أضواء
من المؤلم على نفس الحرّ أن يرى عظيماً مهاباً لم يستطع أن يدرك متغيرات زمانه فجلس يقتات على أمجاده القديمة فيبذلها الواحدة تلو الأخرى في أمور هامشية تضيع أمجاده وتذهب بمهابته، وتصرفه عما يدخر له من التصدي لعظائم الأمور. تاريخ السلفية السعودية تاريخ مجيد عظيم لا ينكر مجده وفضله إلا مكابر أو جاحد. فبالخطاب السلفي جددت عقيدة لا إله إلا الله صافية نقية كما جاء بها المصطفى عليه السلام، وبها اُستعين على إرساء الأمن وتوحيد البلاد، وبفضلها استطاعت البلاد بعد ذلك أن تنأى بنفسها بعيداً عن التيارات القومية والشيوعية والمذهبية التي كانت موضة أواسط القرن الماضي. وجاءت النهضة المعاصرة وتوقف الخطاب السلفي عن العطاء المثمر الذي كان كالبحر في الأيام الخوالي وما ذاك إلا لأنه تخلى عن جوهر قوته الكامنة في مقدرته على التجديد والتغيير. فيا ويح الخطاب السلفي، إذ لم يعد مجدداً، ما عاد يستطع أن يجد له عملاً عظيماً يليق بأمجاده الماضية بعد اختفاء مظاهر الشرك وبعد استقرار الأمور وبعد أن زالت صرعات الأيديولوجيات والقوميات وهيمنت مكانها الأيديولوجية الإنسانية. مشكلة الخطاب السلفي أنه لم يستطع أن يفهم أن الثلاثين عاماً المنصرمة قد حدث فيها من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما لم يحدث مثله خلال آلاف من السنين المنصرمة مجتمعة، اللهم إلا بعثة الرسل عليهم السلام. الخطاب السلفي اليوم يعيش بمفاهيم واستراتيجيات سلفه الذي سبقه بقرن من الزمان، ولذا يقتتل الصوماليون وتتكالب عليهم الأمم، ولذا فشلت الطالبان، مساكين الطالبان - كما وصفهم ابن لادن بعد أن ورطهم - طبقت السلفية بصورتها القديمة هي والإسلاميون في الصومال فكانت عليهم وعلى أوطانهم دماراً وخراباً. وليس تغير الزمان فقط هو الأمر الوحيد الذي لم يستطع الخطاب السلفي إدراك تأثير معطياته على نتائجه في العصر الحديث، بل إن الخطاب السلفي لم يستطع أيضاً أن ينتقل بأهدافه واستراتيجياته إلى ما يتناسب مع الفترة الحالية.فهو ما زال يطبق نفس الاستراتيجيات التي استخدمها الأولون في فترة التأسيس والتي كانت ذات هدف معين واضح وهو العقيدة والأمان وتوحيد الكلمة وإستراتيجية استخدام الشدة متى تطلب الأمر ذلك، مع غض النظر آنذاك عن تجاوزات بعض منتسبي الخطاب السلفي في أمور هامشية. وأما اليوم فنحن نعيش فترة بناء اقتصادي واجتماعي وإعلامي وحقوقي لا تصلح فيه وسائل واستراتيجيات الخطاب السلفي في فترة التأسيس. فهلا يستدرك الخطاب السلفي نفسه ويعيد أمجاده القديمة فيضع لنفسه اليوم أهدافاً جديدة عظيمة -بدلاً من مشاكسة المرأة- كفك القيود والأغلال عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية ويعمل على تحقيقها بعد أن أنجز أسلافنا أهدافهم العظيمة التي وضعوها. عندما تنعدم الحجة الشرعية والعقلية عند الخطاب السلفي في معارضته لحقوق المرأة في السياقة والعمل، تجده دائماً ما يُضيع المسألة بأن ذلك من الأمور الهامشية وأن هناك أموراً أهم. وهذا القول كان الأولى به هم لا غيرهم. فهم من ترك أمور الأمة العظام وأمور الاقتصاد والحياة الاجتماعية ومظالم المرأة في القضاء والنكاح وتخلوا عن أمجادهم في حفظ العقيدة وتوحيد الصف إلى مطاردة المرأة ومشاكستها في حقوقها الأساسية كالعمل وقيادة السيارة. إن مما سكت عنه، أن الخطاب السلفي الحالي هو المسؤول عن تدني مستوى الأخلاق في تعامل المجتمع مع المرأة، فلولا تصويره للمرأة العاملة أو التي تقود سيارتها بأنها امرأة لا خلاق لها لما تسلط عليها السفهاء والدشير من شبابنا وشيبنا على حد سواء. [c1]*عن/ صحيفة (الجزيرة) السعودية[/c]