وليس هناك أصعب علی هذه العقول من إدراك حقائق الواقع، وفهم مدی قابلية هذا الهدف أو ذاك للتحقق، بناء على المعطيات الماثلة، واتجاهات حركة الحياة السياسية في محيطها الإقليمي والدولي. إن كلتا النظرتين تكشفان عن حالة من الجمود الثقافي، والقصور المعرفي، في فهم الواقع السياسي، وقوانين حركة المجتمعات، وسنن التغيير، والجهل بالتاريخ ببعديه الماضوي والمعاصر.
وبقدر ما تكشف هذه المواعيد الفاصلة والقاطعة عن قصور معرفي وجهل بأبسط القواعد السياسية فإنها تنطوي علی كثير من الدعاية والتضليل والاستخفاف بعقول الجماهير وتتويهها عن السير في طريق تحقيق طموحاتها وآمالها. الأمر الذي من شأنه عرقلة مسيرة النماء والتطور لأي شعب من الشعوب، وإبعاده عن تحقيق حتی هذه الأهداف المرفوعة.
وحتی لا ننتقص من أعمال الجماهير، ولكي لا نقع في خطأ التقليل من شأن النضال السلمي الذي تقوم به حركات الإحتجاج السلمي المبني علی أساس من الأهداف النبيلة والمدروسة والمشروعة، والتي باتت تحتل الصدارة في مصفوفة الحلول علی طريق التغيير السلمي في البلاد، وتجنبا لسوء الفهم الذي يقع فيه الكثير، أو الخلط المتعمد..
لا بد من التسليم بحقيقة أن: لأي شعب الحق في تحقيق أهدافه وفق إرادته الحرة المستقلة التي رعتها القوانين الدستورية والمواثيق الدولية، وأن الكشف عن هذه الإرادة الحرة ليس إدعاء هذا أو ذاك، ولا بياناً من هنا أو خطاباً من هناك..بل الطرق التي ارتضتها وسارت عليها الشعوب المتقدمة والأمم المتمدنة.
كما أن تحقيق هذه الأهداف لم ولن يكون إلا إذا كانت محل إجماع فئات الشعب وقواه الحية، ومتسقة مع ثقافتها الوطنية الجامعة، وليست نترات أو فجوات قاتلة في العقلية الجمعية للشعوب، وبعد نضوج ظروفها الذاتية والموضوعية، وبدعم ومباركة من المجتمع الدولي في حالة يری مصالحه منتظمة مع هذه الأهداف. وبمعرفة واقع الحال في بلادنا..فالقوی الوطنية والأحزاب السياسية والمجتمع الإقليمي والدولي أجمع علی حل القضية الجنوبية عن طريق ما يخرج به مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي سينتهي قريبا ..
وبالتدقيق في هذه المعطيات الماثلة أمامنا يبدو للمراقب البسيط مدی الإنفعالية المسيطرة علی قادة التيارات الإحتجاجية، وغلبة العاطفة وردود الأفعال في المواقف والتحركات بل ( والمواعيد) . ولهذا تنطلق من حملات إعلامية تهيج الشارع وتوضع مواعيد فاصلة ونهائية لتنفيذ وتحقيق ماترفعه من أهداف وهو ما يكشف الخطأ الذي يقع فيه هؤلاء في حق أنفسهم وحق شعبهم المتمثل في تضليل أنفسهم وتضليل الجماهير وسوقها إلی أمور لا تخدم أمنها واستقرارها كما لا تخدم حتی الأهداف المراد تحقيقها.
كما يظهر ذلكم الإعلام الدعائي عدم تحمل مسؤولية هذه التيارات لما تقوله وتفعله، وعدم إدراكها لسطحية وضآلة مثل هذا التفكير الذي يدل علی قصور معرفي وجهل منهجي بأبجديات السياسة، بالإضافة إلی جهل وعدم اكتراث بحقائق الواقع محليا وإقليميا ودوليا وكفی بذلك خطأ.
إن هذه المواعيد تنتمي إلی مجال الدعاية المضللة والحرب النفسية وتأخذ بأسلوب الإشاعة البعيدة عن تحقيق أي نتيجة باستثناء بث الخوف والهلع والتشاؤم عند الناس من ناحية، وإدخال السرور المؤقت والتفاؤل المفرط الذي يصل إلی حد أحلام اليقظة عند الاتباع..سرعان ماتظهر حقيقتها ونتيجتها، الأمر الذي يصل بهذه الفئات إلی فقدان الثقة وعدم التصديق وتآكل الشعبية..بعد الضريبة التي يكون قد دفعها الكل في غير ماطائل..خصوصا بعد تكرار هذه المواعيد علی الناس ووضوحها لدی الرأي العام.
فمن 7/7 آخر يوم..مرورا بخليجي عشرين..وانتهاء بالتعلق بالهبة الشعبية وطرح 20 ديسمبر كموعد نهائي لواقع ماثل مستمر..وظهور واقع جديد مختلف لا حظ له في الظهور إلا في نفوس وعقول هؤلاء...والنتيجة دماء تسال وخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وإنهاك لاقتصاد البلد الذي ينعكس أثره علی الجميع بدون استثناء. وفي الوقت ذاته نری حركة تشبه حركة ( جمل المعصرة) مراوحة بنفس المكان، وانغلاق علی الواقع والمحيط بدون أدنی مسؤولية. فهل نفهم ذلك علی أنه قصور معرفي، أم بقية مما تعلمناه زمان من الدعاية والتضليل. إن كانت هادفة فإنها لعمري غير محسوبة ولا مأمونة العواقب.