لم يفق الإصلاح بعد من صدمة خسارته الشعبية الهائلة التي تكبدها في الجنوب جراء تنظيمه لاحتفالية 21 فبراير المشؤومة حتى ينقل المعركة إلى تعز وبنفس الأدوات.
يظهر أن التمترس خلف الأخطاء «فرض عين» عند الإخوة في التجمع اليمني للإصلاح, فتمسكهم بكل أخطائهم التاريخية ابتداءً من إصرارهم على شرعية حرب 94 وعدم إدانتهم «لفتوى التمترس الشهيرة» إلى اليوم, يدل على أن للتمترس معزة خاصة في قلوبهم.
نفس الأخطاء التي ارتكبت في الجنوب وأدت إلى اضمحلال شعبيتهم, ترتكب اليوم في تعز وبنفس المنهجية, وكأن الإصلاح في سباق مع الزمن لهدر وإحراج كوادره في كل مكان خدمة لمصالح ضيقة لبعض المتنفذين فيه, فخسارة الإصلاح في الجنوب من إصراره على بقاء المحافظ وحيد رشيد في عدن لا توازيها إلا خسارته في تعز بسبب إصراره على عزل المحافظ شوقي هائل.
الصراع السياسي على المناصب والمصالح مشروع, واعتراضنا هو على الأدوات التي يستخدمها الإصلاح في معركته في تعز, فهو يخوض معركته السياسية في المحافظة بأدوات وثقافة مستوردة من محافظات أخرى, فالبلطجة والتقطع وشغل العصبات والمُبندقين ليست من ثقافة أبناء تعز, لذلك تجد الكثير من كوادر الإصلاح داخل تعز نفسها في حالة انفصام ما بين رغبات حزبهم وثقافة «تَعزِّهم».
شوقي أدار المحافظة بذكاء شديد وحنكة عالية لعلمه بحساسية صراع الهيمنة عليها, الذي تسعى له الكثير من القوى, وليس من مصلحة المحافظ ولا من مصلحة أسرته أن يكونوا محسوبين على هذا الطرف أو ذاك, لهذا ابتكر «المفاضلة» كوسيلة للتعيينات, أملاً منه في أن يوقف هذا الأسلوب الموضوعي والمهني الصراع المحموم بين مختلف مراكز القوى, والغريب أن أغلب القوى - قديمها وحديثها - رضخت لنتائج المفاضلة, ولم يشذ عن القاعدة إلا الإخوان المسلمون الذين اعتادوا التغريد خارج سرب القوى الوطنية ليس في اليمن فقط إنما في كل بلدان الربيع العربي.طبعاً الفجور في الخصومة هو طبع الإخوان, فنقلوا معركتهم - غير النزيهة - مع المحافظ إلى معركة مع مجموعة هائل, ووصل الأمر إلى أن اختصموا حتى «بسكويت أبو ولد», معتقدين أنهم يلوون الذراع التي قد تؤلم بيت هائل. نسي أو تناسى القائمون على صناعة القرار في الإصلاح أن وجود بيت هائل في تعز سبق وجود الإصلاح كحزب بعقود, وأن بيت هائل ليسوا مجرد تجار أسهموا في حل مشكلة البطالة في تعز بشكل خاص, إنما هم جزء من الثقافة المدنية والاجتماعية لأبناء المحافظة, فكما تفاخر صنعاء بقادتها العسكريين والقبليين, تفاخر تعز بأسرة بيت هائل التي وصلت إلى كل بيت في اليمن عبر»بسكويت أبو ولد» وليس عبر «بندق أبو تاج».
وكما كانت حساباتهم في الجنوب خاطئة في مهرجان 21 فبراير, أخطأت حساباتهم في تعز, فتعاظم التعاطف الشعبي مع بيت هائل ليس في تعز وحدها إنما في أغلب المحافظات اليمنية وخرجت مسيرة ضخمة مؤيدة لشوقي هائل لم يكن يحلم بها أي حزب سياسي, وكما أضافوا للحراك الجنوبي - بعد جريمتهم في عدن - زخماً بشرياً وجعلوه الرافعة لمشروع الجنوب السياسي, أضافوا لبيت هائل صفة جديدة وجعلوهم الحامل لمشروع تعز السياسي المدني, وتجسد ذلك في التفاف الجميع حول بيت هائل بما فيهم السلفيون وكل شركاء الإصلاح في المشترك وعلى رأسهم الاشتراكي والناصري «الحليف التقليدي للإخوان», إضافة إلى النخبة الثقافية والاجتماعية.
المعركة اليوم في تعز ليست بين أطراف سياسية كما يحاول الإصلاح أن يُظهرها, إنما هي بين ثقافات مختلفة, لذلك فقد توحد أغلب أبناء المحافظة - وبشكل تلقائي - بمختلف انتماءاتهم السياسية بما فيهم بعض الإخوان في الجانب الحامل لمشروع تعز المدني, وتوحد الإصلاحيين و «المصلاحيين» الحاملين لمشروع البلطجة والعسكرة في الجانب الآخر.
أعتقد أن أصل المشكلة في « خلطة الحريو» التي يتكون منها الإصلاح, فلا يوجد انسجام بين أركانه الأربعة (القبلي, السلفي, العسكري, الإخواني) المتصارعة داخل الحزب نفسه على السلطة والثروة, بل إن تلك الخلطة هي العائق الرئيس أمام التجمع اليمني للإصلاح في مختلف المحافظات, فأبناء المحافظات الجنوبية لديهم مشكلة مع الجناح العسكري «الغازي» والقبلي « الناهب «والسلفي «المفتي» في حرب 94م, وأبناء تعز وإب والحديدة لديهم مشكلة مع الذراع القبلي والعسكري الساعي إلى عسكرة تلك المحافظات بما يتنافى مع ثقافتهم المدنية, وأغلب أبناء الشمال من ذمار إلى صعدة لديهم مشكلة مع الجناح السلفي والإخواني الذي يتنافى مع ثقافتهم الدينية.