
وكانت إحدى الأخوات المشرفات ممن مشهود لها بالنشاط وتعمل في مجال الإعلام.
تحدثت مع نفسي طويلا وحمدت الله تعالى أن وجدت من يعرفني ويقدر ظرفي، وإن تأخر الراتب سيعوضني الله خيرا بالبصمة، ودون شك ستخفف من وضعنا الحالي حتى يتسنى للدولة صرف المرتبات المتأخرة منذ أربعة أشهر، ونستطيع شراء الأدوية الأساسية واحتياجاتنا الأسرية.
تلك اللحظات السعيدة التي عشتها كحلم جميل تبخرت في ثوان معدودة عندما شاهدت طوابير الشباب على بوابة العمارة التي يقع منزلي ضمن شققها، الكل يريد التسجيل، والكل له معاناته وله ظروفه. بمجرد ما كانت بين يدي ملفات أمراضي المستعصية وبطاقتي وبطاقة زوجتي لم يلتفت إلي أحد من فوضى الجدال حاولت في اللحظات الأخيرة أن أمد بالبطائق والوثائق، وبالكاد سجلوا اسمي ولم يسألوني عن شيء ولا عن عدد الساكنين ولا من هم.. أما تقارير المرض فاعتبروها ليست أمراضا، بينما منظمة الصحة العالمية اعتبرت أمراض السكر والضغط أمراضا مزمنة، وكل مريض ضغط لابد أن يكون عنده اعتلال في القلب. إنما اكتفيت بالصمت، لاسيما وأنني لست متخصصا في هذا المجال. وأمام هذا المشهد العبثي الذي اختلط بالفوضى وبالمزاجية لم أعرف من المستحق ومن لا يستحق الحصول على الإعاشة..
مع الأسف الشديد، منذ أن بدأت البصمة قبل عدة أعوام لم أشهد لجنة ولم أرَ نزولا ميدانيا إلى المنازل سوى هذه المرة. والمضحك المبكي، سألت قبل عامين أحد المشتغلين بالبصمة: لماذا لا تسجلون معظم الناس؟ فكان رده غريبا جدا، حيث قال بالحرف: عندنا توجيهات بأن أي فرد يمتلك منزلا وفيه سيراميك لا يستحق.
ماذا يطلب اليوم من المستفيد؟ أن يكون على كرسي حتى يستحق!
أشهد لله أن معظم الناس، وخصوصا موظفي الدولة والمتقاعدين، يستحقون الاستفادة من الإعاشة.
يا عالم اتقوا الله في أنفسكم وفي أبناء جلدتكم، لا تزايدوا على الآخرين.. كم راتب الموظف؟ وما هي احتياجاته اليومية والشهرية من غذاء ودواء ونفقات مدارس، إن كان راتب الموظف (١٠٠ ألف) ريال لا تسد الحاجة إلى ربع الشهر، في ظل الغلاء وانعدام مصادر دخل أخرى للموظف أو للمتقاعد.
أصبح المتقاعد والموظف يؤجل نفقات مهمة من غذائه اليومي كالسمك والدجاج ويستبدلها بعدس وخضرة، وكذا نفقات الأدوية حتى يتحسن وضعه المعيشي.
لا أعرف لماذا لا يتعامل بعض المسؤولين بمسؤولية إنسانية وأخلاقية، إنما التعامل إما بالمزاج أو وفق ما يملى على المسؤول حرفيا. لابد أن يكون للمسؤول هامش للتصرف وفق ما تقتضيه الحاجة.
حتى القانون عندما يطبق على مرتكبي الجرائم، فالقاضي قبل النطق بالحكم يراعي الجوانب الإنسانية وظروف وملابسات القضية. ومن الشواهد الحية التي تعاملت بإنسانية، الأزهر الشريف قبل أعوام أجاز الزكاة على موظفي الدولة، إلا نحن، بعضنا لا يراعي الجوانب الإنسانية ولا توجد فيه الرحمة.
ما هكذا يتصرف العقلاء.