وإذا وجدت الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على العدل والمساواة والحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية فما الدافع أو المبرز لتشظي جزء من الوطن أو انفصاله عنه ولنا على سبيل المثال دول الجوار التي تعقد اجتماعات ولقاءات من أجل تحقيق حلم ( اتحاد مجلس دول الخليج) بدلاً من مجلس التعاون الخليجي ولنا مثل آخر هو الاتحاد الأوربي المكون من عدة دول مختلفة الأعراق والأجناس والاثنيات والملل والعقائد والأيديولوجيات وهم اليوم يشكلون قوة عظيمة ضارية يحسب لها ألف حساب تكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وثقافياً وإعلامياً وقبل نهضتهم في القرون الوسطى تقاتلوا فيما بينهم ودخلوا في حروب وصراعات دامية دامت لسنوات ومعارك وحملات وحشية ضد بعضهم البعض لدرجة أن الإنسان لا يصدق بأنهم سيستقلون في يوم ما أو يتوحدوا من جديد كما نراهم اليوم شعوباً متعاونة وكتلة واحدة متماسكة رغم اختلافهم لأنهم عرفوا بأن العالم اليوم محتاج لبعضه البعض فالمصالح مشتركة والمصير الانساني واحد والعالم والدول في هذا الزمان تتقارب وكأن الحدود والهويات والخصوصيات تكاد أن تلغى في هذا العالم المتعولم والبعض منا يريد العودة إلى الوراء وإلى الجهوية والمناطقية والتقوقع في الأرياف والقرى ويريد إيقاظ واستعادة النعرة القبلية وحياة البداوة وعودة سلطة الشيخ والسلطان التي قامت ثورتا سبتمبر وأكتوبر من أجل القضاء عليها وعلى هذه الأنظمة القبلية والبابوية السلطوية المتخلفة.
إن من يحاول اليوم إيقاظ هذه النعرات أو استغلالها لتحقيق مآرب وأغراض سياسية خاصة به أو مصالح شخصية أنانية ضيقة لا يفلح لأنه يسير ضد مصالح المجتمع الذي سيقف له بالمرصاد لأنه يهدف إلى زعزعة النظام وإثارة البلبلة وإعاقة مسيرة التسوية السياسية الجارية في بلادنا ويعمل على إرباك الموقف السياسي التوافقي وإظهار أن الحكومة التوافقية هي حكومة فاشلة وعاجزة حتى عن حماية نفسها فما بالك بحماية المواطن والوطن.
إن بعض من فقدوا مصالحهم يحاولون استغلال الوضع الراهن المأزوم والمحتقن وغياب الأمن والاستقرار وهيبة الدولة في بعض المناطق ويحاولون أيضاً تحريض الناس ضد بعضهم البعض بالتأجيج الإعلامي واستعداء الأخ ضد أخيه لتحقيق مآرب لا تخدم إلا أعداء الوطن والمواطن ولا تخدم مستقبل البلاد بل تعمق الشرخ وتطيل أمد الصراع والإيحاء بأن هناك عنصراً وجنساَ بشرياً جنوبياً يختلف عن عنصر وجنس شمالي لا بد من اجتثاثه من أرض العنصر والجنس البشري الجنوبي بالقوة وبلغة الحروب الجاهلية في داحس والغبراء أو حرب البسوس وعبس وذبيان ، فمن المستفيدون من ذلك ؟! إنهم أفراد لا يتجاوزون أصابع اليد ولا يهمهم مستقبل البلاد ولا أمنه ولا استقراره ولا دماء المواطنين في جنوب الوطن أو شماله ولا استقراره أو أمنه أو تطوره أو ازدهاره بل يهمهم أن يظل الوضع على ما هو عليه من قلاقل ومشاكل وحروب وصراعات بين الأخ وأخيه ..وعلى افتراض أنه تحقق لتلك الفئة أو لأولئك الأفراد ما أرادوا من تمزيق الوطن أو تجزئته فمن يضمن لهم بأن تبقى حضرموت جزءاً من الجنوب ؟! أليس من حق أهل حضرموت أن يطالبوا بحق تقرير المصير عن الجنوب وتصبح دولة أو إمارة أو مملكة أو سلطنة مستقلة ومنفصلة عن الجنوب وعن الشمال أيضاَ لأن بعض أهلها يعتقدون أنها تمتلك مقومات دولة مستقلة ويمكن أن تنضم إلى مجلس التعاون الخليجي مثلاً ولديها ثروات ومعادن وخصوصية مميزة فماذا تبقى لدولة الجنوب بعد انفصال حضرموت عنها ؟! ومن الذي يستطيع أن يمنع بقية المحافظات الجنوبية أو الشمالية الأخرى من التفكير بما فكرت به حضرموت ؟ ومن الذي يستطيع أن يتنبأ بنشوب حرب أهلية بين هذه المحافظات جميعاً لا سمح الله ؟! وفرز الناس بالبطاقة الشخصية وها هي صعدة منفصلة فعلياً عن الوطن الكبير بالبطاقة وكأنها دولة داخل دولة من هذا الذي له مصلحة في تمزيق الوطن وتأجيج الصراع بين أبناء الوطن الواحد؟!!.