لقد ثار الناس في هذه البلاد في فبراير 2011م على هذا السلوك المشين، وقدموا التضحيات الجسام على مذبح الحرية، ودفعوا ضريبتها بالوفاء والتمام من دمائهم وأرواحهم، واتفقوا في ثورتهم على قواعد عادلة، عُكست إلى حد كبير في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وخرج الجميع من مخاض ذلك الحوار الطويل إلى كلمة سواء، فأعطي كل ذي حق حقه، وتحمل الوطن أعباء الجبر، والتعويض عما فعله أبناؤه بأبنائه؛ ليبدأ الجميع بداية صحيحة، وعلى مياه نقية .
هكذا كان ينبغي، أما الواقع فغيرذلك، فبعض البشر متعطشون للدماء، ولم يرق لهم الأمر، ويبدو أنهم لا يريدون أن يهدأوا حتى يرغموا الوطن على كوارث جديدة لا ناقة له فيها ولا بعير؛ وبعضهم كالقائل : حبتي وإلا الديك، وآخر إذا قيل له ـ بمقتضى الشراكة الحالية ـ قدم لنا خير ما عندك؛ لا يجد إلا أن يصنع كتلك القردة ( الأم ) عندما أخرجت ولدها الصغير على أنه أجمل ما خلق الله على الإطلاق !! لنعود مجدداً إلى دوامة النكد والتظالم التي عاشها الوطن منذ فكَّر أبناؤه المخلصون بالثورة على طغيان الإمامة، وإذلال الإنجليز والسلاطين .
هذا الواقع المنغص يجعل الآدمي يتساءل بجدية وأسف : هل نحن بحق أمة لا تقبل أن تقاد إلا بالسوط ؟! هل نحن أمة تقدس الطغيان ؟! وإذا كان الأمر غير ما ذكرنا؛ فلماذا التحزب للبغاة ؟ ومقاتلة الدولة وأجهزتها في صفوفهم ؟ وأليس هذا خروجاً صارخاً على مصفوفة الحوار التي أسست لعقد اجتماعي جديد يضمن لكل ذي حق حقه، وبكل ما تعنيه الكلمة من المعاني ؟
ثم أي حوار سيتم مع هؤلاء بمختلف مسمياتهم الظلامية الظالمة؛ وهم يحاوروننا في القاعات بكامل الحرية والحقوق، ويقاتلوننا، ويحاربون الدولة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة المنهوبة في عدد من المحافظات ؟ بل نسأل : ماذا يريد هؤلاء بالضبط ؟ وإلى أين يريدون أن يدفعوا بالوطن والشعب ؟! هل المطلوب إيصال الناس إلى اليأس من أي جديد، والمطالبة بعودة الماضي بكل ظلاميته؛ باعتباره الأصلح لحكم 25 مليون آدمي ؟
إذا كان الأمر كذلك؛ فمن هم حتى يتحكموا في مصائر الملايين التي قالت : نعم للتغيير، ونعم لفخمة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيساً انتقالياً للوطن ؟! ثم أي دولة ديمقراطية عادلة يمكن أن تنبني تحت تهديد أسلحة هذه العصابات التي لا تمل من قتل وإرهاب وابتزاز جنود وضباط وكوادر الدولة وكفاءاتها، واختطاف السياح، وتخريب الاقتصاد، وفي المقدمة النفط والغاز والكهرباء، وقطع الطرقات، بكل ما في ذلك من تعدٍ سافر على هيبة الدولة، وهيبة القانون والدستور، وعلى حقوق الضحايا الأبرياء من جنود، ومواطنين .
نصيحة لكل هؤلاء : لقد فاض الكيل، وبلغ السيل الزبا . إن شعبنا الذي خرج للتغيير بأيادٍ تحمل الزهور والورود، في مواجهة البارود، والقتل، والسحل ، والتنكيل بكل صوره، وبالملايين في كل الساحات، سلماً لا عنف فيه؛ لقادر بحول الله كذلك على حماية خياراته الحضارية، والوقوف صفاً واحداً مع الرئيس هادي، الرئيس المنتخب ديمقراطياً؛ مناصرين، وإن شاء مقاتلين؛ حتى إنجاز مهام المرحلة الانتقالية لإقامة الدولة الاتحادية، الديمقراطية، العادلة؛ التي تحمي حقوق مواطنيها، ودماءهم، وأموالهم، وأعراضهم، وكرامتهم، دولة النظام، والقانون، والمواطنة المتساوية في كل أقاليمها الستة؛ المتفق عليها .
ويكفي عصابات العنف والإرهاب المختلفة تلميحات فخامة الرئيس في تصريحاته الأخيرة؛ فاحذروا غضب الحليم، ولا تنسوا القرار الدولي ذا البند السابع ، وقبله غضب الوطن .