مضت ثماني سنوات على استشهاد القائد المناضل أبو علي مصطفى والذي طالته يد الغدر والعدوان بصواريخها الثلاثة في السابع والعشرين من شهر آب عام 2001م، وبقيت لنا رؤيته السياسية مصباحاً ينير لنا ، ودرباً نسير على هداه. واليوم ونحن نرقب عن كثب ما يجري في الساحة الفلسطينية والساحة العربية، نلحظ أن أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى ، قد شخص وعمل على توصيف الحال السياسي قبل استشهاده ، وكان واقعياً في قراءته السياسية للمستقبل ولقد شدني وأنا أبحث عن ما أكتبه في ذكرى استشهاده. قراءة سريعة في المعضلات السياسية الفلسطينية قدمها أبو علي مصطفى بمناسبة صدور العدد السنوي لمجلة الهدف عام 2000.تحدث فيها عن المأزق والأزمة على الصعيد العربي وعلى الصعيد الفلسطيني بشكل خاص . قال أبو علي مصطفى : المأزق والأزمة ليسا بجديد، ولكن تأسس لهما ومنذ عقود بإختلالات كبرى سياسية مجتمعية بنيوية فكرية إقليمية ومحلية. ويتساءل أبو علي : هل مظهر الانقسام في الرؤية الفكرية السياسية حالة عفوية ؟ وأن تمظهرت بعض خطوطها في اليومي والمباشر؟ أم هي أعمق من ذلك وأكثر بعداً في الأصول والدلالات ؟ في الوضع الفلسطيني يتحدث عن حالة الاختلال ويشير إلى أن هذه الحالة تتمركز في خمسة خطوط مفاهيمية أساسية:أولاً : حول تعريف آفاق الصراع وأبعاده وأدواته مع العدو الصهيوني هل مازال حالة صراعية تناحريه مصيرية؟ بين مشروعين لا بل بين وجودين ؟ أم هو حالة سلام وتسوية قابلة للعيش والتعايش بين وجودين متناقضين ماضياً وحاضراً أو مستقبلاً. يؤكد هنا أبو علي مصطفى على ورؤية الجبهة الشعبية التي كانت ومازالت ترى أن حالة الصراع هي التعبير الأدق عن الحال الفلسطيني والعربي الشعبي ، بينما مالت الرسميات الفلسطينية والعربية للتسويات والتي هي بخلاصتها اعتراف بمشروعية الكيان الصهيوني. وباتت أقصى طموحات هؤلاء هزيمة حزيران 1967م محددة بسقف الأرض مقابل السلام .. ولم يعد لشعار الصراع التناحري والمصيري مكان في قاموس السياسية العربية الرسمية. أليس هذا ما نشهده اليوم في الساحة الفلسطينية والعربية؟ .أليس هذا ما نشهده اليوم من تصريحات لزعماء عرب كان لهم ولاؤهم السياسي في الساحة؟ أليس هذا ما نراه من مبادرات ودعوات للتطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل فقط وقف مؤقت للاستيطان؟ هل تبقى من خيار تتحدث عنه السلطة الفلسطينية ، ويتحدث عنه الزعماء العرب غير التسوية . ألم يسقطوا خيار المقاومة ، بل أكثر من ذلك ، ألم يجر سحب سلاح المقاومة واعتقال المقاومين ، ألم تصبح المقاومة تهمة يعاقب عليها قانون ... !!!ثانياً : المفهوم الثاني : هو الاتفاق على توحيد مفهوم طبيعة المرحلة هل هي مرحلة تحرر وطني ؟ أم مرحلة سلام وتعايش؟. وهنا أكد الشهيد القائد أبو علي أن أي إدعاء في توصيف الحال على أنه مرحلة سلام ، يحمل في طياته أقوالاً خادعة ليس للرأي العام الفلسطيني فحسب ، بل حتى في نشر مناخ كاذب في الرأي العام العربي العالمي. وهذا ساعد الصهاينة على استخدام هذا الخداع لصالحهم في استمرار الاحتلال والقيام بأبشع الممارسات ضد الشعب الفلسطيني والاستمرار في الاستيطان. ويؤكد أبو علي أن المرحلة مرحلة تحرر وطني لها وسائلها وموجباتها السياسية والبرنامجية . ثالثاً : المرحلي والاستراتيجي : في حديثه عن المرحلي والاستراتيجي يشير إلى أن انحرافا فكرياً أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية ، عندما استولدت في بعض أقسامها مقولات تقوم على بناء ضعيف حسم اتجاهه باعتبار أن المرحلية هي نهاية المطاف، وهي الحقوق وهي جدول الصراع الآتي واللاحق، بما أشار إلى تحويل المرحلي إلى استراتيجي .نقول ذلك لأنه وبرأينا لا يمكن النظر لبعد الصراع فقط من خلال تدريجنا أن هذا هو النهاية ، بل هناك ماهو ليس نهاية وهو التصادم الكامل بين مشروعين أحدهما عدواني صهيوني قام على أرض فلسطين منذ عام 1948م وهو الذي لابد من حسم الصراع معه مهما طال الزمن. ومشروع وطني فلسطيني عربي يقوم على التحرير وإقامة فلسطين الديمقراطية الواحدة الموحدة كبعد استراتيجي وحل علمي لمسألة الصراع.بات البعض اليوم ومن القيادات الفلسطينية يسخر من الحديث عن الأرض المحتلة عام 1948م، بل أكثر من ذلك وجهت لي إدانة من مسؤول فلسطيني كبير عندما تحدثت في إحدى المناسبات الوطنية عن تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، واعتبر هذا خروجاً عن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية ، وبأن هذا الطرح يسيىء للقضية. كم كنا نتمنى أن تكون يارفيقنا أبو علي مصطفى بيننا اليوم لترى ماذا حصل بالسلطة؟ السلطة أصبحت سلطتين، واحدة يسمونها السلطة المقالة في غزة، وأخرى يقال عنها المعينة في رام الله وبين هذه السلطة وتلك المواطن الفلسطيني، وفي هذه السلطة وتلك صدقت رؤيتك فأجهزة الأمن هي فوق الجميع ليتك معنا لترى سجون السلطة المليئة بالمناضلين لأنهم ينتمون إلى هذا التنظيم أو ذاك. ليتك معنا لترى الأجهزة الأمنية وهي تطارد المناضلين وتعتبر كل من يحمل السلاح يشكل خطراً على الأمن والاستقرار. ليتك معنا لترى دايتون المقيم في رام الله لمساندة ومساعدة السلطة كما يقولون أنت يا أبو علي كنت تقول نحن بحاجة إلى جهود جماعية لحماية المجتمع والمصير الوطني، وأكدت بأن هذا لن يتم إلا من خلال ديمقراطية المجتمع. قلت نحن بحاجة إلى سلطة وليس تسلطا . نحن اليوم تحت تسلط السلطة والنظرة اليوم من ليس مع هذه السلطة فهو ضدها. تماماً مثل الشعار الذي رفعه بوش بعد أحداث سبتمبر من ليس معنا فهو ضدنا.رابعاً : الخاص والخصوصية : يقول أبو علي مصطفى هناك من يكابر ويبتعد عن الحقيقة ومن يفعل هذا وحده هو الذي يدفع الثمن. ولابد من الوعي لمعاني وحاضر الخصوصية في الاطار العام الفلسطيني وما تنشأ على الأرض بواقع الشتات عام 1945م، وهذا يتطلب الحذر من نزوعين حاضرين: الأول : نزوع الإغراق في الخصوصية وكأنها البديل عن العام الوطني أو خروج عنه. الثاني : تمثل في طمس الخاص وعدم الاستعداد لقراءته ورسم مهامه أو التنكر له، من واقع النقديين للشعارات الكبرى وطغيان العام. وعليه فمن الملح توحيد المفهوم في هذه المسألة من منطلق الحرص على وحدة الأداة والأداء الوطني لتحقيق الأهداف العربية والعليا للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في العودة لوطنه وعيشه الموحد فيه سياسياً ومجتمعياً بحرية واستقلال وسيادة تامة. خامساً : السلطة والمجتمع : لم يفوت القائد أبو علي مصطفى الحديث عن السلطة الفلسطينية والتي قال فيها: مهما كان التوصيف، فهي تسمى سلطة وهي لا تحوز ولا تملك السيادة الكاملة على الأرض والناس، وهذه هي حصيلة التسوية المهينة التي قبلتها منذ أوسلو حتى اليوم، وهذا يعني إنها مرتهنة ورهينة حالة احتلال أفظع ما فيها هو واجبها الأمني تجاه المحتل. إنها سلطة اللاقانون الناظم للحياة المجتمعية والعلاقات بين فئاته وقواه السياسية والاجتماعية، الأمر الذي يؤدي إلى دمار كامل في القيم المجتمعة واضطراب المفاهيم، وضياع الحدود بين الصح والخطأ ، وعندما يصل الأمر إلى سيادة أجهزة على سيادة قضاء فإن الكارثة أكبر مما يتصور أحد.
أخبار متعلقة