وهي بذلك تنهج نفس أسلوب الاستعمار الفرنسي وتردد أمريكا وفرنسا ما كانت تقوله الأخيرة إبان الاحتلال الفرنسي أنها تسدي للبشرية خدمات ومن يحاول الترويج لهذا الادعاء من دول مثل تركيا ويمنحه شهادات براءة من التآمر على سوريا، يخرج من إطار الجاهل إلى المتواطئ.
ولن تستطيع كل مساحيق التنظيف في العالم تنظيف ولو بقعة واحدة من تاريخ تصرفات تلك الدول غير المشرفة، التي تعمل لصالح الإمبريالية العالمية وكيان العدو الصهيوني، وعليها تنفيذ ما يصدر لها من أوامر. وعندما يتوقف أو حتى يتلكأ، لأي سبب كان، عن ممارسة وظيفته التآمرية، تنتهي صلاحيته.. وهذا ما أكدته الصحف الإسرائيلية نقلا عن مسئولين إسرائيليين من أن هذه الحملة المتجددة ضد سورية كانت بإيعاز من الحكومة الإسرائيلية، فالأهداف التي تسعى واشنطن و«إسرائيل» لتحقيقها، من وراء هذه الحملة هو تقسيم سوريا وإضعاف جيشها...والغريب أن من يتباكون ويصرخون بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية هم أنفسهم أصحاب أكبر ترسانة سلاح كيماوي.
وحسب معطيات رسمية، تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 5500 طن من الأسلحة الكيميائية. ولروسيا أكثر من ذلك، حوالي 21500 طن، موروثة من الترسانات السوفياتية.. والولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى متقدمة تكنولوجيـًا تحتفظ بالقدرة على صنع أسلحة كيميائية ثنائية متطورة، وغالبا ما تكون المناورات الحربية النووية مقرونة بمناورات الحرب الكيميائية.
والعجيب أن أمريكا التي تقود حملة ضد الأسلحة الكيميائية في سوريا، تملك منها حوالي 6 أضعاف: وفقا لتقديرات المخابرات الفرنسية.. والبعض يدعي كذبا وبهتانا أن سوريا لم توقع على اتفاقية الأسلحة الكيميائية؟ وبالتالي لم تقدم حسن النوايا, رغم أن هذا أمر طبيعي لأن الأسلحة النووية الإسرائيلية موجهة نحوها مما يعد وسيلة منطقية للدفاع عن النفس.
فلقد بنت إسرائيل أيضا منذ الستينيات ترسانة متطورة من الأسلحة الكيميائية، ولكن أمرها ظل سريا، مثل أمر ترسانتها النووية، لأن إسرائيل وقعت دون ان تصدق على اتفاقية الأسلحة الكيميائية. وحسب تقرير لـ«فورين بوليسي»، مستنداً إلى وثيقة من وكالة المخابرات المركزية، فقد أجرى المركز الإسرائيلي للأبحاث البيولوجية بحوثا متقدمة حول الأسلحة الكيميائية، وهذه الأسلحة تم تصنيعها وتخزينها في صحراء النقب، بديمونة، حيث يتم إنتاج الأسلحة النووية أيضا. حتى صحيفة جيروزاليم بوست أوردت ذلك.
وحتى إن لم تحفظ إسرائيل هذه الترسانة -مثلما كتبت المجلة المتخصصة «جاينز»، فإن لها «القدرة على تطوير برنامج أسلحة كيميائية هجومية في غضون شهور قليلة. والسؤال ألا تخجل أمريكا من نفسها عندما تتكلم عن الأسلحة النووية وهي التي استخدمتها فى حسم العديد من الحروب التى دخلتها وعلى رأسها استخدام المادة الكيميائية البرتقالية في الديوكسين بكثافة في فيتنام، وقنابل الفوسفور الأبيض الكيماوية التي استخدمتها في العراق ويوغوسلافيا وأفغانستان وليبيا، واستخدمتها إسرائيل في غزة، الا تعتبر تلك أسلحة كيميائية أم لعب أطفال؟
وخلال الحرب الباردة، زاد إنتاج المواد الكيميائية وتم الكشف عن غاز الأعصاب الأكثر تسميما، المنتج عام 1961 في الولايات المتحدة الأمريكية.. وهي والاتحاد السوفياتي تملكان الترسانات الكيميائية الأضخم والأكثر فتكا في العالم رغم أن هناك اتفاقية تحظر استخدام السلاح الكيماوي وتؤسس لتدمير الترسانات الموجودة ولكن لم تدمر أمريكا ولا روسيا ترساناتها.
والغريب أن دولة مثل تركيا عميلة الامريكان وإسرائيل فى المنطقة نقلت صواريخ محملة برؤوس كيماوية من قاعدة عسكرية تابعة للجيش التركي باتجاه دمشق... وكل ما يحدث الآن ينصب في حقيقة واحدة هو أن أمريكا وروسيا منذ انعقاد مؤتمر جنيف فى يونيو 2012, اتفقتا على تقاسم الشرق الأوسط فوق أنقاض اتفاقية سايكس- بيكو ودعم ذلك توقيع كل من نيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون معاهدة لانكاستر هاوس التي وضعت قوات التدخل السريع, أي قواتهم الاستعمارية, في كلا البلدين تحت قيادة مشتركة.. ومن خلال الدعم القطري والتركي, تكتمل تمثيلية الشرق الأوسط التي تلعب فيها أكذوبة الأسلحة الكيماوية دور البطولة مستكملة ما حدث فى العراق بالكلام عن النووى.
ونفس الشىء حدث مع ليبيا التى سقطت تحت ضربات القصف الجوي لقوات التحالف الدولي. والغريب أن كل هذا يحدث بزعم الديمقراطية لذلك لم يكن غريبا ما قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند من أن الحرب في سوريا تهدف إلى إرساء الديمقراطية. وطبقا لكلامه, ينبغي على الغرب أن يحمل إلى السلطة في دمشق رجالا ديمقراطيين سوريين.
وهذا الادعاء السخيف, يفسر غطاء اللعبة الدولية لهذه الحرب فالاستعمار في القرن الحادي والعشرين يرتدي حلة الديمقراطية.. ولكنه في النهاية يقسم العالم, كمناطق نفوذ لأمريكا وروسيا, وفقا لمكانة كل واحدة منهما... واعتقد أنه في الأيام القادمة ستخرج أمريكا وعملاؤها من جرابها ثعبانا جديدا يتحرك في المنطقة فجراب الخسة والعمالة مليء بالعديد من الحيل وخاصة ان الاحلام الاستعمارية الاستيطانية لا تيأس أبدا فى ظل وجود دول فى المنطقة على شاكلة تركيا وقطر.