وأتذكر هنا أني وفي أول مشاركة لتغطية مؤتمر القمة العربية التي عقدت في الجزائر في أواخر يونيو 1988م، كانت الجزائر قد بذلت جهوداً عظيمة من اجل إنجاح قمتها التي عقدت تحت شعار دعم الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الحجارة) وفي ذات الحال قام الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بجهود استثنائية من اجل مشاركة العاهل المغربي الحسن الثاني ملك المغرب في قمة الجزائر بعد علاقة شائكة بين البلدين استمرت ثماني سنوات وقد نجحت جهود بن جديد وشارك العاهل المغربي بقمة الجزائر وسط ارتياح جزائري كبير، ولكن نجاح كسر حائط الجليد بين الجزائر والمغرب كاد ان يعيده للواجهة العقيد معمر القذافي رحمة الله عليه عندما حضر قمة الجزائر مرتدياً بيده اليمنى قفازاً أبيض وحين سألنا العقيد القذافي عن سر ارتدائه ذلك القفاز رد انه لا يريد ان يصافح العاهل المغربي يداً بيد بسبب مصافحة الحسن الثاني لبيريز مؤخراً، وكاد ذلك التصريح ان يطيح بالقمة العربية وبفرحة الشعبين الجزائري والمغربي بعودة الدفء في العلاقات بين البلدين الشقيقين.
المهم تمكنت من خلال عملي في المجال الصحفي طوال 33 عاماً من المشاركة في عدد من القمم العربية بصحبة قادة البلاد وكنت في كل مرة اغطي اية قمة عربية اضع يدي على قلبي وأقول الله يستر لأن القادة عند مشاركتهم في القمم تكبر مشاكلهم وتزداد خلافاتهم وبدلاً من أن تقوم القمة العربية بمهمة تنقية الأجواء العربية ـ العربية وتصلح ذات البين وتركز على القضايا العربية المشتركة وتعزز من وحدة الرؤى والقرار العربي المشترك تعمل العكس بارادتها أو بغير ارادتها!!
واليوم تحتضن دولة الكويت الشقيقة بدء اعمال مؤتمر القمة العربية الخامس والعشرين في ظل ظروف عربية معقدة ودقيقة تحكمها الاختلافات في وجهة النظر حول عدد من القضايا الراهنة وأبرزها مقعد سوريا الشاغر في القمة وموضوع تعريف الارهاب.
نعرف ان قمة الكويت تعقد في ظل حالة من الاختلافات العربية ـ العربية، هي ليست نتيجة الساعة لكنها امتداد للمشكلات التي افرزتها ما تعرف بثورة الربيع العربي وبسبب مواقف كل نظام عربي من تلك الثورات والمتغيرات التي نتجت عنها واضرت بشكل أو بآخر بدول عربية بعيدة عن جغرافيا ثورات الربيع العربي.
وحتى لا نكون سوداويين فاننا نشير إلى ان مهمة القمة العربية كانت ولازالت هي ايجاد جملة من الحلول للمشاكل العربية ـ العربية التي نشبت في الفترة الواقعة بين المؤتمرين.
وعليه فإن دولة الكويت الشقيقة وهي ترأس قمة العرب الحالية والتي يتم اليوم ترؤسها لقمة العرب، فان دولة الكويت تعقد عليها آمال المواطن العربي من الخليج إلى المحيط في ان تنجح اعمال القمة خاصة وان دولة الكويت تتكئ على تاريخ كبير من العمل العربي الايجابي لما عُرف عن الكويت قيادة وحكومة وشعباً حرصها الشديد على نجاح القضايا العربية وعلى وحدة العرب ووحدة قرارهم وتمسكهم بالرؤى والمصالح العليا لشعوبنا العربية.
صحيح ان قمة العرب امامها تحديات كبيرة وصعوبات لكن ذلك الأمر لا يمكن ان يكون عائقاً حقيقياً دون اتفاق العرب وخروجهم من قمة العرب بسلسلة من القرارات الصائبة والتي تخدمهم كدول وكأنظمة وكشعوب فالكرة في ملعب القادة العرب وبمدى تحملهم مسؤولياتهم القومية التي تفرض عليهم واجب تقديم الاتفاق على نقاط الاختلاف وتطلب منهم ردم هوة الانقسامات بدلاً من زيادة توسيعها.
بقي ان نقول ان الأوضاع في عالمنا العربي الآن .. الآن محتاجة من قمة الكويت ومن القادة العرب ان يعملوا معاً لانجاح القمة وتضييق مناطق الاختلاف لان كل الدول العربية هي عبارة عن مشاريع توتر واضطرابات سياسية وطائفية ومذهبية وصراعات سلطوية وصراعات لخطف السلطة والجلوس على كرسي الحكم من خلال مؤامرات ضد العرب لا تستثني أحداً منهم.
الشعوب العربية محتاجة من قمة الكويت ومن القادة العرب المشاركين فيها ان يدركوا ان أوطاننا جميعاً هي مشروع اطماع اسرائيلية وغربية تريد زيادة تدخلاتها في الشأن العربي عموماً وفي الشأن القُطري (في كل قطر من الاقطار العربية) على وجه الخصوص وعلينا بل وعليهم ـ القادة العرب ـ ان يعرفوا ان الخلافات العربية ـ العربية كانت ولازالت أهم وأخطر عوامل ضعف العرب جميعاً على مر الزمن.
ختاماً: اللهم ألهم قادتنا العرب ان يتفقوا لا ان يزيدوا اختلافاتهم اختلافاً.
اللهم ألهم قادتنا العرب ان يدركوا انهم كلما زادت اختلافاتهم ضعفوا وضعفنا وبسببهم تضيع ريحنا وريحهم معاً.
الآباء قادة أمتنا العربية .. اتقوا الله فينا فالمواطن العربي يكفيه ما يعانيه من مشكلات يومية فلا تزيدوا معاناتنا معاناة بسبب فشل حكوماتكم وسياساتها داخلياً واختصامكم خارجياً .. تعبنا .. تعبنا .. تعبنا، اما لهذا الخلاف العربي ـ العربي من نهاية.
اللهم اني بلغت .. اللهم فاشهد.
للتأمل
- (اتفق العرب على ان لايتفقوا) اتمنى ان تشطب هذه العبارة من قاموسنا نهائياً.