صباح الخير
- كثيراً ما تتجه أصابع الاتهام إلى المربين ، عندما تضيق بالمجتمع السبل، وتتكاثر عليه الهموم والمشكلات ، حتى بالنسبة لبعض المشكلات والظواهر ذات الطبيعة المادية. - ومن العجيب حقا أن نرى بعض المؤسسات تشكو من ضعف العاملين فيها وهم من خريجي الجامعات اليمنية الجدد، ما يجعلها توجه أصبع الاتهام إلى الجامعة، لأنها لم تحسن إعداد (الكوادر) الفنية القادرة على الإنتاج والخدمة، فيبحث المختصون في الجامعة عن الأسباب ، فإذا بهم - غالباً - يقذفون بالكرة إلى المدرسة بادعاء أن الجامعة تتلقى نوعيات من الطلاب الذين أسيء توجيههم وإعدادهم في المدرسة، بحيث يصبح صعبا عليها أن تحسن تشكيلهم وإعادة تكوينهم ، فكأننا - داخل النظام التربوي نفسه - يحاول كل قطاع أن ينفي عن نفسه التهمة، لتستقر في شبكة المدرسة. - والذي نود قوله هنا أننا نظلم التربية كثيراً، عندما نتصور أنها وحدها القادرة بالفعل على مواجهة ما يعانيه المجتمع من مشكلات وآفات ، وما يمر به من أزمات ، وذلك للأسباب الآتية:-1 إن التربية أولاً ليست مسؤولية المؤسسات التعليمية المختلفة ، مثل المدارس والمعاهد والجامعات وما يتصل بها من مراكز وفروع، ما يطلق عليه (التربية المدرسية) ، ذلك أن سلوك المواطنين يخضع لمؤثرات عديدة، وإذا شبهناه بجهاز استقبال، فإن هناك عشرات من أجهزة الإرسال تعمل عليه، تأتي في مقدمتها أجهزة الإعلام الحديثة من تلفاز وقنوات فضائية وإذاعة وصحف ومجلات وشبكة إنترنت عالمية وبريد إلكتروني وهناك السينما والمسرح والأندية ودور العبادة والأحزاب العديدة. -2 يتناول فعل التربية جوانب ثلاثة في صياغة وتشكيل الإنسان: جانب معرفي ، وجانب مهاري، وجانب وجداني ، فالأول يتمثل في جملة الحقائق والمعلومات التي تحتويها قطاعات المعرفة المختلفة مثل التاريخ والجغرافيا والتربية الإسلامية والعلوم الطبيعية والكيميائية وهكذا، والثاني يتعلق بالأساليب والوسائل المتمثلة في مهارات القراءة والكتابة واللغة، وعديد من المهارات العملية المختلفة، والثالث يتصل بالقيم والاتجاهات. - وإذا كانت المؤسسات التعليمية تستطيع أن تفعل الكثير في الجانبين الأول والثاني ، فإن جهدها متواضع بالنسبة للجانب الثالث ، وهو أخطر الجوانب، فهو الذي يشكل الدوافع والغايات وأساليب العمل واتجاهاته، صحيح أن الجمهرة الكبرى من المربين تعي تماما ضرورة التكامل بين هذه الجوانب الثلاثة ، إلا أن المستوى التطبيقي ينبئ عن جهد متواضع في المجال الثالث ، خاصة أن الجانبين الأول والثاني يستهلكان معظم الجهد. -3 إذا التربية ماهي إلا نظام ضمن منظومة ضخمة في المجتمع، تضم عدداً من النظم الأخرى، مثل النظام الاقتصادي، والنظام السياسي، والنظام الاجتماعي ، والنظام الثقافي .. وهكذا يتأثر الفرد بها ويعمل من خلالها ، بل إنها هي التي تفرض أحيانا المعطيات التي يتعامل بها ومعها، فالنظام السياسي عادة يضع الأهداف ، ويرسم الفلسفة التي تشكل المناهج التعليمية في المدارس والمعاهد لتحقيقها، والنظام الاقتصادي يحدد مقادير الميزانيات وأوجه الإنفاق ، ما يلعب دوراً أساسياً في تحديد حجم العمل التربوي، والنظام الاجتماعي هو الذي يعزز الأولاد والبنين وحجم المادة الرئيسية التي يعمل عليها النظام التربوي ، ومن الخطأ الظن أنهم يأتون إلى المدرسة وهم (صفحة بيضاء) فهم عادة يجيئون بعد السنوات الست الأولى من العمر، تلك التي يكتسب الإنسان فيها عادة البذور الأساسية لكثير من جوانب شخصيته. - نقول هذا ونحن بالطبع على وعي بأن النظام التربوي نفسه يعود فيؤثر في هذه النظم، كأن يمد النظام الاقتصادي بالكوادر الفنية المختلفة.. وهكذا إلا أن هذا لاينفي المقولة الأساسية التي نذهب إليها، وهي أن هذه الوضعية تجعلنا ننظر إلى النظام التربوي كمجموعة عازفين على نوع معين من الآلات في فريق موسيقي، فلا قيمة ولا فاعلية حقيقية له إذا لم يكن هناك تنسيق عام. - وهكذا نجد أننا نظلم النظام التربوي كثيراً، عندما نبالغ ونلقي على أكتافه العديد من المسؤوليات التي تشترك معه نظم أخرى في تحملها، حتى إذا فشل أنهلنا عليه بسياط النقد.
