حاولت الجماعة أثناء فترة حكمها أن تقوّض كل أركان ومؤسسات الدولة، وبثت فيها جحافل من كوادرها وخلاياها النائمة فيما عُرف بـ«الأخونة». وعندما أطاحت ثورة 30 يونيو برئيسها ونظام حكمها، جن جنونها وأصيب كهنتها بلوثة، فقرروا هدم المعبد على رؤوسهم ورؤوس الجميع. فتحت الجماعة نيرانها على كل أخضر ويابس، واستخدمت في حربها ضد الدولة المصرية أقذر أساليب الحرب وأشدها إرهاباً وخطراً على فطرة المصريين و«تماسكهم»، المنصوص عليه قرآناً وسنة، ولعلك تلاحظ أن التهم الموجهة إلى كوادرها بعد سقوطهم تباعاً في قبضة أجهزة الأمن تتراوح بين الخيانة العظمى والتحريض على القتل، ومن ثم يواجه أغلبهم أحكاماً قاطعة بالإعدام، وعلى رأس هؤلاء بطبيعة الحال محمد مرسي ومرشده وشاطره.
لم تستطع الجماعة كسر إرادة المصريين التي تجلت في ثورة 30 يونيو، بل على العكس: اتسع نطاق المواجهة لينضم إليها مواطنون عاديون، على غرار ما حدث في بعض محافظات الدلتا، مثل المنوفية والدقهلية والغربية، وبقدر ما كبَّدت الدولة من خسائر، فقد فقدت تعاطف الجميع بمن فيهم أشد حلفائها خوفاً عليها وعلى مصيرها السياسي، ولم يعد مقبولاً -لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي- أن يكون لها مكان بين المصريين، واضطر دعاة المصالحة و«حرمانية الدم» والمدافعون عن قدسية المسار الديمقراطي إلى تغيير جلدهم حفاظاً على مكتسباتهم أو العودة إلى جحورهم ريثما يستقر غبار المعركة، فقد لوحظ، على سبيل المثال، أن ثمة تغيراً واضحاً في خطاب الدكتور معتز بالله عبدالفتاح الذي أحيطت مواقفه السابقة بظلال من الشك، سواء خلال المرحلة الانتقالية الأولى أو خلال فترة حكم جماعة الإخوان، في حين اشتكى طفل الليبرالية المدلل عمرو حمزاوي -عبر صفحته على «تويتر»- من التضييق عليه إعلامياً بحجة أن «أصوات الدولة الأمنية، والتشويه الزائف المعتاد لكل مدافع عن الحريات وحقوق الإنسان تمنعه من الظهور في وسائل الإعلام».
يمكن القول إذن: إن الجماعة استنفدت الكثير من حيلها دون جدوى، ولم يشفع لها إرهابها في ظل إصرار جموع المصريين على تحمل تكلفة هذه الحرب والتفافهم حول «فكرة الدولة»، خاصة في تجليها الأهم، ممثلاً في جيشها وشرطتها، كما أن الظهير الأوروبي والأمريكي للجماعة بدأ يعاني هو الآخر من تصدعات، يمكن الاستدلال عليها بتصعيد إدارة «أوباما» لموقفها مما يجري في مصر، وربطها بين الحالتين السورية والمصرية، الأمر الذي يؤكد أن ثمة إحساساً لدى هذه الإدارة بأن «الجماعة» بدأت تعاني سكرات موت لا تخطئها عين، وهكذا لم يبقَ لـ«الجماعة» سوى تكثيف هجومها على «ثورة 30 يونيو».
يصر الإخوان من البداية على أن «30 يونيو» كان «انقلاباً» وليس «ثورة»، وهي مغالطة سافرة لا تستند إلى أى أسانيد نظرية أو عملية، وخلال فترة الاعتصام التي استمرت نحو شهر ونصف الشهر أدرك خطباء منصة «رابعة» أن من العبث الحديث عن عودة تبدو مستحيلة لـ«معزولهم»، فأوعزوا إلى معتصميهم بضرورة الاحتكام إلى شعارات وأهداف ما يسمى «ثورة 25 يناير»، وتواكب ذلك مع خطاب تحريضي يتهم «30 يونيو» بأنها ثورة «فلول» نظام «مبارك»، ورغم أن عملية فض اعتصامي «رابعة» و«النهضة» تمت بأقل قدر من الخسائر، فقد اعتبرها الإخوان إرهاصاً بعودة «الدولة البوليسية»، وبدأ حلفاؤهم من «مرتزقة 25 يناير» يطلون برؤوسهم من جديد، رافعين شعارهم القديم نفسه، وإن كان أضيف «الإخوان» إلى «العسكر»، مساوياً بينهما في فعل «يسقط»، وهي حيلة ساذجة تنطوي على خبث وسفالة سافرين! ثم جاء الإفراج عن «مبارك» وكأنه طوق نجاة لـ«الجماعة» وحلفائها، وانتفض هؤلاء المرتزقة، مضافة إليهم كيانات جاهلة، خائنة بالثلث مثل أولئك الذين يسمون أنفسهم «تياراً ثالثاً» و«اشتراكيين ثوريين»، بحجة أن الإفراج عن «مبارك» يبشر بعودة نظامه بكل مؤسساته الفاسدة القمعية، وواقع الأمر أن الهدف من الضجة التي يثيرها هؤلاء الخونة ليس تخويف المصريين من عودة نظام «مبارك»، على الرغم من أنه يبدو الآن أقل سوءاً بكثير من نظام حكم الإخوان، لكن الهدف بكل تأكيد هو إجهاض ثورة 30 يونيو، فكل المعطيات تؤكد أن من المستحيل العودة إلى أي من هذين النظامين، اللذين ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنهما وجهان لعملة واحدة، والمكسب الحقيقي لـ«30 يونيو» ليس فقط الإطاحة بكليهما، بل استعادة المصريين لـ«دولتهم».