إعداد/محرر الصفحةتبدأ حياة الفرد في بيت أسرته , و هذه الفترة هي التي تشكل حياته فيما بعد و تحدد ملامح شخصيته , والأمر الطبيعي أن يكون هذا المحيط الأسري مصدرا للدفء و الراحة و الحنان لهذا الطفل , فيكون الأب مسؤولا و محبا لأبنائه , و يكون مثلا أعلى يحتذى به , و كذلك الأم تشعر أبناءها بالدفء و الحب و الحنان فهذا هو السلوك الطبيعي لأي أسرة سوية .و لكن للأسف ليس هذا هو الحال في معظم البيوت الآن ، فهناك آباء يضربون أبناءهم بسبب أو بدون سبب ،و يعللون هذا التصرف بأنهم يقصدون تربيته و هنا تبدأ الكارثة , فنفسية الطفل التي تبدأ في التشكل في سن صغيرة تتأثر تأثرا بالغا بالضرب أو الإهانة سواء من الأبوين أو ولي الأمر أيا كان .بعض الآباء يدعون أن ضربهم غير مبرح و بالتالي لن يتأثر الأبناء لأن هذا الضرب «الخفيف» يكون بمثابة توبيخ حتى يعرف الطفل خطأه و لا يكرره مرة أخرى , و هذا خطأ آخر.
[c1]الفرق بين التربية و العنف[/c]الحقيقة أنه حين يتعرض الطفل للضرب و الإهانة يشعر بالخوف الشديد , لأن أبويه لم يلجآ إلى مناقشته أو تعريفه بما ارتكبه من خطأ بطريقة هادئة مفيدة , لكنهم لجؤوا إلى العنف فضرب الطفل بحجة «تربيته» , يشعره بخوف شديد قبل الضرب و هو يرى أباه أو أمه مقبلين على ضربه , أو في أثناء الضرب إذ يشعر بألم شديد ويختبئ في مكان ما ( تحت السرير و في الدولاب أو في الحمام) وبعد الضرب حين يبكي في سريره قبل النوم , هنا بدأ الخوف والشعور بالذنب يتكون لدى الطفل , و ها هو قد بدأ يتعلم درسا مهما للغاية ألا و هو ( عدم إخبار بابا أو ماما ثانية بما فعلت أو قلت حتى لا يتم ضربي إذا لم يعجبهما ذلك ). هذا هو رجل - أو امرأة المستقبل , غير صادق , جبان , فاقد الثقة بنفسه .الواقع أن دافع الأم و الأب أثناء ضرب الطفل غالبا لا يكون خوفهم عليه أو على أخلاقه أو لإصلاح سلوكه كما يدعيان، و لكن الدافع لذلك هو الغضب الشديد و الانفعال غير المروض الذي قد يدفعهم لفعل أي شيء , فيضربان طفلهما بغيظ و في أثناء الضرب يتم سبه بكلمات نابية يسمعها الطفل ربما لأول مرة في حياته , وبذلك يكون قد تعلم دروساً جديدة في محيط هذه الأسرة ألا و هي السب و العنف و عدم كظم الغيظ .[c1]دراسات وأدلة[/c]ذكرت دراسة صدرت في الولايات المتحدة أن العقاب الجسدي ضد الأولاد يدفعهم إلى الكذب ومعاداة المجتمع وانه كلما زاد العقاب الجسدي على الصغار زاد نفورهم من المجتمع وزاد كذبهم. ويشير البحث الذي نشرته مجلة طب الأطفال والشبيبة التي تصدرها منظمة الأطباء الأمريكية إلى أن الأفكار التي يحملها البعض من أن الضرب على قفا الصغير شيء مقبول ولا يؤثر مثلما يؤثر الصفع أو الضرب على أعضاء أخرى من الجسم على الأطفال هي أفكار غير صحيحة. وأوضحت الدراسة أن الصغار الذين يتعرضون للضرب ينشؤون كذابين أكثر من أبناء جيلهم الذين لا يضربون وأكثر ميلاً إلى العنف ضد الآخرين ولا يظهرون أية مشاعر ندم على الأعمال العنيفة التي يقومون بها أو عن الأخطار التي يقعون فيها خلال مسيرة حياتهم. إن حوادث العنف التي يرتكبها الكبار ضد الأطفال مهما كانت صغيرة تترك جراحا نفسية عميقة .وان هذا الجراح تتراكم مع استمرار الاعتداء بالضرب على الطفل . ويمكن أن نؤكد ذلك إذا نظر كل منا إلى ذكريات طفولته . إن أسوأ ذكريات الطفولة هي تلك التي تعرضنا فيها للضرب من أبوينا والبعض يجد أن مثل هذه الذكريات غير محببة فيحاول التقليل منها أو أن يتحدث عنها بشكل فكاهي. [c1]مواقف صعبة أثناء التربية[/c]إن سرد مثل هذه المواقف سوف يخفي الابتسامة من الوجه وإذا حدثت الابتسامة فإن الخجل هو الذي يجعل أصحابها يبتسمون، وحماية من الألم فإننا نتناسى هذه المواقف الصعبة.وأكثر حوادث العنف ضد الأطفال هي التلطيش أو الضرب بالأقلام وفي محاولة لإنكار هذه الذكريات وتأثيرها فان البعض يرفض اعتبار التلطيش عنفا ضد الأطفال ويدعي أن هذا الضرب له تأثير أقل .إن مثل هذا الضرب على الوجوه مثل التسمم الغذائي الذي يمكن علاجه وينجو منه الإنسان بدون أي أعراض مستقبلية ولكن من منا يحبه .إن قدرة الإنسان على التعايش مع الضرب على الوجه ليس معناه أن له قيمة جميلة .إن خطر هذا الضرب كبير ولكن بعض الآباء يجادلون ويقولون عليك فعل ذلك لكي تكون أبا أو أما مسؤولا تسيطر على الطفل. وحقيقة الأمر فإن ضرب الأطفال خاصة على الوجه يدخلهم في غضب عاطفي هائل يجعلهم غير قادرين على تعلم دروس الكبار. إن مثل هذا الضرب سوف يشفي غليل الكبار ولكن على حساب إحداث غضب هائل في الصغار وحيث يكون غضب الكبار مؤقتاً فان ضرب الطفل على الوجه يستمر أثره ولا يحدث التأثير التعليمي المطلوب .إن هذا الضرب يعطي الأطفال إحساسا أن من حولهم من الكبار خطرون عليهم فيبتعدون عنهم . ويفقد الطفل الثقة في الوالدين ويحدث تآكل في حبه لهم إن الطفل الذي يضرب بانتظام لا يستطيع أن يعتبر الأبوين مصدر حب وحماية وأمن وراحة وهي العناصر الحيوية للنمو الصحي لكل طفل بل إنه يراهما مصدرا الخطر والألم .