إلا أنه وللأمانة - بكل أسف شديد في الفترة الراهنة - مع هذه الحرية عشنا أشكالاً وألواناً من خطايا الصحافة الصفراء التي لم يكن لها هم ولا شاغل سوى تقديم وجبات ساخنة من السب والكلام الفارغ غير المسؤول والتهويل والتشهير الذي يستند إلى الأكاذيب ويبتعد عمداً مع سبق الإصرار والترصد عن الحقيقة.. عشناها وعشنا المآسي التي تكبدها ضحايا هذا النوع من صحافة الإثارة والتجريح التي كانت أشبه بمدافع آلية توجه طلقاتها إلى الأبرياء وتحصد من أرواحهم شرفهم وسمعتهم أو تشوه سيرتهم وتاريخهم ، وهي نتائج كثيراً ما يكون القتل أهون على الناس منها، فالقتل قد يطويه الزمن في دفاتر النسيان أو مع تجدد الأحداث ، لكن سمعة الإنسان وشرفه يبقيان على كل لسان حتى يصلا إلى أحفاد الأحفاد .
ولم تحاول الجهات الإعلامية المعنية في بلادنا مواجهة هذه الظاهرة بتوجيه الإنذار والتحذيرات بل لزمت الصمت وكأنها لم تسمع أو تفهم أو ربما أنها وضعت في إحدى إذنيها طيناً وفي الأخرى عجيناً وتركت الحبل على الغارب.
وكان هناك - أيضاً - من هم أخطر، وهؤلاء هم الذين حاولوا الربط بين خطايا الصحافة الصفراء وحرية الصحافة ، وتناسوا أبسط مفاهيم الحرية التي لم تشرع في أي دولة من دول العالم لتسود الفوضى وإنما لتحترم الحياة الخاصة للناس وعدم الاقتراب منها إلا في حدود معينة وشروط محددة، أبسطها الصدق في المعلومة والعفة في الأسلوب والأداء وعدم التجني والابتعاد عن الابتزاز كأسلوب من أساليب جلب الإعلانات أو تصفية الحسابات! صحافة هات وإلا.. !!
رغم قسوة ما ارتكبته صحافة الإثارة الصفراء في بلادنا فإن الدولة وضعت من النصوص القانونية ما تحمي به الأبرياء دون أن تمس حرية الصحافة من قريب أو بعيد، لأن تلك الحرية من المبادئ التي تحرص عليها القيادة السياسية في بلادنا ممثلة بالأخ رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي ويحميها بنفسه من المتربصين بها والمحاولين الانقضاض عليها.. كان يمكن للدولة من الأساس الا تتدخل بأي شكل من أشكال التدخل لحماية الأبرياء لو أن ميثاق الشرف الصحفي تم تفعيله من هذا الوقت وأصبح الصحفي.. يخشى محاسبة نقابته بنفس القدر الذي يخشى به الحبس إذا ما تورط في قضايا تحت طائلة القانون الذي يحمي من فوضى الحرية، لأننا ندرك جميعاً في بلاط صاحبة الجلالة أنه كما يعلم المال السائب السرقة فإن الحرية السائبة تعلم الفوضى لكن لا: على ما نظن وحسب يقيننا أن في بلادنا لا نقابة تتحرك ولا ميثاق الشرف يتم تفعيله نحو هذه الصحف المخالفة وخاصة الصحف التي ظهر لها لون آخر من ألوان الصحافة كل مهمتها أن تصيب القراء والمواطنين بالإحباط واليأس والخوف من الغد وهي الصحافة التي لا اجد تسمية لها سوى - صحافة هات وإلا ..! الصحافة السوداء التي ما إن تقرأها من الغلاف إلى الغلاف حتى تشعر أن بلادنا ضاعت وعليه العوض! هذه الصحافة صار لزاماً عليها أن تستمر في غيها وهوسها وتسرع من رتم إيقاعها وتوسع من دائرة نشاطها بحثاً عن أرقام توزيعها لتعوض جزءاً من خسائرها فراحت تشكك الناس في كل شيء وأي شيء، تهاجم بضراوة الحكومة.. أي حكومة .. مهما كان أداؤها وكانت إنجازاتها .. بل طالت أقلامها الرموز وحاولت أن تسخر منها وتقلل من شأنها وتطاردها بالأكاذيب، وكان على هذه الرموز أما أن تصمت فتعطي المصداقية لهذه الصحف أو تتحرك لوقف هذه المهزلة، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وأنا شخصياً لا أحبذ قيام المتضرر من الصحيفة بذلك لأنه في حالة وأن قام فسوف تقيم الصحيفة عليه الدنيا ولن تقعدها وسوف يسمع كلام الترهات مثل الاعتداء على حرية الصحافة وسوف تزداد قوة في الوقت الذي تزداد فيه حدة النقد في بعض الصحف المستقلة ويصل إلى ابعد مدى يمكن أن يتصوره إنسان دون أن يتعرض مسؤول واحد في هذه الصحيفة للوم أو عتاب، لأن الهجوم أو النقد طالما كان بعيداً عن التجريح والكذب والافتراء كانت الصحيفة التي تقدمه تتمتع بكل حصانة الحرية مهما اختلفت سياسة الصحيفة مع سياسة الدولة أو تناولت في نقدها رجالات الدولة.
من أين أتت نبرة الاعتداء على حرية الصحافة! وعندما تترجم كل هذا الكلام إلى حقائق لايختلف عليها اثنان نجد أن :
- حرية الصحافة مصونة ولا تمس البلاد طالما التزمت الصحف بالصدق وابتعدت عن التجريح الشخصي وهذا ما تفعله كل بلاد العالم المتقدمة.
- حرية الصحافة في العالم كله تعني في المقام الأول حرية تداول المعلومات وربما كانت بعض أجهزة الدولة مقصرة في هذا المجال وعليها أن تراجع نفسها فوراً في الوقت نفسه الذي تراجع فيه نقابة الصحفيين نفسها الأخرى.
- الصحافة السوداء ( الموتورة ) التي ولدت من رحم الصحافة الصفراء لم تقدم خيراً لهذا الوطن وإنما ستنشئ جيلاً من القراء يكره وطنه ويكره نفسه ! ما لم تسرع هي الأخرى إلى توفيق أوضاعها وتبتعد عن النظر إلى الأحداث بعين واحدة، فهي إذا استخدمت عينها الثانية سوف ترى من الحقائق التي أغفلتها ما يستحق أن تبشر به الفقراء ، وتقدم من خلاله شعاع الأمل.
لا نحن ولا الدولة نؤيد الاعتداء على الأبرياء والتجريح المستمر (عمال على بطال).
اليمن الآن في أشد الاحتياج إلى صحافة بيضاء بلون قلوب اليمنيين الشرفاء الذين هم المجني عليهم الأول في هذه القضية. تكالبت عليهم الفوضى من المتخلفين قطاع الطرق لخطف الأبرياء والاغتيالات ونهب أموال الدولة من قبل الفاسدين والأعمال الإجرامية من نسف وتخريب أنابيب النفط وإسقاط الطائرات وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.