هذه الكلمة القدسية التي امتلأ بها اليراع من دمنا حباوً وفاء ليخطها على سهول وحقول أيامنا ،ـ فتغدو جنات وأعناب، وإن كانت رمالا وهضاباً ، فلا نحس بالكلل او الملل ونحن نرتع فيها، وتختلط ذرات أجسادنا بحبات أديمها الأسمر ، فتنبت فيها جبال من الآمال وتزهو بكبرياء ما بعده ، وكأنها تتحدث بلسان حالنا ، وتعانق السماء زهواً وكبرياء، تماماً كفخرنا المتزايد والعظيم ، وعزة نفسنا التي لا تنثني منذ الأزل ، فتجدها تلتقط لنا بعضٍ مما يمرّ عليها أو يرتطم بها من سحابٍ لتهديه إلينا حتى نرتوي منه ونروي ضمأ تلك البقاع الساخنة ، فتخضر أيامنا ونزداد التصاقاً بتلك الأرض التي لا تبخل علينا ونحن على سطحها ولا تعاتبنا عن أي تقصيرٍ إذا أحتوتنا عند الرحيل إلى جوفها ..
الوطن معنىً كبير لا تستطيع احتواءه الكلمات، ولا القصائد والأشعار ، فهو يزداد اتساعاً على طول وعرض مساحة تلك الأرض ويعلو حتى يتجاوز حدود المعقول .
ولك أن تحاول التأني قبل أن تتهجم على أي تعبير ضئيل لا يعطي هذا المعنى حقه ، لاسيما وأنا ذلك الضعيف الحال ، الأكثر خجلاً عن التجرؤ بالكتابة عن كلمة واحدة ، توارت المعاني والأسطر في معاجمها عن الظهور حتى لا يتملكنا الغرور ..
حاول أن تمتطي صهوة المكان للترحال روحاً لا جسداً إلى بعض بقاع الأرض - مهما بعدت - ومهما كانت طبيعتها وتضاريسها الطبيعية والسياسية .. ثم أدنو من طبيعتك البشرية قليلاً، تعايش أمثالك من الأقوام بكل عاداتهم وأخلاقياتهم، وكن محكوماً - كسواهم - من غير بني جلدتك .. واضغط وبشدة على كل تطلعاتك في الحرية والإحساس بالكرامة مقابل الحصول على أدنى شعور بالحرية التي لم يكن ينافسك فيها أحد عندما كانت تحاصرك سياج البقعة التي غادرتها، وقد احترقت الكلمات في جوفك قبل أن تقذفها في وجه كل من بدأ في التهكم أو سلب بعض مما كنت تعتقد أنه جزء من الحرية معنا وحولنا دون أدنى تفكير بالسن أو المكانة الاجتماعية أو حتى تلك الوريقات الذابلة من أوراقك الثبوتية التي لا تعني لهم شيئاً سوى أنك لاجئ أو مغترب أو باحث عن مال أو قوت شح عليك في رقعتك الجغرافية التي غادرتها إليهم ..
ولك - بالتأكيد - في هذا المنوال حكايات وأساطير لا يمكن توقعها في أرض المهجر ، وحتى في أرضٍ أقرب الأشقاء إليك .. في تلك البلد الطيبة والرب الغفور ، وأمن ينهش في أجساد أبناء جلدتك ويطارد أحلامهم ويقتل كل تطلعاتهم حتى في أبسط مقومات الحياة المعيشية ..
حقيقة أنه لم يكن لنا الحق قط أن تزكم أنوفنا أكوام الأوراق المالية المكدسة في خزائنهم ، والتي يتفاخرون ببعثرتها على أسيادهم في البقاع الغربية والشرقية من هذا الكون تلافياً لسقوطهم المروع الذي يخشونه ، فيمطرون بها كل من يمتلك القوة والقدرة على الدمار لحمايتهم ، أو على بريق الأجساد الأنثوية التي يعبثون بها في بعض البلدان التي آثرت أن تقايض تلك الوريقات بأجساد فاتناتها وأجمل صباياها ..
قم يا صديقي برحلة لذاتك في ذاتك ، وتحسس كم هو جميل وعذب طعم الكرامة على أرض وطنك، وأنك تمتلك هنا كل مفاتيح الأمل، وبإمكانك التزود بأقوى العزائم والهمم لإعادة بناء ذاتك التي حاولت الأيام تهديم أو بعثرة بعض محتوياتها ، فأنت القادر الأول على ذلك، رغم كل ما نعانيه من نتائج وهمجية ولاة أمورنا التي قد تشبعت أدمغتهم الأسفنجية بامتصاص عصارة أيامنا ، وانهارت لديهم كل المعاني السامية لكلمة وطن التي استخدموها مطية للحصول على كل ما هو لنا نحن الأغلب والأعظم ، نحن الذين نعرف الوطنية أكثر بكثير من تصريحاتهم الحمقاء التي يتشدقون بها داخل وخارج حدود هذا الوطن !!