وتأسيساً على ذلك فأنني أود البوح لشبابنا الواعد، المُنخرط في عملية التغيير بعموم ساحات الحُرية في الوطن، بالدلالات الكفاحية التي يُجسدها اليوم هذا الطود الوقور، من خلال حِرصهِ على أن يبقى الوطن جُل هَمُهُ و مبلغ عطائهُ و محطُ آمالهُ، على مدى أكثر من نِصفِ قرنٍ من الزمان، وذلك عبر قِرَأءة متأنية لآخر مقالٍ خَطَهُ بتكثيف أبداعي مضغوط جداً، جاء على صيغة ( رسالة تنويهيه ) جادة لأمانة حزبهِ المجيد “الحزب الإشتراكي اليمني”، نشرتها الصحيفةُ الغراء “14 أُكتوبر” بمنتصف نوفمبر الفارط تقريباً، و بالرجوع إلى ما سطرهُ شيخنا الجليل فإنه، يمكن أن نُقسم هذا المقال “الرسالة” إلى ثلاثة محاور هي التالي :
1 ـ الواقع الراهن في إطار الشراكة السياسية.
2 ـ آفاق المُستقبل و التحديات المُعيقة.
3 ـ استحضار اشتراطات اجتماعية و عقائدية.
المحور الأول ما يخص الراهِن :
ليس تحيَزاً مني بل هو قول الحقيقةً مُعترفاً بأن الرفيق “أنيس حسن يحيى”، يُثبت من خلال هذا المقال الذي سَطَره بكثيرٍ من الحرص و العناية، بأنه يمتلك ذهناً مُتقداً وحُضوراً فكرياً في تفاصيل المشهد السياسي اليمني، كما هو كفاحياً أيضاً في قلب الفعل السياسي/الاجتماعي، الذي تنهض به قيادة الحزب الاشتراكي و كافة القوى السياسية في الساحة اليمنية، فقد أوضح مستعرضاً الاحتياجات النضالية المطلوب توافرها، كضرورات لابد من حيازتها لأجل انجاز مهام الحزب و الانتصار لنهجهِ الوطني.
و لعل مُطالبته لقيادة الحزب بتقديم قراءة موضوعية دقيقة، لطبيعة المشهد السياسي وكذا القوى و الأحزاب الفاعلة فيه و المُحددة لمساراتهِ، من شأنها إضاءة جميع زواياه كيما تُزيل أي لِبَسَ أو خِلاف في وجهات النظر، سواءً في المكتب السياسي أو في بقية المستويات القيادية، بحيث تحرص على تقديمها في دورة “المجلس الوطني القادم للحزب”، لضمان الوحدة التنظيمية و السياسية و الفكرية للحزب، و كذا تقديم قرأة جادة و دقيقة تعمل على توصيف تجربة (اللقاء المشترك )، ككيان و صيغة نضالية تحالفية تخلقت بسبب تعقيدات الواقع السياسي اليمني المُحتقن و المأزوم بما يحتشد فيه من تداخُلات إقليمية و دولية، كما كان حِرَصَ الرفيق (أنيس حسن يحيى ) شديد الجلاء، حين شدد على ضرورة امتلاك الحزب لتحليل موضوعي رصين، بشأن توصيف مضمون و طبيعة القضية الجنوبية، من خلال قِرَأة تحليلية عميقة للأسباب و العوامل التي أنتجتها بعد حرب صيف 1994م، و كذلك ما أضافتهُ المُمارسات الهوجاء التي ساهمت في تطورها لتصبح قضية سياسية بامتياز، من دون أن يُغفل ما شهدته القضية الجنوبية مؤخراً من أنفراجات حقيقية، بفعل التوافقات الأخيرة التي تم الوصول إليها بفضل مؤتمر الحِوار الوطني الشامل .
المحور الثاني شؤون المُستقبل :
يحتوي هذا الجانب على أبرز (ما يخُص المستقبل ) تحديداً و بكثير من الوضوح، حيث يمكننا أن نرى تحيَز الرفيق “أنيس حسن يحيى “ لجهة نشأته السياسية كقائد ليبرالي، عبر إصراره و تأكيده على ضرورة امتلاك الحزب الاشتراكي لرؤية إستراتيجية، تُمكنه من تقديم مُقاربة واقعية تُحدد ملامح المُستقبل المنظور على أقل تقدير، باعتبار الحزب الاشتراكي أحد أهم روافع المشروع الحداثي اليمني، مُشيراً بحذر
وواضعاً أمام رفاقه جُملة من المُعيقات، التي احتشدت في وجه هذا المشروع و هي كما يلي :
1 ـ غياب الدولة بسبب من “هَشاشتها” و بؤس منظومة الحُكم الحالية .
2 ـ تعاظم نفوذ القبيلة في اليمن و تحالفها مع العسكر .
3 ـ تنامي الصِراع المذهبي “دماج مِثالاً” .
4 ـ تأخر حل القضية الجنوبية .
5 ـ تأخر حل قضية صعدة .
يقيناً نستطيع القول هنا بأن الرفيق “أنيس حسن يحي” كقامة كفاحية، و وطنية بارزة قد امتلَكَ خزيناً معرفياً هائلاً و خِبرَات نضالية ناضجة، مكَنَتهُ من الوقوف على مكامن الاختلال و جوانب القُصور، في عمل عدد من هيئات الحزب القيادية و دوائره المُتخصصة، و التي يُفترض منها بحكم طبيعة عملها و المهام التي تتولاها، زد على ذلك توافر على عدد من المُعطيات و العوامل النوعية، لعل أبرزها هو امتلاك “الخِبرة + التخصص + التفرغ”، و التي إن تم تحقيقها ستضمن كامل جُهوزيتها لإعداد و صياغة مُقترحات لتصور كامل، بأهم الرؤى و التوجهات و كذا الإجراءات الضرورية للمستقبل، فيما يخُص القضايا و المهام التي يجب على الحزب النهوض بها و النضال من أجل تحقيقها، على أن يتم تضمينها للأدبيات و الوثائق البرنامجية التي سوف يتم تقديمها، “لمندوبي المجلس الوطني” الذي يتم الإعداد لانعقاده في القريب العاجل .
المحور الثالث سِمَات تَمَيَز مرجعية :
في هذا المحور جهد الرفيق “أنيس حسن يحيى” على تأكيد، الحُضور المرجعي للتميَز الكِفاحي للحزب الاشتراكي، بشأن الحداثة كمشروع و نهج لبناء الدولة اليمنية الحديثة، كان الحزب من أبرز رافِعاته النضالية في الساحة اليمنية، بين مجموع قوى اليسار في المجتمع اليمني عُموماً، بحسب قناعاتهِ الذاتية الراسخة “كشيخ للليبراليين اليمنيين كافة” ، موضحاً ذلك من خلال الإشارة إلى تواؤم الحداثة مع مبادئ العدالة الاجتماعية، التي لطالما كانت واحدة من أهم القضايا التي رفع لواءها منذ تأسيسه، و كما حرص الرفيق “أنيس حسن يحيى” على تحديد أربعة مُرتكزات رئيسة، يشترطها المسار العام لنجاح هذا المشروع الحداثي لِزاماً، حيث أوردها كضرورات وفق ما يلي :
أ ــ ضرورة الحرص على وجود دولة فاعلة في الحياة الاقتصادية، حاضرة بقوة من خلال مؤسساتها و أجهزتها و خدماتها في أقصى حُدود الوطن .
ب ــ ضرورة قيام شِراكة جادة بين الدولة و القطاع الخاص، تكون فيها عملية التنمية المجتمعية المُستدامة هي “عمود الخيمة الرئيس”، في تلك الشِراكة النوعية و أهم محاورها.
جـ ــ ضرورة ترسيخ الديمقراطية كثقافة و سلوك مجتمعي، في كُل أرجاء الوطن و كذا ضمان كافة الحُريات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية .
د ــ ضرورة العمل الجاد إسهاماً في بناء الإنسان اليمني السويَ، و القادر على النهوض بدور فاعل لتحقيق في بناء الدولة اليمنية الحديثة، من خلال تأمين إمكانيات العيش الشريف توفيراً لكرامتهِ.
خِتـامــاً :
في حقيقة الأمر أن ما دفعني لسطر هذا المقال الذي ترددت كثيراً، قبل المُباشرة في كِتابتهِ هو “ أولاً “ حجم الإصرار الكِفاحي الذي يمتلكه الرجل، كونهُ كقامة نضالية و وطنية بارزة لها بصمات لا يمكن إغفالها مُطلقاً، ضِف على ذلك حضورهُ و مُشاركته الفعلية في الحدث و المُتغير اليومي في المشهد السياسي اليمني، بالرغم من تجاوزهِ السبعين من العمر بأعوام، أمد الله بعمرهِ و متعهُ بدوام الصحة “اللهُم آمين”، و “ ثانياً “ حجم رُسوخ قناعته الليبرالية كنهج أعتنقهُ و آمن بقيمهِ ،و لماَ يزال حريصاً على تجذيرها في أوساط مُناضلي حزبه “الحزب الاشتراكي اليمني” ، كما هي كذلك “الليبرالية” في أوساط أفراد المُجتمع عامةً، فتحية إجلال و توقير لهذا الماجد الفذ و الشيخ الجليل “ شيخ لليبرالية اليمنية “ .