في ضوء مؤشرات انتقال مراكز القوى الاقتصادية من غرب العالم الى شرقه
عواصم / متابعات:حظيت مؤشرات الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية باهتمام مراكز الابحاث الاستراتيجية خلال الربع الأول من عام 2006 بعد انقضاء النصف الأول من العقد الأول من الألفية الثالثة ، حيث يرى العديد من الباحثين ان ميزان القوى الاقتصادية الكبرى في العالم يشير الى ان الغرب يخسر تدريجيا بعض مواقعه لصالح الشرق، الأمر الذي سيغير مستقبلا ليس فقط موازين القوى الاقتصادية، بل وشكل القوى السياسة وتوزيعها في العالم .في هذا السياق هناك من يرى ان ثمة صعودا لمواقع كل من ماليزيا واندونيسيا وتايلاند وسنغافورة والهند وتايوان والصين وكوريا الجنوبية، على حساب بريطانيا وايطاليا وفرنسا وكندا والمانيا واليونان واسبانيا. وبالمقابل هناك في الغرب كثيرون على دراية في الوقت الحالي بقوة نمو آسيا وتأثيراتها المستقبلية المحتملة، اذ يضم اقتصاد آسيا ما يزيد على 4 مليارات شخص (60 في المائة من سكان العالم) يعيشون في 46 دولة مختلفة. وعمليا تسير "اقتصادات النمور"، مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان والهند وتايلاند وسنغافورة وماليزيا الى الامام. وقد دخلت اندونيسيا وفيتنام والفلبين الطريق المفضي الى النمو المتواصل. فيما تحقق الدول الآسيوية حالياً معدلات نمو يمكن ان تتجاوز معدلات نمو دول غربية كبرى خلال عقود مقبلة. فاقتصاد الصين ينمو بمعدل يزيد على 9 سنويا، والهند بمعدل 8، والدول الأخرى بما يتراوح بين 6 الى 7. اللافت للانتباه ان ستة بلدان ومناطق آسيوية تحتل في هذه الحقبة من تطور الاقتصاد العالمي مواقع متقدمة بين أكبر الاقتصادات الـ25 الأعلى في العالم ، حيث خمسة منها تحقق مكاسب هائلة على حساب الزعماء التقنيين التقليديين من الغرب، وفقا لاتحاد التجارة الدولي ، فيما تحتل كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ مراتب في اعلى 10 دول، متقدمة على كندا واميركا وبريطانيا في التكنولوجيا المتقدمة للاتصالات والكومبيوترات. وقد اظهر الاقتصاد العالمي في العامين الماضيين، انه على الرغم من أزمة النفط والتحديات الاقتصادية الأخرى، فان البلدان الآسيوية والاقتصادات المتطورة الأخرى ظلت تتمتع "بمرونة عالية". ويحصل الناس على مداخيل تضاعفت خلال السنوات الثلاث الماضية. خلال ربع القرن الأخير كانت الاقتصادات الآسيوية مسؤولة عما يزيد عن 30 من النمو العالمي. وبالمقارنة فان اميركا شكلت حوالي 20من النمو وأوروبا 13. غير ان خطرا محتملا آخر يشكله اقتصاد آسيا على بقية اقتصادات العالم، يتمثل في التراكم المتزايد لاحتياطي العملة الصعبة. فالدول التي لديها اكبر الاحتياطيات من العملة الأجنبية، تقع كلها في آسيا، حتى مارس 2005، كان لدى اليابان (838 مليار دولار) والصين (659 مليار دولار) وهونغ كونغ (122 مليار دولار) وتايوان (251 مليار دولار) وسنغافورة (119 مليار دولار) وكوريا الجنوبية (205 مليارات دولار) والهند (141 مليار دولار)، وهذا يعني، على نحو متزايد، ان قابلية اليورو والدولار الأميركي والجنيه الاسترليني على التبادل تتأثر الى حد كبير بالبنوك المركزية الآسيوية. من جانبه حذر البنك المركزي الأوروبي، من ان زيادة اضافية في احتياطي العملات الصعبة في آسيا يمكن ان تؤدي الى حدوث مشاكل، مثل ضغوط التضخم وفورات أسعار الأصول والاستثمار المفرط وتعقيدات في ادارة السياسة النقدية. وكان معدل نمو اقتصاد كوريا الجنوبية خلال 35 سنة الماضية ممتازا، اذ كان متوسط الناتج القومي للفرد الواحد لا يزيد على 100 دولار عام 1963، الا انه بلغ عام 2005 نحو 22 الف دولار. ويعتمد اقتصادها، بصفة خاصة، على صادرات البضائع المكتملة، مثل الالكترونيات والنسيج والسفن والسيارات والصلب. كما نجحت تايوان ايضا في تحويل نفسها من دولة زراعية نامية الى قوة اقتصادية تقود الدول المنتجة للبضائع التكنولوجية. كما انها مستثمر اجنبي رئيسي في آسيا.وفي الاتجاه نفسه استعاد اقتصاد هونغ كونغ نشاطه، فقد زاد اجمالي الناتج المحلي بنسبة 8.1. والمكونات الرئيسية لاقتصاد هونغ كونغ المعتمد على الخدمات، هي الشحن والطيران ا لمدني والسياحة وعديد من الخدمات المالية. اما اقتصاد سنغافورة فهو اقتصاد ناجح ومتطور، ويتمتع ببيئة خالية من الفساد واسعار مستقرة ، ويعد واحداً من اعلى متوسطات الناتج المحلي في العالم. وقد لعبت البنية الاساسية والعمالة الماهرة، التي ترجع الى نجاح نظام التعليم في تخريج هذا الطراز من العمالة الماهرة، دورا رئيسيا في هذا المجال. ومن المتوقع ان يصل حجم اقتصاد الصين الى ضعف حجم الاقتصاد الالماني بحلول عام 2010، وان يتعدى اقتصاد اليابان، وهو الان ثاني اكبر اقتصاد في العالم، بحلول عام 2020. واذا استمر معدل نمو اقتصاد الهند بنسبة 7 لمدة 50 سنة، كما يتوقع العديد من المحللين الاقتصاديين، فسيساوي او يتعدى اقتصاد الصين انذاك. كما ينمو اقتصاد اندونيسيا بنسبة 6، وهو ان واصل على هذا المنوال سيتعدى بريطانيا. يعتقد البعض انه بعد الصين ستصبح الهند قصة النجاح التالية في اسيا. فمع العدد الكبير من المتعلمين والمتحدثين بالانجليزية والمرتبات المنخفضة، فإن الهند تستفيد من تحرير التجارة العالمية في مجال الخدمات. وتجدر الاشارة الى ان تأثير اسيا على حياة الناس اكبر بكثير مما يتصور البعض، فمعظم اجهزة التلفزيون والـ"دي في دي" والاحذية والمايكروويف وملابس دور الازياء واجهزة الستريو في السيارات تأتي من اسيا، وسيارات تويوتا ونيسان وهوندا تصنع في اليابان، وشرائح المعالجات التي تمثل عقل البضائع التكنولوجية في الصين تأتي من تايوان وكوريا الجنوبية. كما ان الهند والفلبين هما البلدان اللذان يستضيفان مراكز الخدمات الهاتفية للكثير من الشركات الأميركية، مثل "ديل" و"يونايتد أيرلاين" و"جي إي" و"مايكروسوفت" و" أميركان أكسبريس" و"سيتي بنك" وغيرها، بل حتى بالنسبة لخدمات الضرائب، إذ يمكن أن يقوم بها محاسب هندي بدون أن نعرف ذلك. ما من شك في ان الرد على الصعود الآسيوي اصبح واحدا من المشاكل التي تواجه اميركا. فآسيا أصبحت تدريجيا تأخذ أقساما أميركية في مجالات عدة، مثل النقل والصناعة والتجارة. ومع امتلاك الجزء الأكبر من الثروة والسندات المالية الأميركية، أصبحت اليابان والصين عمودين أساسيين للاقتصاد الأميركي. ومثلما هو تأثير ذلك على اميركا فإن صعود آسيا له تأثير على أوروبا في عدد من الجوانب السلبية. اذ يبلغ معدل البطالة في الغرب حوالي 9، وخلال السنوات العشر المقبلة من المتوقع أن تفقد أوروبا أكثر من مليون وظيفة لصالح آسيا. أما التصنيع وخدمات الصيانة فإنها ستتحول إلى الصين والهند وبلدان آسيوية أخرى. مما له دلالة ان اقتصاد كل من فرنسا وألمانيا واليونان وبريطانيا يعاني من تباطؤ حاد في النمو، حيث بلغت نسبة البطالة في فرنسا وألمانيا حوالي 9.5 و9.2على التوالي، وهاتان النسبتان في تزايد، كما هبط الاقتصاد في فرنسا والمانيا بما يقرب من 2 من إجمالي الانتاج المحلي، بينما زاد الاقتصاد الأميركي بمعدل 4.1 سنويا، وهو أكثر من معدل الزيادة في كلا البلدين فرنسا وألمانيا معا. ومغزى هبوط اقتصاد اليونان التي تحتل الموقع 46 في هذه السنة، مقارنة بالموقع 37 في السنة الماضية، هو أنها تشترك مع إيطاليا التي تحتل الموقع 46، باعتبارهما أقل البلدان التابعة للاتحاد الأوروبي البالغ عدد أعضائه 25 بلدا، في معدلات النمو. اما الاقتصاد البريطاني فقد شهد نموا قدره 0.4 خلال الفترة من يوليو (تموز) الى سبتمبر (ايلول) مقاربة بـ0.5 بالمائة خلال الشهور الثلاثة السابقة.المثير للدهشة ان البلدان الاسكندنافية تحتل وضعا متميزا ضمن أعلى اقتصاد لعشرة بلدان في العالم مع فنلندا التي تحتل الموقع الأول والسويد حيث تحتل الموقع الثالث والدنمارك التي تحتل الموقع الرابع، بينما تحتل أيسلندا الموقع السابع والنرويج الموقع التاسع. وطبقا لتقرير من مجموعة "برايسووترهاوسكوبرز" الاقتصادية، فإنه بنهاية عام 2050 سيكون اقتصاد الصين وروسيا والهند والبرازيل والمكسيك واندونيسيا وتركيا اكبر بنسبة 25 من اقتصاد دول مجموعة السبع الكبار، وربما اكبر بـ75 اعتمادا على القياس الذي استخدم لمعرفة حجم الاقتصاد. وقال جون هوكسوورث، كبير الخبراء الاقتصاديين في "برايسووترهاوسكوبرز"، سيكون اقتصاد الهند الأسرع نموا في ظل النسبة الكبيرة التي يشكلها الشباب من جملة عدد السكان، وربما يكون بحجم اقتصاد الولايات المتحدة بنهاية منتصف القرن الجاري. كما تشير التوقعات الى تواصل تراجع الأداء الاقتصادي لبريطانيا.ويبقى القول ان تفوق الصين واحتلالها رابع اكبر اقتصاد في العالم (بمعدلات السوق) سوف يؤديان بالضرورة الى ان تحتل بريطانيا مرتبة تلي الهند والبرازيل واندونيسيا والمكسيك في سلم الاقتصاديات العالمية. وطبقا لهذه التوقعات، يجب على العالم من الان ان يعتاد على فكرة ان النظام العالمى بشقه السياسي سيتأثر بالتغييرات في شقه الاقتصادي.