
وهكذا الحال بالنسبة لرياض الأطفال التي كانت طاقتها تستوعب أعداد من هم في سن مناسبة.
لم تكن المدارس الخاصة هي البديل المفضل لدى السكان ولا روضات الأطفال الخاصة. وعند بدء كل عام دراسي لم تكن لدينا نواقص كبيرة في عموم مدارس البلد، فقد كان يتم تهيئة كل شيء لاستيعاب الطلاب الجدد في فصول كافية ومدارس لديها كافة المقومات. تم انتداب معلمين من المدن إلى الأرياف وشكلت سنوات الخدمة لخريجي الثانوية سبيلا لسد نقص المعلمين في المناطق النائية. لم تتخل الدولة عن تلك المهمة المحورية لبناء المجتمع. ولم تكد تمر سوى سنوات حتى تبدل الحال تماما وأعلنت الجنوب خلوها من الأمية عبر ما أقيمت من جهود للخلاص من الأمية لدى من لم ينالوا حظا من التعليم.
أصبح التعليم هاجس كل الآباء وتضافرت الجهود نحو الوصول إلى نجاحات نوعية.
فهل يمكن القبول بغياب المدارس الحكومية؟ وهل توفر المدارس الخاصة حلا وكذلك رياض الأطفال؟ أظن أن قبول الأهالي بمثل هذه النذر السيئة تشكل جرما بحق الأجيال، فلا إمكانيات المدارس الخاصة تحل محل المدرسة الحكومية ولا قدرات وإمكانيات الأهالي تعين على تحمل تلك الأعباء الكبيرة.
إن غياب تلك اللوحات البديعة عند بداية كل عام دراسي لأبنائنا وبناتنا المتوجهين لمدارسهم تعني الكثير لمجتمع هو أحوج إلى تعليم أبنائه وتأمين مستقبلهم ولو بالحد الأدنى عبر التعليم المجاني.
وفكرة القبول بأي بدائل هي تفريط بواحد من أهم الإنجازات التي تحققت. ومعنى ذلك عودة مجتمعنا إلى عهود التخلف بكل ما يرتبط به من تبعات حياتية مؤسفة.
فكما قبلنا قبل عقود بالتفريط بمبدأ العلاج المجاني الذي كانت تقدمه الدولة عبر المستشفيات الحكومية، لنصل إلى ما هو عليه الحال من فوضى وتكاليف العلاج الباهظة في العيادات والمستشفيات الخاصة بكل سلبياتها، وما نواجهه من استنفاد للأموال دون نتائج، سنجد حالنا - في حال قبلنا بالمدارس الخاصة كبديل- أمام وضع كارثي وتكاليف مادية، ولا يمكننا أن نفي بتعليم كل الأبناء وسوف ينتشر الجهل بصورة فاجعة وسيكون أبناؤنا وأحفادنا خارج نطاق المدرسة.
وهو ما يدعو كل أبناء مجتمعنا لعدم التفريط بذلك المكسب، والعمل بكل السبل لتجاوز أي معوقات تقف في طريق التعليم. نعم لدينا مشكلات عدة، ولكن بالإرادة يمكن أن يسهم الجميع في الحفاظ على هذا المكسب الوحيد إن لم أكن مخطئا.. فهناك ميزات تم التفريط بها كما هو حال العلاج المجاني، وما نعانيه من تلك البدائل التي قضت على أخلاقيات مهنة الطب كما عهدناها.