مع الأحداث
أعادت ثورة العلم والمعرفة والاتصالات تعريف العالم وأحدثت تغييرات في المفاهيم قبل الاشكال ولا أكاد أرى مفهوما لم يعتره التحول والتغيير بسبب هذه الزلزلة الكونية.واذا كانت مصطلحات، مثل مجرد وملموس وافتراضي تجد لها معنى محددا في الخريطةالدلالية للكتابة والتفكير فيما سبق هذه الثورة فالأمر لم يعد مثلما كان قبلها.ففكرة او عقيدة سياسية واجتماعية مثل القومية العربية كان يسهل الحوار حولها من مداخل الجغرافيا المشتركة والتاريخ المشترك والمصير الخ، كنها الآن بعد الانهيارات الهائلة والتفكك الذي اصاب مراكز انتاج الايديولوجيا والقناعات الكبرى في العالم . اصبح الناس يحتاجون لاعادة النظر في مفاهيم الجغرافيا والتاريخ لأن ايديولوجيا «العبور» المهيمنة صارت هي المدخل الاوسع لاستيعاب التغييرات في البناء الجيوبوليتيكي للفضاءات السياسية والاجتماعية والثقافية.فثمة شركات ونظم وخطابات عابرة للأمم والقوميات والثقافات صارت أكبر أثرا وأعمق تأثيرا من كل الاحتمالات والاماني والخطط التي صاغها الفكر القومي العربي في اقانيمه الثلاث الشهيرة الوحدة والحرية والاشتراكية.ومعادلات السوق وانتاج السلع وإدارتها ودورة رأس المال صارت مركزا جديدا لادارة المنفعة على سبيل المثال. وليس الضرورة التي يمليها تكامل القدرات والموارد حسب المانفستو القومي. واذا كان الانسان هو مركز ووسيلة وغاية التنمية، يكفي فقط انه لم يعد احد ممن يملك رأس مال ضخمًا يغامر بشكل رومانسي بتشغيل الايدي العاملة العربية والصبر على ضعف كفاءتها والانتظار حتى تصبح ايدي عاملة كفؤة لادارة مصالحه ، بل يمضي رأسا الى آسيا ويستجلب ايدي عاملة مدربة وقادرة على التعامل مع المعطى التكنولوجي في الانتاج وهو منطق ينتمي الى السوق وقوانينه وليس الى الاماني او التطلعات الوطنية او القومية. هذا القانون الجديد حول ما كان ملموسا وضروريا مثل وحدة الموارد العربية وتكاملها الى شيء افتراضي ، بينما ما كان افتراضيا في السابق عبور المصالح ورؤوس الاموال للحدود والامم والتكوينات والقوميات صار ملموسا وحقيقيا وفاعلا.مما لا شك فيه ان ثورة الاتصالات ألغت الحدود في دلالتها الجغرافية ، لكنها لم تساو كل مدن العالم وأصقاعه في الاهمية، فلندن ظلت لندن وفرانكفورت ظلت كما هي ومدن الفقر والبؤس ظلت كما هي بائسة وفقيرة وغير مؤثرة.ويبدو ذلك واضحا في ان مفاهيم مثل الاقرب والابعد والممكن وغير الممكن خضعت هي ايضا لهذه الزلزلة المفاهيمية، فالحدود المشتركة بين بريطانيا ودول اوروبا والمصالح والمصير المشترك الذي كان الاساس الذي صاغ على اساسه عرابو الدستور الاوروبي تحول الى حلم بعيد المنال يكافح الرؤساء للحفاظ على جذوته بينما عبرت بريطانيا بثقلها الى الولايات المتحدة لتصوغ مانفستو جديدا لطموحاتها ومصالحها مما كان يعتبر افتراضيا.ويبدو ان حقائق بيل غيتس الافتراضية فقط هي القادرة على الصمود والفعل والتأثير.[c1]*صحيفة ( الوطن ) القطرية[/c]