نظر لاهمية البحث الاكاديمي للدكتور الباحث الأستاذ أحمد سنان ارتأت هيئة تحرير صحيفة 14أكتوبر نشر المادة على حلقات ابتداء من هذا العدد .
مقال انتوني بلينكين وزير الخارجية الأمريكي المنشور في مجلة الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) الذي نُشر في 1 أكتوبر 2024، يذكرني ببيانات الحكام التي تحصي الانجازات خلال عهدهم، وهي لا تعدو أن تكون مجرد بيانات استهلاكية محضة لا تتوافق مع الوضع الحقيقي للأمور، ولا يختلف بلينكين في مقاله عن زميله الديمقراطي وزير الدفاع لويد اوستن، أو حتى الجمهوريين رامسفيلد وكولن بأول في مستوى الكذب.
هذا المقال ليس أكثر من بيان انتخابي يحاول فيه خداع الناخبين للتصويت للمرشح الديمقراطي على بعد أقل من شهر من الانتخابات. يربط بلينكين بين إنجازات بايدن وكامالا هاريس ليجعل من الإثنين شركاء في إنجازات وهمية غير مؤكدة. هذا الربط هو السياق الذي بنيت على أساسه المقالة برمتها، حيث يصور بأن هاريس كانت شريكة فعلية في صنع القرار الأمريكي إلى جانب بايدن والقوى التي يمثلانها، مع أن تصرفات الأخيرة كانت في الغالب بروتوكولية وبعيدة عن قضايا السياسة الفعلية.
لقد صدق بلينكن في بعض ما ذهب إليه في مقاله. أول ما صدق فيه هو “أن المنافسة الشرسة جارية لتحديد عصر جديد في الشؤون الدولية”، ولكنه ألحق ذلك بكذبة كبيرة بزعم أن هناك عددا قليلا من البلدان فقط “وخاصة روسيا، مع شراكة إيران وكوريا الشمالية، فضلاً عن الصين ــ عازمة على تغيير المبادئ الأساسية للنظام الدولي”. وأن “هذه القوى التعديلية جميعها تريد ترسيخ الحكم الاستبدادي في الداخل وفرض مجالات النفوذ في الخارج. وكلها ترغب في حل النزاعات الإقليمية بالإكراه أو القوة...”، على انه من جهة يتناسى ان طبيعة النظام السياسي لأي دولة هو شأن داخلي يخص شعب الدولة المعنية، ولا حق لأي دولة أخرى فيه، ومن جهة ثانية لم يفصح عن طبيعة مبادئ النظام الدولي التي يدافع عنها، هل هي تلك التي سمحت للغرب باحتلال أفغانستان والعراق وتدمير ليبيا وسوريا والتي سمحت باحتلال فلسطين وتسمح الآن بإبادة الشعب الفلسطيني بدافع حق إسرائيل في اغتصاب أرضه؟ أو هي التي تسمح لأمريكا بحصار كوبا لأكثر من ستين عاما. هذا النظام الموافق للناتو والولايات المتحدة ليس موافقا لمصالح جل الدول خاصة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فهي بالمؤكد ذات مصلحة في تغيير جوهر النظام العالمي الحالي الذي فقد توازنه الهش بانهيار الاتحاد السوفيتي.
وذكر بلينكن أنه عندما تولى الرئيس جو بايدن ونائبه الرئيس كامالا هاريس كانت القوى التعديلية “ تتحدى بالفعل المصالح الأميركية بقوة. كانت هذه الدول تعتقد أن الولايات المتحدة كانت في حالة تدهور لا رجعة فيه في الداخل ومنفصلة عن أصدقائها في الخارج”. هذا القول بالطبع لم يأتي من اعتقاد تلك القوى بل من واقع الحال ومن استنتاج بعض الساسة الأمريكيين.
وهاكم كذبة أكبر حيث زعم أن تلك الافتراضات “ستؤدي إلى استمرار التعديليين في تقويض العالم الحر والمنفتح والآمن والمزدهر الذي تسعى إليه الولايات المتحدة ومعظم البلدان. إن عالم اليوم هو عالم تتمتع فيه البلدان بحرية اختيار مساراتها وشركائها، وحيث يتم تحديد الاقتصاد العالمي من خلال المنافسة العادلة والانفتاح والشفافية والفرصة الواسعة النطاق”. إذا كان هذا العالم الذي يتحدث عنه تتمتع فيه الدول بحرية الاختيار فلم إذن لا يترك لمختلف الدول كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها باختيار نمطها السياسي الذي يتناسب مع طبيعتها، ولم لا يسمح للكثير من الدول كالعراق وليبيا وفنزويلا ممن تمتلك الموارد الكثيرة بالتطور والنمو الصناعي والعسكري والتقني كبقية الدول الغربية؟ لماذا لم تحتمل الولايا ت المتحدة منافسة الصين لها؟ ولماذا تتعامل بازدواجية فضة مع قضية امتلاك الطاقة والسلاح النووي؟؟ وبالمناسبة فإن ترامب هو الذي شن الحرب التجارية على الصين وليس بايدن.
هل فعلا تقف الولايات المتحدة اليوم “في وضع جيوسياسي أقوى بكثير اليوم مما كانت عليه قبل أربع سنوات”؟ وهل فعلا “إن اللياقة الاستراتيجية للولايات المتحدة تعتمد إلى حد كبير على قدرتها التنافسية الاقتصادية” فقط؟؟؟
كما تحدث بلينكين عن تطور الاقتصاد الأمريكي في عهدهم مع أن مستوى البطالة حاليا عند نفس المستوى الذي كان عليه في عهد ترامب 4.3 %. إن أكثر ما يخيف الولايات المتحدة هو منافسة الصين لها في المجال التقني والدقيقة منها على وجه التحديد، ولذلك حظرت على الشركات الأمريكية والغربية العمل في الصين او التعامل مع مثيلاتها الصينية وهو عمل بدأه ترامب بإعادة الشركات من الصين إلى الأراضي الأمريكية. وكثيرة هي الحالات التي تلجأ فيها أمريكا لاتخاذ إجراءات حمائية على الرغم من وجود منظمة التجارة العالمي التي تعتبر حكما مقبولا بالنسبة لدول كبيرة الإنتاج.