يقول المثل الشعبي : الذي يتغدى بالكذب ما يتعشى به.
أخاطب بهذا المثل الصديق الدكتور عبد الرحمن الوالي. وزيادة في الحرص، فإنني سأخاطبك مباشرة، وبلغة لا تجاري إساءاتك المتكررة، وأبدأ بأن أنصحك بالبحث عن موضوعات محترمة لمناقشة الخلاف السياسي مع الآخرين، بدلاً من هذا السقوط المستمر في مستنقع إدمان الخصومة الذي يورث الحماقة والخفة في الاساءة والتشهير .
لماذ يدمن السياسي الخصومة ؟! لا يدمن الخصومة الا المفلس، الذي يفتقر الى الحجة، فيلجأ إلى الخصومة مستعيناً بأدواتها، لكنني اترك جانباً من الاجابة لك صديقي الدكتور.
ولكي تكون إجابتك صادقة مع نفسك قبل أي شيء آخر، أريد فقط أن أذكرك بالنقاش الذي دار بيني وبينك بعد يوم واحد من انتهاء اجتماعات دورة اللجنة المركزية التي عقدت في عدن عام ٢٠٠٩، والتي حرضت ضد انعقادها في عدن، بحجة أن الحزب مخطوف من الشماليين، لتعرف حقيقة أن مشكلتك هي مع نفسك لا مع غيرك. والذين يعانون من مشكلة كتلك هم أكثر الناس حاجة إلى الشفقة، لذلك، رغم كل إساءاتك، فإني أشفق عليك، واتمنى أن تجد لها حلاً قبل "القضية الجنوبية" التي حولتها من قضية سياسية الى "باكورة صومالي" في معاركك الشخصية التي لا تنتهي.
دكتور.. لم تعد تعني لي شيئاً التلفيقات التي تحشو بها منشوراتك المتكررة عن موقف ياسين من القضية الجنوبية ومن استقلال الجنوب، لأنني أعرف أن هذه القضية لا تعني لك أكثر من كونها مجرد أداة في معاركك الشخصية، وأنك تتعمد أن تحط من قيمتها بتوظيفها مثل هذا التوظيف المبتذل، وأنها ليست سوى مساومة في سوق المبادلات السياسية التي انتجت ثقافتها الخاصة فيما تعكسه كتاباتك من أحكام واتهامات وتحريض.
لكنني، وبدافع يخلو من كل اساءة، أريد فقط أن أساعدك لتعود الى آخر منشور لك، والذي وصفته بأنه شهادة، لتقارن بينه وبين النقاش الذي دار بيني وبينك بعد دورة اللجنة المركزية، وتعرف ما هي طبيعة مشكلتك مع نفسك والمتمثلة في إدمان الخصومة مع كل تجلياتها التي تنتهي بالانسان إلى مواجهة مع نفسه !!
عموما، وكي لا أطيل، تذكر أنك اتصلت بي يومها تلفونياً وقلت بالحرف الواحد إنك اطلعت على بيان اللجنة المركزية المنشور في جريدة الأيام، وقلت إنه بيان طيب وشامل، وأنك لم تشارك في الدورة كما يجب، لأنك كنت قد اعلنت الدعوة قبل ذلك لتشكيل حزب جنوبي.
كان ردي هو أن أبواب الحزب مفتوحة لكل الآراء ، وأن مؤتمر الحزب هو المعني بتقرير نهجه السياسي، لا أمينه العام، ولا قياداته ولا أي جماعة فيه، وأن الخلاف السياسي يضع الجميع أمام مسئولية الالتزام بثقافة إدارته سياسياً، بعيداً عن لغة التهديد بالانقسامات، أو لغة التحريض والتشهير.
قلت لك في حديثي يومذاك إن النقاشات داخل الحزب لا تتوقف حول الوصول إلى فهم مشترك للقضية الجنوبية. كان هناك من يريد أن يعيد القضية إلى جذر سياسي يتعارض مع التاريخ السياسي للحزب الاشتراكي ونضالات وتضحيات مناضليه. وآخر يرى أن هذه القضية العادلة يجب أن لا تتحول إلى قضية لادانة الحزب وتاريخه السياسي والنضالي، وأنه في ذلك الوضع الذي وجد فيه نفسه مكشوفاً على احتمالات التمزيق، التي استهدفته ككيان سياسي، فإنه لا يجوز أن يوظف الآخرون القضية الجنوبية في هذا الاتجاه خدمة لأغراض سياسية مشبوهة، هدفها تبرير الحرب وإخراجه نهائياً من المعادلة السياسية ولكن باسم القضية الجنوبية، التي حملها طوال حياته السياسية، وغدت مكوناً أساسياً في ميراثه السياسي. على هذا النحو جرى توجيه بوصلة القضية من مراكز كانت تحرك الامور نحو نهايات تنبه لها الحزب وقاومها، وكان لا بد من تحاشي تحويلها إلى مواجهة حزبية داخلية على أساس شمال وجنوب. ومن موقعي كأمين عام للحزب حرصت على تنزيه القضية من هذا التوظيف الفاسد، كما أكدنا في مسار العمل السياسي والثقافي أن هذه القضية ليست معركة الجنوب مع الشمال، وأنه لا يجب أن توظفها القوى المنتصرة في الحرب لإنهاك الحزب بصراعات تضعه خارج تاريخه، كما أنه لا يجب أن تحملها ثقافة انعزالية أو عنصرية تضع الحزب كخصم لتاريخه وتضحيات مناضليه من كل أقاصي وأطراف اليمن. وجاء بيان اللجنة المركزية متفقاً مع هذه التوجهات التي تمسكت بمشروعية القضية الجنوبية، كقضية مركزية للحزب، وبمفهوم ينزهها عن كل ما يسيء إلى نضالات الحركة الوطنية اليمنية.
ثم واصلتم الحديث بالقول:
-مشكلتنا معكم هي الشماليين، حوشي واليمننة. رددت عليك:
-هذا هو الحزب الاشتراكي اليمني، وهؤلاء الذين تطلق عليهم "شماليين" هم مناضلون وطنيون أكثر مني ومنك، جاءوا من أحزاب وطنية مناضلة وتضحيات جسيمة هي مصدر فخر الاشتراكي وأحد دعائمه الاساسية.
-هؤلاء ضد القضية الجنوبية !
-أنا كأمين عام للحزب أستطيع التأكيد بكل ثقة أنه لا يوجد أحد ضد القضية الجنوبية، عدا أولئك الذين يتاجرون بها، ويساومون بها تاريخ الحزب الاشتراكي وتضحيات مناضليه.
-ايش تقصد؟
-أقصد أن الحزب الاشتراكي لا يفصل القضية الجنوبية عن تاريخه السياسي، وهي في قلب تاريخه الكفاحي، وتخليه عنها هو انتحار له، وسيدافع عنها استناداً إلى تاريخه لا إلى تاريخ غيره من القوى السياسية، واستناداً إلى برنامجه لا إلى برامج غيره، وبالاعتماد على احترام تضحيات مناضليه لا إلى التنكر لهذه التضحيات. وإذا كان هناك من حاجة لإجراء بعض الاصلاحات فلتكن في السياق الذي يحفظ تاريخ هذا الحزب، لا أن تذهب الى المدى الذي تضعه في موضع المتهم والمدان، كما يريد البعض.
-من الذي تاجر بالقضية الجنوبية؟!
-هم الذين يريدون أن يضعوها في مواجهة مع الحزب الاشتراكي وتاريخه بهدف إدانته لصالح مشاريع أخرى.
-تقصد الرابطة؟!
-ايش الذي وداك عند الرابطة، الرابطة حزب يحترم تاريخه، سواء اتفقت معه أو اختلفت، ما عليك إلا أن تحترمه من هذا المنطلق الذي ينسجم فيه مع تاريخه. المشكلة في أولئك الذين يتحينون الفرصة للمساومة بحزبهم مستخدمين غبار الحروب لحياكة مظلات باراشوت للقفز إلى شواطئ آمنة. وبعدين ليش ما تشوف القوى الأخرى التي جعلت من القضية الجنوبية حصان طروادة لتدير معاركها مع الحزب بواسطة اشعال المعارك الداخلية. عموماً الحزب الاشتراكي، رغم كل الظروف، لم يتخل عن القضية، وتمسك بها في قلب مشروعه السياسي ( هذا ما حدث في كل المحطات السياسية بعد ذلك، بما في ذلك، مؤتمر الحوار الوطني والكونفرنس الحزبي عام ٢٠١٤ ).
انهيتَ الحديث بعد ذلك بالقول:
-الفجوة بيننا كبيرة !!، قلت:
-يمكننا أن نملأها بالحوار، مع مراقبة المتغيرات على الصعيد السياسي، فالقضية السياسية لا تستطيع عزلها عن المتغيرات المحيطة بها، وقوتها لا تكمن في توظيفها الغلط في صراع محسوب بحسابات لا صلة لها بجوهر القضية.
لكنك، للأسف، قررت أن تملأ هذه الفجوة، التي تحدثت عنها يومذاك، بضجيج التحريض والتشهير، وأخيرا إطلاق شهادات الزور، ومواصلة الركوب على القضية الجنوبية، وتوظيفها في أسوأ استخدام تعرضت له قضية سياسية.