تتلخص رؤية المؤتمر الشعبي العام لهاتين القضيتين باقامة دولة اتحادية لا مركزية متعددة الأقاليم تحكمها هيئات سيادية وحكومات محلية ، فيما جاءت رؤية الحزب الاشتراكي اليمني عائمة ومتناقضة ، فهي تدعو الى بناء دولة مركزية متعددة الأقاليم ، من جهة ، فيما تدعو الى معالجة القضية الجنوبية من خلال اقامة دولة اتحادية لا مركزية مكونة من اقليمين وبما يعيد الاعتبار لشراكة الجنوب في الوحدة من جهة أخرى . اما حزب التجمع اليمني للاصلاح فهو لا يخفي من خلال خطابه السياسي والاعلامي رفضه المطلق لاقامة دولة اتحادية سواء من اقليمين او عدة أقاليم ، محذرا من ان التوجهات الرامية الى اقامة دولة لامركزية سوف تؤدي الى حرب أهلية تنتهي بتثبيت الشكل الحالي للوحدة في ظل دولة مركزية !!
لا يختلف اثنان حول أن الحزب الاشتراكي اليمني وحزب التجمع اليمني للاصلاح شاركوا مستويات مختلفة في صناعة الأزمات التي اندلعت خلال الفترة الانتقالية 1990 ـــ 1993م تحت تأثير الاستعجال في توحيد دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا بطريقة عاطفية وعفوية في اطار دولة اندماجية واحدة ، وصولا الى قيام مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية في حزبي المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للاصلاح بتفجير حرب 1994 التي نتجت عن تلك الأزمات ، وشكلت بوقائعها ومخرجاتها انقلابا على الوحدة .
ومن نافل القول ان عددا كبيرا من القوى السياسية أدان تلك الحرب ونتائجها ، وطالب السلطة الحاكمة سابقا ولاحقا بازالة النتائج الخطيرة التي شوهت صورة الوحدة، وايقاف سياسات وممارسات النهب والضم والالحاق التي أنهت شراكة الجنوب والجنوبيين في دولة الوحدة .ثم انضم الاخوان المسلمون في حزب التجمع اليمني للاصلاح لادانة الحرب ونتائجها ـــ من خلال تحالف أحزاب ( اللقاء المشترك ) ــــ بعد خروجه الشكلي من السلطة عقب فشله في انتخابات 1997م البرلمانية ، وحصول المؤتمر الشعبي العام على أغلبية تمكن بموجبها من تشكيل حكومة منفردة . لكن حزب التجمع اليمني للاصلاح أدار وجهه وظهره باتجاه معاكس ، بعد توقيعه على المبادرة الخليجية ومشاركته في الحكومة الانتقالية التي ترأسها المعارضة، واندفاعه لفرض سياسة أخونة الدولة بعد ان توهم الاخوان المسلمون أو شـُبـِّـه لهم بأن السلطة والثروة والقوة أصبحت قاب قوسين أو أدنى في متناول اياديهم !!
واللافت للنظر ان أحزاب ( اللقاء المشترك ) حرصت قبل وصولها الى نصف السلطة بعد البدء في تطبيق المبادرة الخليجية أواخر عام 2011م على تبني مطالب الحراك الجنوبي الى حد الاعتراف بأن الجنوبيين لم يعودوا شركاء في الوحدة بعد حرب 1994م ، حيث أصبحوا (كماً مهملاً) بعد أن تخلوا عن دولتهم ودمجوها بدولة الوحدة طوعاً بحسب هذا الخطاب.
في الطريق إلى الوحدة لم يكن الحزب الاشتراكي اليمني يتعامل مع مصير سكان المحافظات التي كان يحكمها كممثل لهم من واجبه أن يتحمل المسؤولية التاريخية عن مصائرهم، بل أنّه كان يبالغ في تقديم نفسه كممثل لكل اليمن ووريث (تاريخي شرعي ) لنضال الشعب اليمني بأسره وفق ما كانت تقول به وثائقه وأدبياته حتى قيام الوحدة، تحت وهم أنّ فرعه الشمالي (حزب الوحدة الشعبية) سابقا ، منتشر كالهواء في كل المدن والقرى والجبال والسهول والبوادي على امتداد المحافظات الشمالية التي كانت تحكمها سلطة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأنّ مجرد قبول الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأركان نظامه بالاحتكام إلى صندوق الاقتراع بعد قيام الوحدة كافٍ لوصول الحزب إلى السلطة وقيادة اليمن الموحد بعد ذلك، على غرار ما يتوهم به الاخوان المسلمون ــــ حاليا ـــ بعد تنحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة وتسليمها للرئيس التوافقي المنتخب عبدربه منصور هادي غداة الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 21 فبراير 2012م .
ولهذا فإنّ القول بأنّ «الجنوبيين» وجدوا أنفسهم ( كماً مهملاً ) ، بعد أن دمجوا دولتهم بدولة الوحدة مردود على الحزب الاشتراكي بشكل عام وأمينه العام السابق علي سالم البيض بشكل خاص، وعلى الذين يسعون الى ركوب موجة (الحراك الحنوبي ) من داخل أحزاب (اللقاء المشترك )، بعد أن أصبحوا رهائن في شوارع مفتوحة على الأشباح، تحت تأثيراستخدام تكتيك (اللجوء إلى الشوارع ) بهدف الوصول الى السلطة بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة، والاضطرار للتأقلم والتكيف مع الغبار والرياح والأتربة والعواصف غير المحسوبة التي ينفتح عليها كل شارع .
وبمقتضى الأمانة التاريخية يتوجب التنويه بأن الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان مبادرا في اقتراح الصيغة الفيدرالية للوحدة أثناء زيارته لمدينة عدن أواخر نوفمبر 1989م، حيث قوبل ذلك الاقتراح برفض شديد من قيادة الحزب الاشتراكي، التي أصرت على إنزال مشروع دستور دولة الوحدة في صيغتها المركزية الاندماجية للاستفتاء، علماً بأنّ الصيغة الفيدرالية التي اقترحها الرئيس السابق علي عبدالله صالح للوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا ، ورفضها الحزب الاشتراكي آنذاك، كانت تنطوي على إمكانية إعادة صياغة مشروع دستور دولة الوحدة ـــ الذي لم يكن قد تم الاستفتاء عليه ـــ لاستيعاب أسس الدولة الفيدرالية التي اقترحها الرئيس السابق علي عبدالله صالح أثناء زيارته لعدن أواخر نوفمبر 1989 ، والتي كانت ستضمن للكيان الجنوبي وضع الشريك المتساوي في دولة الوحدة بعيدا عن معايير( الكم السكاني) الذي يراه الحزب الاشتراكي وأحزاب ( اللقاء المشترك ) حالياً بالاضافة الى الخطاب السياسي لمختلف مكونات ( الحراك الجنوبي) خطرا (جعل من الجنوبيين كماً مهملاً بعد أن دمج الجنوبيون دولتهم في دولة الوحدة ) ـــ وهم على حق في ذلك ــــ مع الأخذ بعين الاعتبار ان حزب الاصلاح تغيرت رؤيته كثيرا للقضية الجنوبية بعد أن أصبح شريكا مهيمنا في السلطة بموجب المبادرة الخليجية التي كان يرفضها بقوة ، حينما كان يراهن على ما يسمى (الحسم الثوري ) بدعم من الفرقة المدرعة المنحلة ، قبل زيارة وفد يمثل ( اللقاء المشترك ) وشركاءه لمبنى وزارة الخارجية الروسية في موسكو خريف عام 2011م، شأنه في ذلك شأن تغيير رؤيته لما يسمى مشروع ( التغيير الثوري ) الذي كان يطرحه ضمن اطار (اللقاء المشترك ) بعد أن استبدت بالاخوان المسلمين في اليمن، أوهام استبدال مشروع ( توريث الحكم) بمشروع ( التمكين والأخونة ) ، تمهيدا للاستيلاء على السلطة واقامة نظام شمولي في اليمن على طريق إعادة امبراطورية الخلافة الاسلامية .
الغريب في الأمر أنّ الخطاب السياسي والاعلامي لبعض القوى السياسية المنضوية في اطار أحزاب ( اللقاء المشترك ) وشركائه ظل طوال السنوات الماضية قبل الحكومة الانتقالية التي تشكلت بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في خريف عام 2011م ، كان يدين التعديلات التي جرت للدستور بعد الحرب، وهو ما كان يطرحه بشكل ملحوظ حزب التجمع اليمني للإصلاح ـــ بوصفه القائد الميداني لأحزاب (اللقاء المشترك) في العديد من التناولات التي ظهرت في صحافته ، وعلى لسان قادته وكتابه ومثقفيه الذين تناسوا قبل وصولهم الى نصف السلطة في خريف عام 2011م مسؤولية حزبهم عن أبشع وأقبح التعديلات التي انتهكت مبادئ المواطنة المتساوية ومهدت لتعديلات قانونية امتهنت حقوق المرأة وكرست التمييز ضدها، تحت ضغط استحقاقات مشاركة حزب ( الاصلاح ) في حرب 1994م ، والحكومة الائتلافية التي تشكلت على إثر خروج الحزب الاشتراكي من السلطة بعد تلك الحرب سيئة الصيت . مع الأخذ بعين الاعتبار ان النصوص الدستورية التي تؤكد على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات أمام الدستور والقانون كانت في مقدمة أسباب مقاطعة كتلة الاخوان المسلمين إجتماع مجلس الشورى في صنعاء صباح يوم 22 مايو 1990م ، المكرس لإقرار مشروع دستور دولة الوحدة قبل ساعات من رفع علم الجمهورية اليمنية الموحدة في عدن، كما كانت أيضا سببا رئيسا لمقاطعة حزب (الاصلاح ) الاستفتاء على الدستور بعد قيام الوحدة .
والمثير للدهشة ان الاخوان المسلمين في حزب التجمع اليمني للاصلاح حاولوا - بعد انضمامهم لتحالف اللقاء المشترك ـــ تبرير رفضهم لدستور دولة الوحدة ، بما في ذلك اصرارهم على ان تكون الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد ــــ وليس المصدر الرئيسي ــــ للتشريعات ، بأنه كان ينطلق من الحاجة لتطمين بعض الاوساط الاجتماعية والشركات العالمية وفي مقدمتها رجال الأعمال والمستثمرون الأجانب بأن الدستور يضمن لهم عدم صدور اي تشريعات بتاميم الملكية الخاصة والعودة الى النظام الاشتراكي الذي كان سائدا في الجنوب قبل الوحدة .. وهو عذر أقبح من الذنب الذي يقف وراء رفض مشروع دستور ومقاطعة الاستفتاء عليه بما هو استفتاء على الوحدة نفسها ، لأن مشروع دستور دولة الوحدة كان يتضمن نصوصا دستورية واضحة تصون الملكية الخاصة وتمنع اي شكل من أشكال المساس بها ، وتؤكد على حرية التملك والاستثمار الخاص في جميع المجالات !!.
ومما يثير التساؤل ــــ ايضا ـــ ان الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني وأنصارها من المستقلين الذين رشحهم الحزب في انتخابات 1993م، ساندت التعديلات الدستورية التي أجراها مجلس النواب بعد حرب 1994م الظالمة بناء على قرار اتخذه تيار الأغلبية الذي هيمن على اللجنة المركزية بعد تلك الحرب، قضى بتصويت كتلة الحزب البرلمانية وأنصارها لصالح تلك التعديلات سيئة الصيت. وقد صدر ذلك القرار في أول دورة للجنة المركزية خلال الفترة 1 - 6 سبتمبر 1994م بالموافقة على تلك التعديلات من خلال كتلة الحزب البرلمانية كمساهمة من الحزب في تطبيع الحياة السياسية بعد الحرب!!
من نافل القول إن الاحزاب السياسية المشاركة في حكومة المرحلة الانتقالية الراهنة تتوزع على تنويعات مختلفة . وإذا استبعدنا التحالف القائم بين المؤتمر الشعبي العام بما هو الحزب الحاكم سابقا ، مع بعض الاحزاب السياسية التي كانت تلعب دور المعارضة شكليا ، وهو تحالف يفتقر إلى هوية واضحة وخطاب سياسي وإعلامي محدد المعالم والأبعاد والأهداف، بوسعنا القول إنّ الخطاب السياسي والإعلامي لتحالف الاحزاب السياسية المنضوية في اطار(اللقاء المشترك) يُعد الأكثر حضوراً والأقوى صوتاً ، ناهيك عن حضوره الملموس في مجلس النواب بنسبة لا بأس بها من المقاعد البرلمانية التي فازت بها أحزاب (اللقاء المشترك) في انتخابات 2003م، كما تتمتع هذه الأحزاب بحضور صاخب في الساحة الإعلامية من خلال ترسانة من الصحف الحزبية والمواقع الإليكترونية التي تديرها وتنطلق باسمها إلى جانب عدد من الصحف المستقلة التي تحظى بدعم وتمويل من هذه الأحزاب والشركات الاعلامية المملوكة باسماء قادة بارزين في التنظيم السري للاخوان المسلمين في اليمن .
وبالنظر الى الدور القيادي لحزب التجمع اليمني للإصلاح في إطار تكتل (اللقاء المشترك))، فإنّ الإمكانات المالية والقدرات اللوجيستية التي يمتلكها هذا الحزب بوصفه الواجهة العلنية للتنظيم السري للإخوان المسلمين في اليمن، تعتبر رصيداً احتياطياً لمختلف المناشط السياسية والإعلامية والتعبوية لأحزاب (اللقاء المشترك)، حيث يدير هذا الحزب عدداً من الاستثمارات والشركات التجارية والتوكيلات الخاصة بشركات النفط والغاز العالمية التي تعمل في اليمن . كما يستحوذ في الوقت نفسه على موارد عدد كبير من الجمعيات الخيرية التي تنشط في مجال جمع الأموال تحت يافطات إنسانية مثل رعاية اليتامى والفقراء، ويافطات سياسية مثل دعم المجاهدين في فلسطين وأفغانستان وسوريا وباكستان ولبنان والصومال والعراق والفلبين والشيشان ــ وأخيرا الصين ـــ بالإضافة إلى حرص حزب (الإصلاح) على توظيف أعضائه وأنصاره من خطباء وأئمة المساجد ومدراء مدارس تحفيظ القرآن لدعم نشاطه الحزبي والتعبوي، واستثمار خطب الجمعة لأغراض الدعاية السياسية والحزبية !! .
وما من شك في أنّ الخطاب السياسي والإعلامي لبعض الأحزاب السياسية المشاركة في ادارة المرحلة الانتقالية بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، استهدف على مدى السنوات الماضية تحقيق مكاسب وأهداف سياسية وحزبية خلال المحطات الانتخابية (1997 - 2003 - 2006م)، حيث كان هذا الخطاب يسعى إلى إضعاف الحزب الحاكم سابقا ، وتشويه صورته داخلياً وخارجياً، وصولاً إلى رسم صورة سوداء وقاتمة للواقع في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والخدمية ، وفي مقدمتها الخدمات الكهربائية التي تدهورت الى مستوى كارثي في ظل حكومة الوفاق ، بالاضافة الى تسويق طائفة تقليدية من الاتهامات النمطية لحكومة المؤتمر الشعبي العام السابقة ، وفي مقدمتها اتهامها بالعجز وعدم الجدية في مكافحة الإرهاب والفساد والفقر، إلى جانب اتهامها بممارسة القمع والاستبداد وتضييق مساحة الديمقراطية، .
بوسعنا القول إنّ أحزاب (اللقاء المشترك) راهنت على توظيف هذه الاتهامات جنباً إلى جنب مع تسخير ماكنتها الإعلامية التي تضم ترسانة من الصحف والمواقع الإليكترونية الحزبية وشبه المستقلة والجمعيات الخيرية وخطباء وأئمة بعض المساجد، لتجديد خطابها السياسي والإعلامي وتحويله إلى طاقة دفع لحراك سياسي يتعاطى مع قضايا جديدة لم يسبق طرحها في المحطات الانتخابية السابقة.
بدأ هذا الخطاب يتعاطى في بادئ الأمر مع قضايا من نوعٍ جديد ، بدءاً باتهام الأطر الدستورية والمنظومة القانونية للنظام السابق بإنكار مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وتقنين التمييز ضد المرأة ، وما ينطوي عليه هذا النقد من تسويق لفكرة إصابة النظام السابق بعجز بنيوي لا يؤهله لإدارة شؤون الحكم وبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة وموحدة يتمتع المواطنون في ظلها بحقوق المواطنة المتساوية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية.
على هذا الطريق بدأ الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب المعارضة السابقة ، تسويق عدد من الرسائل متعددة الأبعاد إلى الداخل والخارج عبر مواقعها الإليكترونية وصحفها الحزبية بهدف توسيع دائرة المعارضة تمهيداً لدق طبول المواجهة بكل الاتجاهات. ولوحظ أنّ هذه الرسائل تميَّزت هذه المرة بطرح قضايا حقوقية ومطلبية تنطوي على ما يشبه الإدانة للأطر الدستورية والقانونية للدولة، وإثبات عجزها عن بناء دولة وطنية ديمقراطية موحدة لمواطنين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات.
المثير للدهشة أنّ صحف أحزاب (اللقاء المشترك) أبدت خلال النصف الأول من عام 2007م ـــ وهو العام الذي دشن فيه الحراك الجنوبي ظهوره العلني ـــ اهتماماً ملحوظاً بنقد التعديلات الدستورية التي تمت بعد حرب صيف 1994م لجهة التنديد بشطب المواد التي كانت تنص على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات أمام القانون، وتحول دون وجود أساس دستوري لتقنين التمييز ضد المرأة على نحو ما جرى من تعديلات لبعض القوانين بعد الحرب، وهي التعديلات التي أصبحت اليوم تشكل عبئاً ثقيلاً على النظام السياسي، وتشويها جارحا ً لصورة الوحدة ومعانيها، وبالقدر ذاته أبدت صحف (اللقاء المشترك) اهتماماً ملحوظاً بالدعوة لإعادة الاعتبار إلى هذه المواد التي كان يتضمنها دستور دولة الوحدة قبل حرب 1994م ، والتأكيد على أنّ الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق في ظل دستور لا ينص على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، ويوفر غطاءً دستوريا لتقنين التمييز ضد المرأة بذرائع دينية وقبلية .
اللافت للنظر أنّ الحراك السياسي لأحزاب (اللقاء المشترك) اتجه بعد إثارة مسألة خلو الدستور من ضمانات الاعتراف بحقوق المواطنة المتساوية، إلى دخول مناطق رمادية وزوايا حادة ابتداءً بإثارة قضية الوحدة وظروف تحقيقها والمشاكل الناجمة عن أزمة 1993م وحرب صيف 1994م، مروراً بنزول بعض قيادات (اللقاء المشترك) إلى المحافظات الجنوبية في زيارات ميدانية تناولت الإشادة والتذكير بدور قيادة الشطر الجنوبي من الوطن في تحقيق الوحدة، وتسويغ المبررات للأخطاء التي وقعت فيها تلك القيادة بإعلان مشروع الانفصال، وانتهاءً بالمراهنة على تجييش الشارع ضد حكومة النظام السابق عبر اعتصامات مدنية تطالب بحق امتلاك مزيد من الصحف ووسائل الإعلام لأحزاب (اللقاء المشترك) في ساحة مجاورة لمبنى مجلس الوزراء بالعاصمة صنعاء، إلى جانب تحريك اعتصامات تطالب بما أسماه القيادي الاخواني محمد قحطان (حق النوم) وغيرها من الحقوق المعيشية والوظيفية في ساحة أخرى اختاروا لها مكاناً مزدحما بالسكان والمنازل والمحلات التجارية في مدينة عدن، الأمر الذي أسهم في إنتاج مشهد سياسي ذي أبعادٍ متعددة ومتناقضة، وصلت ذروتها بدخول مفردات جديدة على خط الخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب (اللقاء المشترك) من شأنه تزييف الوعي، والتحضير للانقلاب على حقائق التاريخ والجغرافيا والإنسان في اليمن.
مما له دلالة مهمة إنّ حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يقود أحزاب (اللقاء المشترك) كان يضغط على قيادة الحزب الاشتراكي اليمني للانخراط في مشترك سياسي يستمد معطياته من المتغيرات التي حصلت بعد حرب صيف 1994م، على إثر أزمة سياسية عاصفة، كان حزب «الإصلاح» أحد صُنَّاعها والخصم الرئيسي للحزب الاشتراكي اليمني فيها.
والمعلوم أنّ تلك الأزمة انتهت بحرب ضروس كان حزب (الإصلاح) ومجاهدوه من بين الذين قرعوا طبولها وخاضوا غمارها، وقد انتهت تلك الحرب بخروج الحزب الاشتراكي اليمني من السلطة إلى الشوارع والمنافي، فيما كان حزب (الإصلاح) يسعى إلى إلغائه من الحياة السياسية ووراثة دوره ومكانه في المحافظات الجنوبية والشرقية والاستيلاء على ممتلكاته، ناهيك عن الممارسات والتجاوزات التي ارتكبتها القيادات الدينية والسياسية لهذا الحزب وبضمنها الاستيلاء على أراضي وعقارات ومزارع الدولة في المحافظات الجنوبية والشرقية ، باعتبارها من حقوق المشاركة في الحرب وغنائمها!!
وبوسع المحلل للخطاب السياسي والإعلامي لأحزاب (اللقاء المشترك) خلال الفترة 1997م حتى أوائل عام 2007م ملاحظة أنّ الحزب الاشتراكي اليمني حرص على مراعاة متطلبات التحالف مع خصمه القديم من خلال تجنب إثارة قضية تصفية آثار حرب صيف 1994م بالصورة التي كان يريدها جناح آخر في الحزب ــــ قبل ظهور الحراك الجنوبي السلمي ــــــ من خلال التشديد على أولوية (إصلاح مسار الوحدة ) على ما غيرها من المهام الماثلة أمام الحزب، حيث اتهم هذا التيار قيادة الحزب الاشتراكي اليمني بالتخلي عن (القضية الجنوبية) كأحد إفرازات حرب صيف 1994م .
ومما له دلالة ان تيار إصلاح مسار الوحدة في الحزب الاشتراكي لم يكن يبرئ حزب التجمع اليمني للإصلاح من المسؤولية عن تجاهل قيادة الحزب الاشتراكي للقضية الجنوبية ، باعتباره ليس شريكاً في شن تلك الحرب على الجنوب فحسب ، بل وشريكاً في نتائجها المأساوية وحصادها المر.. ومن المفارقات المثيرة للتساؤل أنّ الحزب الاشتراكي اليمني وحزب التجمع اليمني للإصلاح صاغا خطاباً سياسياً وإعلامياً مشتركاً طوال سنوات تحالفهما، حيث وافق الحزب تحت ضغط التحالف مع حزب (الاصلاح ) على استبعاد مطالب تيار إصلاح مسار الوحدة من هذا الخطاب.. لكن هذين الحزبين أصبحا اليوم يقفان في موقع ذلك التيار الذي اصبح جزءا لا يتجزأ من الحراك الجنوبي السلمي ، لجهة تضمين الخطاب السياسي والإعلامي الراهن لأحزاب (اللقاء المشترك) مفردات غامضة ومموهة ومتناقضة احيانا بشأن معالجة (القضية الجنوبية)، و(إصلاح مسار الدولة والنظام السياسي ) !!
ومما له دلالة إن حزب التجمع اليمني للإصلاح بادر إلى التعاطي مع (القضية الجنوبية ) بعد اول فعالية سياسية وثقافية دعت الى التصالح والتسامح بين مختلف المكونات السياسية الجنوبية في يناير عام 2006 بمقر جمعية ردفان الخيرية في عدن ، حيث دشن قادة بارزون في هذا الحزب خطابا سياسيا واعلاميا غير مسبوق ، طالبوا فيه بإعادة الاعتبار لدور قادة الحزب الاشتراكي في صنع الوحدة، وتعيين رئيس جنوبي للجمهورية اليمنية عبر تصريحات مثيرة للجدل أطلقها الأستاذ محمد قحطان والشيخ حميد الأحمر أثناء زيارة قام بها الأول لعدن والثاني للضالع في صيف عام 2007م ، تدشيناً لمرحلة جديدة من التجاذبات والاستقطابات السياسية والحزبية التي تميزت هذه المرة باندفاع خطير نحو المراهنة على خيارات سياسية مجهولة العواقب ، من خلال تكتيك اللجوء الى الشارع والافراط في رفع الشعارات الراديكالية، تمهيدا للسيطرة على السلطة والثروة والقوة العسكرية بوصفهما الهدف الاستراتيجي لمراكز القوى التقليدية ، والنخب والاوليغارشيات العسكرية والقبلية والدينية التي تشتغل منذ خمسين عاما ونيف على صناعة الثورة المضادة، وما ترتب على ذلك من تعويق لمشروع بناء الدولة المدنية الحديثة ، وتشويه صورة الوحدة ، بعد ان تمكنت هذه الأوليغارشيات من اختطاف الثورة والجمهورية والوحدة والسلطة والثروة على امتداد نصف قرن من الزمن