كما علمتني الحياة أن الوردة الجميلة رائحتها حلوة، أشم رائحتها.. استمتع بمنظرها الجميل لأنها سرعان ما ستذبل لأنني أعرف أنها ستذبل من أمام حياتي.. هكذا كان صباحي الخميس المنصرم وأنا أتصفح جريدة «14 أكتوبر» حيث كل ذلك وقع أمامي وأنا أقرأ عمود صباح الخير في الصفحة الأخيرة للأستاذ بل والأخ العزيز محمد علي سعد الذي وبعد فترة طويلة عاد ليكتب عن وجدانيته التي شعرت وأنا أقرؤها إنها وجدان كل واحد منا خاصة من هم في سنوات عمرنا أو قريبين منها.. كتب بن سعد عموده الذي عنونه «دنيا ناقصة ملح» سطور كانت لقطة صادقة مع زمن النضوج.. زمن نسينا فيه أننا بشر نحيا لنحب قبل أن نودع هذه الدنيا التي قال عنها أخي العزيز بن سعد أنها «ناقصة ملح».. دفعتني هذه الأسطر التي أعترف رغم أن الاعتراف صار فينا في هذا الزمن الرديء اعترافاً كاذباً خارجاً عن الحقيقة التي نعيشها والحمدلله على كل حال.. أقول دفعتني للبكاء لأن ما قرأته كأنه حديث عن ذاتي التي صارت ممزقة وجسدي الذي يأكل منه المرض كل يوم حتى أصبحت أعد أيامي الباقيات قبل الرحيل.
أخي وعزيزي بن سعد جعلتني صباح الخميس العاشر من أبريل الجاري وأنا أقرأ ما بحت به عن نفسك المضربة ووجع ألمك ليس من العمل وإن كانت قيادة مؤسسة أكتوبر ورئاسة صحيفتها تهد العمر وتخرجك عن وجودك كإنسان، ولكنك كعادتك تقبل التحدي وتستمر في مسيرك.. وأنا أقرأ «دنيا ناقصة ملح» نظرت وكأنني طفل باكٍ إلى السماء..وجدتها سحباً صغيرة بيضاء تحمل كلمات أكبر مني، طيوراً صغيرة أيضاً ولكنها كثيرة أصواتها عالية..لا تدري من أين تأتي وإلى أين تذهب.. تذكرت بن سعد في هذه اللحظة وهو يعيش وحشة المكان ولحد السرير الذي لم يجد فيه من سكنت معه فيه سنوات طويلة.. إنها أم عمر زوجته الغالية المربية الجليلة.. سافرت تجاه أرض الكنانة لعلاج ابنها وزوجته.. سافرت وبن سعد في حاجة أشبه بحاجة الإنسان للماء ليواصل مسيرة حياته..تذكرت حالي بعد أن فقدت عمري برحيل أم أحمد نتيجة حماقة أفقدتني الحياة.. «أم عمر» ستعود ولكن «أم أحمد لن تعود فاختارت حياة أخرى غيري.. واخترت أنا العيش مع الوحدة والمرض الذي حتماً سيأخذني إلى لحدي الأخير..
أقول قارئي العزيز ما أحوجنا اليوم وفي زماننا الرديء هذا إلى البوح عما بداخلنا بدلاً من الكتمان الذي سيؤدي حتماً إلى الانفجار..
ما أحوجنا إلى مثل ما كتبه بن سعد حتى نتنفس ونستنشق الهواء الصافي حتى لساعات أو بضعة دقائق في اليوم لكي تتجدد حياتنا وتكبر أحلامنا ويكبر عشقنا للوطن الذي منه وفيه نحب ونعشق ونتكلم بصوت دافئ وآخر مرتفع.. ما أحوجنا أن نترك السياسة بعضاً من الوقت ونبوح بصدق بما يقوله القلب المتعب.. ما أحوجنا إلى الاعتراف بكل صدق بأخطائنا ومشاعرنا تجاه من نعيش معهم ويعيشون معنا.
شكراً صديقي وأستاذي محمد علي سعد لأنك علمتنا البوح ولكن بوحي دون عنوان كما هي أحاسيسي ومشاعري لا تحمل عنواناً..
للتأمل
«قريباً سأرحل إليك بعد أن رحلتُ عنك»