وما دام الأمر كذلك فالوعود التي يطلقها فقهاء ومنظرو الإسلام السياسي باعتبار الديمقراطية منهجاً للحكم وضمان حقوق الإنسان وسيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس وتطبيق مبدأ الحكم الرشيد وكلها تمثل هماً نضالياً يومياً لفئات المجتمع وقيماً إنسانية سامية لا يمكن أن تكون نتائج لممارسة خاطئة لهذه الجماعة أو أي جماعة دينية تصل إلى الحكم لعدة أسباب:
السبب الأول: الديمقراطية منهج في الحكم وصلت إليه البشرية بعد نضال مرير وقاس مع الاستبداد الديني والسياسي لأنظمة الحكم البطريركية والعسكرية، تفتق هذا النظام عن العقل البشري وابتدعه الإنسان من أجل اختيار منظومة الحكم على أساس برامجي تهدف إلى تحسين الأداء الإداري والوظيفي والمشاركة المجتمعية في تسيير الدولة والمجتمع.
وهذه الجماعات تستند إلى الحق الإلهي وإلى نصوص دينية جامدة تحتكر الحقيقة وتعتبر البشر ناقصي الأهلية ولا يعرفون مصالحهم وأن خالقهم هو الأعرف باحتياجاتهم ومن يمثل هذه الاحتياجات هم أصحاب الحل والعقد ولذلك رفعوا شعارين هما «الحاكمية لله»، و«الإسلام هو الحل» مستندين إلى نص «إن الحكم إلا لله».
ورفعهم لشعار الديمقراطية رغم الجدل الكبير الذي دار ويدور في أوساط تلك الجماعة يمثل موقفاً انتهازياً من أجل إحكام السيطرة على الدولة والمجتمع بعد شراكتهم للأنظمة العسكرية التي تحالفوا معها لإجهاض المشاريع الحداثية التي رفعت في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، واستفادوا من هذه التحالفات في تحقيق ثروات وامبراطوريات مالية ضخمة وتمدد وتوغل في كل مرافق الحياة، وبعدها انقلبوا على تلك الأنظمة مستغلين تذمر ورفض الناس، وفساد أنظمة الحكم السابقة المشاركين في صناعته وفي كلتا الحالتين كانوا هم الرابحين، ربحوا الفساد وكسبوا الثورة عليه، وأفضل مثال على ذلك اليمن، فلم يكن الإخوان المسلمون يوماً في الصف المعارض للنظام السياسي المتعاقب منذ 1962م وحتى 2011م ولم يتعرضوا للسجن أو الملاحقة، بل كانوا هم السجانين ومليشيات الموت التي عملت على تصفية الكوادر الوطنية في المؤسستين العسكرية والأمنية والقطاع المدني.
وفي 2011م بعد انقلابهم على حليفهم السابق الجنرال علي عبدالله صالح كانوا هم من استفاد من الحراك الشعبي فتحولوا إلى نزهاء وشرفاء ولبسوا ثوب الفضيلة والنزاهة.
السبب الثاني: أن رفع شعار الالتزام بحقوق الإنسان من قبل جماعة الإسلام السياسي لأمر مضحك وشر البلية ما يضحك، فلم يصل إلى مسامعنا ولو حالة واحدة لأكثر من ألف وخمسمائة عام حفظ حق إنسان، ولنا في تاريخ الحروب دلائل، فعند المواجهات وبعد الانتصار يقتل الرجال وتسبى النساء ويستعبد الأطفال وتصادر الأموال وما أجملها من حقوق.
وفي التاريخ المعاصر كان تفاهمهم مع خصومهم إما بتكفيرهم أو اغتيالهم، فقد كفروا الحلاج وابن رشد وغيرهما وقتلوا النقراشي باشا والسادات وعلى محمود محمد طه، وذو الفقار علي بوتو ونجيب الله وجار الله عمر وقائمة طويلة من الضحايا ولا يتسع كتاب من ألف صفحة لكشف زيف هذا الشعار.
السبب الثالث: رفع شعار سيادة القانون كذبة مفضوحة، فالقانون الذي سيسود هو قانون الإلغاء والإقصاء والثأر من الخصوم المخالفين لهم في الرأي أو المعتقد، ولنا في محاولة مرسي تدمير القضاء المصري دليل والتفجيرات للكنائس والمعابد الأخرى دليل آخر وما حصل ويحصل في العراق من قتل جماعي للطائفة المسيحية وتهجير وتطهير عرقي لها، والإبادة الجماعية في احتفالات الطائفة الشيعية في النجف وكربلاء والعبوات الناسفة المزروعة في الحسينيات ومراكز ودور العبادة من قبل الجماعات التكفيرية شاهد على سيادة القانون الذي يتغنون به، ولن نذهب بعيداً فالتفجيرات التي حصلت أثناء قيام أنصار الله باحتفالات عيد الغدير في الجوف وصعدة والحملة الشرسة واللعن لهم من على منابر المساجد، ألا تعني نوع وشكل القانون الذي سيسود؟.
السبب الرابع: شعار العدالة الاجتماعية المرفوع!! ما هو شكله وما نوعه؟ هل يعني التوزيع العادل للثروة؟ أم تقاسم الثروة كلها فيما بينهم انطلاقاً من شعار المرجع التاريخي لهذه الجماعة «الشيخ حسن البنا» هل تكون معي نغرس البذرة فنتعهدها بالرعاية لتنمو ومن ثم تثمر فنتقاسمها معاً؟.
أم سيكون نوع العدالة الاجتماعية أن نجوع نحن معشر العامة من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي لأمراء هذه الجماعة، وهنا أتذكر خطبة جمعة لأحد شيوخ جماعة الإسلام السياسي في أحد جوامع الخرطوم عند إعلانه وتوجيهه للمصلين بالصبر وشد الأحزمة والجوع لمواجهة العدو الأمريكي المناهض للمشروع الحضاري الإسلامي الذي تتبناه السودان بقيادة المشير البشير، فقام أحد المصلين مخاطباً الناس بالقول: «يا جماعة الزول الواقف أمامكم ينصحكم بربط الأحزمة والقبول بالجوع في أمس الليل كان في السوبر ماركت يتعازم مع رجل آخر مولانا مثله ويتسابقان من سيدفع مليون دينار وهي قيمة مشتروات مولانا ذا وكل واحد يحلف بالطلاق أنه هو الذي سيدفع، وأنا أقول لكم وعليا الطلاق بالثلاثة أن هذا ما حصل بالأمس» (انتهى الكلام).
السبب الخامس: إن شعار المساواة بين الناس هو الآخر أكثر الشعارات زيفاً ومجافاة للحقيقة، وقد ظهرت المساواة في التعيينات الوظيفية التي حدثت بعد توقيع المبادرة الخليجية وفي معالجة الجرحى، وحتى في الشهداء كنت أسمع وأنا في ساحة الجامعة بصنعاء عن استشهاد أحد المواطنين يقول لك أحدهم هذا الشهيد الحافظ فلان. وهنا أسأل ما الفرق بين شهيد دفع أغلى ما يملك وهو حياته ودمه وشهيدهم الحافظ؟! أليسا متساويين في البذل والعطاء؟!
أما المساواة بين المواطنين فمشكلة أخرى، فمن لا ينتمي إلى هذه الجماعة لا يمكن مساواته بمن ينتمي لها، فكل واحد ينتمي لهم نزيه, وشريف, ونظيف, يتسم بالطهر والنبل ويمتلك الحقيقة المطلقة، والآخر بلطجي، ومندس، وأمن قومي، وعميل، وضلالي، وفاسد، ومرتزق.
ومن يشغل الوظيفة العامة وليس عضواً في جماعتهم فاسد ومرتش ولص وفاشل، ولو كان نظيف اليد والذمة وطيب السمعة، والفاسد والعابث بالمال العام وعديم الضمير والأخلاق وينتمي لهم طاهر مطهر من الأدناس والتهم، وأن ما يشاع حوله ما هو إلا مؤامرة ضد دولة الإسلام وقيام دولة الخلافة، حتى القاتل منهم والسفاح والمجرم لم يقتل إلا بأمر الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، وحادثة اغتيال الشابين (أمان والخطيب) من قبل أحد قيادة الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح واستماتة وسائل إعلام الحزب المقروءة والمرئية في تجريم الضحايا وتبرئة المجرم خير دليل.
السبب السادس: الحكم الرشيد والحكم الرشيد بحسب المعايير الدولية هو الحكم القائم على الشفافية وخضوع منظومة الحكم للمراقبة الشعبية ومراقبة منظمات المجتمع المدني ومن ثم محاسبة الفاسدين وعزلهم من المواقع التي يتولون القيادة فيها، وعدم إفلات أي شخص مهما كان الموقع الذي يشغله من العدالة، بالإضافة إلى عدالة توزيع الثروة والسلطة بين المواطنين الشركاء في الوطن وتحقيق تنمية مستدامة تشبع حاجات الناس وتحقق لهم الرفاة الاقتصادي، كما يضمن صيانة حقوق الإنسان وحريته في التفكير والتعبير والمعتقد.
أما المعايير التي يؤمن بها أفراد وأمراء جماعة الإسلام السياسي فهي معايير لا تستند إلا إلى موالاة الجماعة والعمل وفقاً لرؤاها الفكرية والإخلاص لمعتقداتها ولا رقابة على من يتولى منهم الحكم، لأنه سيكون محصناً من المساءلة وأهم شرط أن يكون مطيعاً لأمر وتعليمات المرشد، ولنا في تجربة مرسي خير مثال، فعند إصدار قراراته الخاصة بإقالة النائب العام المصري حصن جميع قراراته ضد النقض من قبل المحكمة الدستورية وإصدار فتوى لتكفير المتظاهرين ضد حكم الإخوان، وتعسفات الإخوان واعتبار من يخرج متظاهرا أو معترضاً مهدوراً دمه بفتوى شرعية.
وما حصل في اليمن من تكفير للعديد من الناشطين والناشطات واجتماع سبعين عالماً إخوانياً وإصدار فتوى تكفير بحق بشرى المقطري دليل على مفهوم الحكم الرشيد لدى هذه الجماعة، كما أن اجتماع ما تسمى بهيئة علماء اليمن في 13 /4 /2013م وإصدار فتواهم بعدم جواز الاستماع لتقارير منظمة العفو الدولية ورفضهم لتقاريرها يدل دلالة واضحة على نوعية الحكم الرشيد الذي سيطبقه أمراء وشيوخ هذه الجماعة.
إن الحكم الرشيد هو الاستبداد الديني بأبشع صوره إنه حكم الملا عمر وعمر ابن كلثوم والمحاكم الإسلامية في الصومال.
وعليه فإن إشكالية مفهوم الدولة عند جماعة الإسلام ليس هو وليد الصدفة وإنما هو مرتبط بالمفهوم القديم للدولة ومبدأ الولاء والبراء الثابت في أدبياتهم وعدم القدرة على الخروج من شرنقة التراث الجامد والعاجز عن استيعاب حركة التاريخ وتغيير أولويات الاحتياج للناس وللحياة وبقاء هذه الجماعة حبيسة لفكرة الثبات للأشياء وهي بهذا الفعل تؤكد حقيقة تاريخية تقول أن أي دولة دينية وفي أي مكان وزمان لم تكن إلا عنواناً للقهر والصلب والقتل وبذلك لا يمكن لمن يحمل هذه المسلمات أن يتحول إلى عنوان للديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة ويعمل على بناء وإقامة دولة الحكم الرشيد.
وخلاصة القول أن ما هو حاصل ما هو إلا استمرار لمفهوم الدولة عندهم واستمرار لمثلث الرعب (الدين والجنس والسياسة) للتحكم في مصائرنا وبقاء التراث المستند للأشباح ومحاكاة الموتى هو المسير لحركة التاريخ.
*عضو مؤسس في الحزب الليبرالي اليمني.