٢٦ سبتمبر الحدث والحديث، والخطبة وفصل الخطاب.
لاشيء ممنوع غير الكلام خارج السياق، وغير كل صوت “يهرف بما لا يعرف” وكل قول يهزمنا وينتصر للعدو، وكل جلبة تشوش بهجتنا بعيد الأعياد وتصرف الانتباه نحو السفاسف لا الى ماهو جوهري في هذا الصراع المرير.
لاشيء ممنوع غير الغباء المجلبب والبلاهة المعممة، والسفسطة البعيدة عن مقتضيات المعركة وموجبات المواجهة.
لا نحتاج من يعلمنا آداب الاحتفاء بذكرى ثورتنا الباسلة، تعلمنا أبجدية الثورة منذ الولادة تتلمذنا على يد الشهداء ولدنا وكبرنا تحت سارية العلم، برؤوس عالية وقامات تطول، وعشناكل يوم ثورة وهتافا ونشيدا ؛
رددي أيتها الدنيا نشيدي
ردديه وأعيدي وأعيدي
واذكرى في فرحتي كل شهيد
وامنحيه حللا من ضوء عيدي
من يسلبنا عيدنا الآن ونحن نقاتل كي نستعيد السعيدة ؟
من هذا الذي استيقظ بعد ٦٢ سنة كي يصادر العيد ويقوض النشيد ويبخس العلم ويقيء على الشعلة ويراها عبادة نار وطقسا فارسيا لاأكثر.
يخطئ الخطيب والواعظ عندما يفتقر الى الوعي السياسي والذكاء الاجتماعي والثقافة العامة، اذ تجده واقفا على السطح في تناوله للقضايا عموما. لا يستطيع النفاذ الى ماهو مهم، ويسارع لإطلاق أحكامه الخاصة دونما تبصر أو ادراك.
إيقاد الشعلة طقس رمزي يحيل على معنى ثوري واضح لا يحتاج الى شرح أو توضيح، نحن لا نقدس النار وانما نمجد روح الثورة المتقدة، نشعلها في النفوس والعقول، يقظة ضمير وحس، الشعلة رمز يختزل معاني كثيرة دالة محرضة وملهمة “المشاعر “ في الحج وهي جمع مشعر أي علامة ونحن نؤديها تخليدا وتمجيدا وتكريما واحتفاء بعظمةِ دورِ الإنسانِ ومكابداتِهِ وتضحياته في وِجهتِهِ إلى الله..
إنها من محدداتِ الطريق، علاماتٌ هاديةٌ، ونقاطُ ارتكازٍ، هي المِهَادُ الذي تأسس عليهِ البناء، وهي مواريث النبؤة التي ألْهَمَتْ، ومازالت، تُلهمُ البشريةَ حقيقةَ العبوديةَ للهِ، ومعنى إسلامِ الوجهِ والوِجْهَةِ لهُ وحدَه.
إن تعظيمَ تلكَ الشعائرِ يتطلبُ حضوراً رُوحانيّاً مُدْرِكاً، يستبْطِنُ المعانيَ العميقةَ، متجاوزا المُلامَسةَ الحِسِّيِّةَ والتَّمَسُّحَ الظاهريَّ بِقصدِ التبرك.
الحجُّ بدونِ حضورِ الروحِ ونفاذِ الرؤيةِ، والدخولِ في العوالمِ المترابطةِ للشعائرِ والمناسكِ، وبدون الاندماجِ الروحيِّ والوجدانيِّ عند تأديتها، يغدو مجردَ ركضِ أجساد، مجردَ جُهدٍ عضليٍ يقْصُرُ عن بلوغِ كثيرٍ من مقاصدِ الحجّ. ولربما تشوشت الرؤية لدى الجاهل اعمى البصيرة حد أن يراها مجرد أداءات وثنية مربكة.
والثورات تواصل الحياة في صورة رمزيات مجسدة للحرية والكرامة والتضحية والفداء والبطولة والانتصار والكبرياء الجمعي وكل الفضائل والقيم العظيمة.
“ تسقط الكائنات وتبقى المعاني “ بحسب أحمد ضيف الله العواضي. ونحن نحتفل بالمعنى الباقي من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
نعلن تعهدنا مواصلة الكفاح، بقاءنا مشتعلين في مواجهة هذه الارتدادة الظلامية المدججة بالخرافة والسلاح.
نغني للحرية، نهتف للوطن الكبير، نحيي الأرواح الباذلة على درب الخلاص.
واذ تخرج مدائننا الحبيسة بزهو وطن أبي للاحتفال بذكرى الثورة مهددة الحوثي ومثيرة رعبه وقلقه ودافعة إياه للجنون والقيام بحملات اعتقالات مسعورة، من الخبال مساعدته بسفه في خنق تلك الروح. ومنحه ما يسنده في منع مظاهر الاحتفاء وتبرير قمعه وتبخيسه للثورة والثوار.
هي الثورة مذ كانت كلمة، شهادة، قصيدة، أغنية، نار ونور، ودم تتمشى في الأعالي فضائله.