أثناء تلك الثورات تجاوزت «الجزيرة» دورها المهني لتصبح طرفًا في الصراعات، تنتقي الأخبار والضيوف والأحداث بحسابات أجهزة المخابرات، لترسخ صورة ذهنية لدى المتلقي، تخدم طموحات أطراف بعينها، ومع بداية الحراك السياسي في مصر ضد نظام الرئيس الأسبق مبارك، أطلقت الجزيرة قناة خاصة باسم «مباشر مصر» كانت لها خياراتها الانتقائية لدرجة أنها لم تكن تستضيف سوى المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، وأحيانًا بعض الليبراليين أو الناصريين من باب «سدّ الذرائع»، وكان مقدمو البرامج غالبًا ما يساندون رؤية الإسلاميين ضد خصومهم، لم تستضف «مباشر مصر» مئات من الشخصيات المدنية ولدي قائمة طويلة أتشرف أنني أتصدرها، بل لم تستضفني شبكة الجزيرة برمتها سوى برنامج وحيد هو «الاتجاه المعاكس» الذي يقدمه الإعلامي المحترف فيصل القاسم، لكن ما دون ذلك لم يحدث أن شاركت في هذه القناة.
قبل أيام حدثني الأخ فيصل القاسم للمشاركة في «حلقة مسجلة» من برنامجه الذي كان يُبث على الهواء عادة، كما تغير موضوع الحلقة، وأخيرًا وقعت الواقعة، فإذا بقناة الجزيرة مصر هي الوحيدة التي تتبنى ممارسات الإخوان بتغطية احتجاجاتهم حصريًا، مما اضطر المذيعين والمراسلين لتقديم استقالات جماعية.
لم يعد هناك وقت فكلها ساعات خلالها يجب حسم أمري، فاستشرت من أثق بهم، وتابعت وملايين غيري عدم مهنية الجزيرة مباشر مصر، وأنها سخرت كل إمكانياتها لمناصرة جماعة الإخوان خاصة في محاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري، فقد استبقت الجزيرة التحقيقات وانحازت لأنصار المعزول، وحاولت أن تظهر المقتحمين كأنهم ضحايا، ولم تفسح المجال لأحد ليرد على هذه الأكاذيب المختلقة فقد شاهدنا الأحداث بعيوننا، دون ادعاء بطولة ولا عنتريات، وجدتني أمام خيارين: إما أن أذهب للدوحة للمشاركة في فضائية تحولت لبوق إخواني، أو أن أعتذر للأخ فيصل القاسم، وبالطبع كان الخيار محسومًا، فلا أعاني «تورم الذات»، لكن أعترف بالحساسية المفرطة تجاه كل ما هو مصري.