من زاوية مشاركة المرأة الخليجية, بالرغم من أنها الأولى من نوعها. أصبحت الدكتورة أمل القبيسي التي فازت في أبوظبي هي المرأة الخليجية الأولى التي تفوز في انتخابات برلمانية. ويكتسب هذا الحدث أهمية تتجاوز دلالاته على خصوصية تجربة التنمية والتحديث في دولة الإمارات مقارنة بالتجارب الخليجية الأخرى. فقد أحدث تغييراً في الصورة الذهنية الشائعة عن موقع المرأة في المجتمعات الخليجية. وبمقتضى هذه الصورة, كان الاعتقاد قوياً في أن المرأة الخليجية يمكن أن تصل إلى عضوية البرلمان -إذا وصلت- من خلال التعيين أو بالتزكية على أكثر تقدير, وليس عبر صناديق الاقتراع. ولذلك كان الحدث الانتخابي الإماراتي هو الأكثر تقدماً, من زاوية مشاركة المرأة وحضورها السياسي, بين الأحداث البرلمانية الخليجية حتى الآن. والأرجح أن يكون هذا الحدث فاتحة لتحول في دور المرأة الخليجية عموماً, وليس فقط في دولة الإمارات, بما سيكون له من انعكاسات على المشهد السياسي في منطقة الخليج. فمن شأن وجود امرأة منتخبة تحت قبة المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات أن يشجع النساء في هذه المنطقة على التطلع إلى مشاركة أقوى في بلادهن, وأن يدفع حكومات دول خليجية أخرى لأن تحذو حذو حكومة الإمارات في إعطاء المرأة المكانة التي تستحقها ليس إنصافاً لها فقط ولكن إدراكاً لصعوبة تحقيق التقدم بدون مشاركة نصف المجتمع. وفي هذه الحالة, يفترض أن تتوسع المشاركة ويزداد تمثيل المرأة في البرلمان, خصوصاً في ظل وجود استعداد لذلك في الأوساط النسائية الخليجية. ففي انتخابات دولة الإمارات, تقدمت 65 امرأة للترشيح من بين 465 مرشحاً, أي بنسبة حوالي 14.25 في المائة, بينما جاء تمثيل المرأة في البرلمان بنسبة 5 في المائة من الأعضاء المنتحبين في المجلس الوطني وعددهم عشرون عضواً. وثمة دلالة أخرى لا تقل أهمية لانتخابات المجلس الوطني في دولة الإمارات, وهي وصول المرأة إلى البرلمان عبر التنافس الانتخابي المفتوح بدون تخصيص حصة معينة "كوتا" لها, في الوقت الذي تتجه دول عربية أخرى لها تجارب طويلة في الانتخابات إلى نظام الحصص لضمان تمثيل المرأة. فتأخذ ثلاث دول الآن بهذا النظام (الأردن وتونس والعراق) من خلال القوانين المعمول بها ويضاف إليها المغرب حيث توافقت الأحزاب في الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2002 على تحديد ثلاثين مقعداً للنساء بدون نص قانوني ملزم. كما تتجه مصر الآن, وهي الدولة العربية الأولى التي عرفت الانتخابات عام 1866, إلى تعديل نظامها الانتخابي لتحديد حصة معينة من المقاعد للمرأة اعتباراً من الانتخابات القادمة التي ستجرى عام 2010. فبعد نحو 140 عاماً كاملة على أول انتخابات, وبعد نصف قرن بالتمام على مشاركة المرأة في الانتخابات للمرة الأولى ترشيحاً وانتخاباً عام 1956, تجد المرأة المصرية صعوبات هائلة في الوصول إلى البرلمان عبر التنافس الانتخابي. ويعني ذلك أن مجتمعات عربية كانت قد قطعت شوطاً طويلاً على طريق التنمية والتحديث الثقافي والاجتماعي تشهد الآن تراجعاً خطيراً يستدعي عملاً جاداً لمواجهته بدلاً من محاولة التحايل عليه عبر نظام "الكوتا". فاللجوء إلى هذا النظام لا يحل معضلة التراجع في دور المرأة ومكانتها, وإنما قد يؤدي إلى تكريسها وربما إلى تفاقمها. ولذلك كان التقرير الأخير عن التنمية الإنسانية العربية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مدهشاً عندما أشاد بقوة بنظام الحصص بدعوى أنه حقق ما أسماه (دمجاً مؤثراً للنساء في البرلمانات في العراق والمغرب والأردن وتونس). وقد أخطأ معدو التقرير عندما وضعوا المغرب في هذا السياق بالرغم من أن تخصيص مقاعد معينة للمرأة حدث نتيجة توافق بين الأحزاب في الانتخابات الأخيرة, وليس بناء على النظام الانتخابي المعمول به. غير أن الخطأ الأهم والأكبر في هذا التقرير, الذي صدر في آخر نوفمبر الماضي, هو إساءة تقدير نظام "الكوتا" النسائية وعدم الانتباه إلى أنه ينطوي على تزييف لواقع التخلف الاجتماعي, وليس على تغيير في هذا الواقع. فهو يعطي انطباعاً بأن معضلة دور المرأة وجدت حلاً, بينما هي تتفاقم فعلياً. كما أن الركون إلى "الكوتا" يضعف النضال من أجل تطور المجتمع ويكرس التخلف الاجتماعي على صعيد قضية المرأة. ففي الوقت الذي تعاد المرأة العراقية إلى العصور الوسطى في ظل سيطرة شيوخ مساجد وعشائر وجماعات متعصبة شيعية وسُنية على معظم المناطق, يعطي نظام "الكوتا" ربع مقاعد البرلمان للمرأة! وإذا كان وضع المرأة في تونس أفضل نسبياً بالتأكيد, فهو لا يمكن أن ينتج تمثيلاً نسائياً يستحوذ على 23 في المائة من مقاعد البرلمان. ولذلك, وفي ظل تراجع دور المرأة في معظم أنحاء العالم العربي, يبدو التقدم الذي حدث في دورها في ثلاث دول خليجية, وخصوصاً في دولة الإمارات, نقطة ضوء في نفق عربي مظلم. [c1] نقلا عن صحيفة (الاتحاد )الإماراتية[/c]
عام المرأة الخليجية
أخبار متعلقة